المخابرات تشرح نفسها ..

عروبة الاخباري – كتب سلطان الحطاب   
تعلوا الرطانة أحياناً فتصبح اصواتاً من الضجيج العالي، وتأخذ تصنيف اللغو من الكلام.. فقد دأب البعض القول إن الدائرة ويقصد أعمالها في مسيرة العمل الديمقراطي هي جزء من المشكلة، في حين لم يثبت ذلك وإنما ثبت بالدليل أنها جزء من الحل وأنها تساعد عليه او تصنعه ان كلفت..
اقول قولي هذا ونحن نريد التصعيد في كم الاشاعات التي تستهدف الموقف الاردني في مآلاتة الجديدة التي منها أنه الآن استشرف مرحلة اصلاح سياسي من خلال نتاج أعمال اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي انجزت واعلنت اعمالها، والتحدي الثاني الذي قبله الاردن هو تمسكه بحل الدولتين والقدس عاصمة لدولة فلسطين والمقدسات الاسلامية في وصايته، وهذه الثوابت الاردنية او المرتكزات التي يؤيد فيها حق الشعب الفلسطيني ويلتزم الوقوف ضده منذ ادرك ان اقامة دولة فلسطينية على ارض فلسطين هي مصلحة وطنية اردنية، لوقوعها في اطار المصالح الاردنية المباشرة..
وحتى لا تستمر الرطانة على بعض الالسنة ويجري خبز الاشاعة في افران جديدة لتظل ساخنة فإن لقاء مدير المخابرات مع بعض الصحفيين والكتاب -لم اكن بينهم- قطع قول كل خطيب، وأعاد كتابة السطر الامني ليكون في فاتحة الرسالة الاردنية..
قد تكون هذه من المرات القليلة ان لم تكن النادرة ان يلتقي مدير المخابرات مع مجموعة من الصحفيين والكتاب بشكل جماعي ليضعهم في صورة موقف الدائرة من ورشة الاصلاح السياسي المتمثلة في تحديث المنظومة السياسية..
لقد اراد المدير احمد حتوقاي ان يقول: هذا هو موقفنا .. موقف الدائرة وهو يمثل الموقف العام و موقف الدولة بكل مؤسساتها ويتطابق معها، وان لا رأي آخر للدائرة فيما جرى او اتخذ من قرارات، وان الدائرة ستكون جزءاً من العمل والحل ودفع المسيرة الاصلاحية والديمقراطية الى الامام، وليس جزءا من التحفظ او التعطيل او الاجندات الخاصة، وهذا القول يتزامن وتوازى ويتبع ما قاله جلالة الملك وما قاله رئيس لجنة تحديث المنظومة السياسية، وحتى رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات الذي استمعت الى رأيه امس الاول في مكتبه..
تحدث الباشا بلغة السياسيين ليؤكد موقف الدائرة ومنتسبيها وبلغة تبعث على الثقة حين قال: “ان ما تم انجازه من اعمال اللجنة انما يؤسس لمرحلة مقبلة” واضاف عبارة هامة انتظر الكثيرون سماعها بقوله:” اننا ايضا سندعم الحياة الحزبية في الاردن”.
ولعل الكلام القاطع في قول واحد هو وصفه ان ما تم من طروحات متدرجة جاءت ضمن مخطط استراتيجي على مراحل، وهي قابلة في اعتقادي المتواضع ان ما قاله مدير المخابرات هو الأهم بين كلام كثير من السياسيين عن الديمقراطية والاصلاح والتغيير والاحساس بالمسؤولية .. فالرجل أخذ التوجيه الملكي بجدية كبيرة ووضع خطة عمل للدائرة منذ فترة وقد تكاملت، وها هو يتحدث مع الصحفيين من مضمونها ليؤكد جملة من الثوابت والشواخص الهامة على طريق البناء والاصلاح..
كثيرون قفزوا رأساً الى ما قاله الباشا عن موقف الدائرة من الاصلاح والاحزاب والديمقراطية رغم انه تكلم كلاماً هاماً في البعد الامني الداخلي، وهي المهمة الاساسية للدائرة التي عليها ان تلعب الدور الرئيس في حماية التراب الوطني من اشكال عديدة في من المخاطر جاء على ذكرها..
والدائرة ايضا ستضع جهداً في تطوير المناخ الاقتصادي لصالح الوطن، بعدما اطفأت كل البؤر العالقة من الماضي والتي كانت تتحدث عن مخالفات وقصص عديدة ذهبت بذهاب ادارتها.
استوقفني حديثه عن الملف السوري و كنت ادرك ذلك منذ زمن، فموقف الحكومة كان مختلفا عن موقف الدائرة في قضايا الامن المتعلقة بالعلاقة مع سوريا التي ظل التنسيق الامني معها قائما، في حين كانت مواقف الحكومات متاثرة بالمناخ الدولي والاقليمي الى حد كبير، ولذا كان الخيط للقياس..
اذن الدائرة كما قال مديرها هي جزء من عملية التغيير والاصلاح وليس مصداً او عائقاً في وجه هذه العملية، كما ظل البعض ممن ركبوا موجة العمل الحزبي او السياسي او العام يبررون..
الدائرة اليوم ليست كما كانت بالامس، فقد اخذت بسنن التطور المادي التقني والبشري، و وضعت نفسها لتكون جزء من مسيرة بناء الدولة في المئوية الثانية.. مؤكداً كما اراد الملك للدائرة ان تواكب متطلبات المرحلة وطبيعة الجيل الجديد..
ما قاله الباشا ليس تدخلاً في الحياة السياسية ولا تسيساً للدائرة، لأن القوات المسلحة والدائرة جزء منها ظلت دائما على احترافيتها ومناقبيتها وطهارة سلاحها لا تتدخل في العمل السياسي.. ولذا فإن ما قصده هو ان تساعد الدائرة وان تشجع وتحمي، ويمكن ان لا تتدخل، وهذا ما أكده جلالة الملك في رسالته لرئيس اللجنة الملكية حين قطع وعداً أن لا يتدخل أحد في قرارات اللجنة وتوجهاتها، ولذا كان لزاماً أن تتحدث دائرة المخابرات حتى تخلي طرفها من اي تشكيك ظل البعض يعتقده او يرمي اليه كلما خسر او فشل..
صحيح ان هناك مؤشرات من الماضي التزمت بها اكثر من جهة كانت تشير الى تدخلات، ولذا يأتي لقاء المدير حتوقاي بالصحفيين ليجلوا هذه المسالة ويبين المساحة التي تعمل فيها الدائرة في مجال عملية التطوير والاصلاح.. مستمرا وغير مقطوع في البعد الامني الذي ساعد على سرعة اعادة الانتظام في العلاقة التي بدأ حجر الاساس فيها امنياً بحكم متطلبات المرحلة..
ما يهم الاغلبية من المثقفين والسياسيين والعاملين في العمل العام هو قول الباشا: سنكون كدائرة مخابرات جزء من هذا التغيير.. وهذا ما يرحب به المجتمع المدني الذي يستطيع ان يراقب وان يرى ان اسلحته في التغيير والوصول الى اهدافه الوطنية بدأت قوية بانضمام الدائرة الى مسيرة التغيير والاصلاح وتقديم النصح والمساعدة على اتخاذ القرار الصائب..
لقد استمعت الى حديث الباشا حتوقاي فكان واضحاً فصيحاً واضعاً النقاط على الحروف، ماهراً في تقديم رسالة المخابرات التي مكنها من ان تشرح نفسها بنفسها، بدل ان يظل هناك من يتحدث لها او عنها..

Related posts

كيف نخفف من خسائر الحرب؟* ماهر أبو طير

كلمة السر «في سرك»!* بشار جرار

كيف نتكيّف سياسياً مع المرحلة “الترامبية”؟* حسين الرواشدة