(بلفور)مصيبة صنعناها بأيدينا بقلم :منيب رشيد المصري

مهد مؤتمر بازل 1897، لإقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين التاريخية، وجسد وعد بلفور عام 1917 هذه الدولة على أرض الواقع، ولا نريد أن يكون الانقسام الفلسطيني الحاصل في عام 2007، (بلفور 2) ويؤسس لإقامة دولة يهودية من النيل إلى الفرات، نعم إن الانقسام الفلسطيني الذي بدأ في منتصف حزيران من العام 2007، هو يوازي وعد بلفور من حيث الآثار القاتلة على الشعب الفلسطيني، لذلك فقد أسميت هذا الانقسام (بلفور 2).

لا يمكن لأحد أن ينكر حقيقة تأثير الانقسام الفلسطيني على المشروع الوطني الفلسطيني بشكل عام، وحقيقة أنه يخدم فقط أعداء الشعب الفلسطيني، وهو الذي أعطى ذريعة للعديد من الدول العربية للدخول في علاقات طبيعية مع دولة الاحتلال، وهو الذي ضرب عصب التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية، والكثير الكثير من الآثار المدمرة على شعبنا وقضيتنا، لذلك فإن المطلوب من الفلسطينيين أن ينهوا هذه الصفحة السوداء من تاريخ الشعب الفلسطيني.

لذلك ومنذ اليوم الأول من الانقسام الفلسطيني ونحن نقول بوجوب إنهاءه وعدم الاستمرار به لان ذلك يعمق الشرخ الفلسطيني ويبعدنا عن هدفنا الحقيقي بإنهاء الاحتلال وحقنا في تقرير مصيرنا، لذلك واستمراراً لهذه الجهود تم تشكيل هيئة النوايا الحسنة لإنهاء الانقسام، في شهر آب الماضي، وهي تعمل من أجل إنهاء الانقسام الذي يشكل استمراره مقتلاً للقضية الفلسطينية، ولأجل ذلك قامت الهيئة بإعداد وثيقة لإنهاء الانقسام اعتمدت أساساً على ما تم الاتفاق عليه في جميع الحوارات التي تمت بين فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وفي مقدمتها حركتي فتح وحماس، ولم تأتِ هذه الوثيقة بجديد بل كانت عبارة عن حصيلة ما أجمعت واتفقت عليه الفصائل منذ حوارات القاهرة 2009 ولغاية الاجتماع الذي عقد في القاهرة للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في شهر شباط من هذا العام، ولاقت هذه الوثيقة ترحيباً من جميع الأطراف الفلسطينية، وأيضا من الأشقاء في مصر والأردن، لأنها ببساطة تشكل خارطة طريق لإنهاء الانقسام، والذي أعتبره أنا شخصياً موازيا لوعد بلفور من حيث تأثيره على الحقوق الطبيعية للشعب الفلسطيني.

لقد استطعنا، أن نمضي في مقاضاة بريطانيا على إصدارها لوعد بلفور أمام المحاكم الوطنية، والآن وقريباً جداً أمام المحاكم البريطانية، بعد أن أنهينا العديد من الفعاليات الرافضة لوعد بلفور في بريطانيا بمشاركة الجالية الفلسطينية والجاليات العربية والعديد من المتضامنين مع الشعب الفلسطيني في العاصمة لندن، وهذا واجبنا ودينٌ علينا يجب أن نوفيه، لأن المعركة القانونية هي جزء من النضال من أجل تحصيل حقوقنا، وفي ذات الآن علينا أن نعمل من أجل ترتيب أوضاعنا الداخلية، والتي حتماً تبدأ بإنهاء (بلفور 2) ألا وهو الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني.

لا أريد الدخول في أسباب الانقسام وفي أسباب استمراره، لأن ذلك قد يعقد القضية أكثر فجدلية المُتسبب به قد لا تنتهي وعلينا التركيز على الحل، فالوقت يمضي والاحتلال يتغول، والعرب ذاهبون نحو التطبيع، والعالم يتناسى قضيتنا، ونحن منشغلون بقضايانا الحياتية، ولا أحد يجرؤ على تعليق الجرس فلكل مصالحة الشخصية أو الفئوية أو الحزبية الضيقة، ولكن في خضم كل هذا أقول نحن في هيئة النوايا الحسنة نعمل من أجل الوصول إلى صيغة وحدوية تُخرج الحالة الفلسطينية مما هي عليه، وهذا الأمر ليس بصعب ولكنه ليس بسهل، وقد استبشرنا خيراً في اجتماع القيادة الأخير، من حيث رغبة الجميع في إنهاء الانقسام والذهاب نحو الخيار الوحدوي لقناعة الجميع بأن استمرار هذا الوضع سيقضي على آمال وطموحات الشعب الفلسطيني.

لا نريد أن يكون (بلفور 2) هو أداة مساعدة للاحتلال للتمدد نحو اختراق الدول العربية والسيطرة الاقتصادية والأمنية عليها، فالكل يعلم أن الشعب الفلسطيني هو خط الدفاع الأول لمجابهة تمدد الحركة الصهيونية نحو المنطقة العربية، ولا نريد أن يخترق هذا الخط بسبب حالة الانقسام والضعف التي نعيشها، لذلك فإن إعادة ترتيب البيت الداخلي ليس خياراً وإنما واجب وطني وتاريخي وعلى الجميع أن يعمل لكي ينهي الانقسام، وهنا أدعو الشقيقة جمهورية مصر العربية للعمل مع الأطراف الفلسطينية من أجل إنهاء هذا العار المسمى انقسام، كما أدعو الشقيقة المملكة الأردنية الهاشمية للمساعدة في إنهاء هذا الملف لأن استمراره يؤثر بشكل مباشر على مدينة القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها.

 إن (بلفور 2) هي مصيبة صنعناها بأيدينا وعلينا أن نعيد كل حساباتنا الحزبية والشخصية وتحيدها جانباً من أجل إنهاء هذا الملف واستعادة وحدتنا الوطنية على أسس كفاحية متفق عليها بين الجميع، وأقول بأن التاريخ لن يرحمنا إذا ما استمر أدائنا الداخلي على هذه الشاكلة، فإذا لم يستطع السياسيين الفلسطينيين إنهاء هذا الملف بالسرعة الممكنة وخلال أشهر قليلة، فإنه وكما عملنا على محاكمة إعلان بلفور، ومحاكمة دولة الاحتلال على انتهاكاتها في المناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربية، فإننا وبشكل جدي قد نتجه إلى محاكمة من لا يريد إنهاء الانقسام أمام المحاكم الوطنية، او حتى في محاكمات شعبية تحمل رمزية كبيرة لإدانة المتسببين في استمرار هذا العار، (بلفور 2) هي مصيبة وهي “الداء” فلنعمل جميعاً على إيجاد “الدواء” قبل أن يقضي علينا طاعون الانقسام.

Related posts

“النزاهة” تستضيف وفداً أكاديميّاً من جامعة القدس الفلسطينية

ارتفاع حصيلة شهداء غزة إلى 43,391 منذ بدء العدوان الإسرائيلي

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري