ما دعاني للكتابة حول دور الإتحاد الأوروبي في القضية الفلسطينية هو لقاء جمعني وبعض الاخوان، قبل عدة أيام، مع ديبلوماسي أوروبي رفيع المستوى دمث ومخضرم، ومتضامن مع الشعب الفلسطيني، وعلى اطلاع واسع بالموضوع الداخلي الفلسطيني، وبالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، واهتمامه الكبير بضرورة العمل على ترتيب الأوضاع الفلسطينية الداخلية حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من مخاطبة العالم من خلال مؤسساته الشرعية والموحدة، وأن الانتخابات في الحالة الفلسطينية أمر مهم وملح، لأن الشعب الفلسطيني يخسر أمام العالم في كل يوم يمر عليه وهو منقسم، وفي كل يوم يمر عليه دون إجراء الانتخابات التي تُشكل مدخلاً ديمقراطياً وخطوة مهمة باتجاه ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني.
وحول تشكيل “حكومة وحدة وطنية” قال بان هذا الأمر يعود للفلسطينيين، ومدى خدمة هذه الخطوة للذهاب نحو انهاء الانقسام وإجراء الانتخابات، مشيراً إلى أن انضمام حركة حماس أو أي تنظيم فلسطيني آخر إلى هذه الحكومة، لن يعارضه الاتحاد الأوروبي طالما اعترفت الحكومة في بيانها الوزاري بالقانون الدولي، وبالاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية، فالاعتراف بالشرعية الدولية مطلوب من الدول والحكومات وليس من الأحزاب والحركات. كما ذكر أن الاتحاد الأوروبي، على اتصال، من خلال طرف ثالث، مع حركة حماس، وهم يعتبرون هذه الحركة جزء من التركيبة السياسية والاجتماعية الفلسطينية.
ولم يكتفي هذا الدبلوماسي بالحديث عن ضرورة الانتخابات بل لمح إلى إمكانية أن يقوم الاتحاد الأوروبي بمراجعة خططه في دعم السلطة الفلسطينية، من ناحية تقليص هذا الدعم، في حال عدم إجراء الانتخابات العامة، حيث أنه وبرأيه يمكن إيجاد طرق لإجراء الانتخابات في مدينة القدس الشرقية المحتلة واحراج إسرائيل أمام العالم دون المس بوضع القدس من ناحية أنها مدينة محتلة، وقد أبلغوا الرئاسة الفلسطينية بأنهم يدعمون الانتخابات في مدينة القدس الشرقية، حيث أشار إلى أنه لا يمكن للبرلمان الأوروبي أن يبرر تقديم الدعم المادي لأي دولة لا تحترم حق المواطن في اختيار من يمثله، لأن هذا الأمر يمس بالمبادئ الأساسية لشعوب الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى أنه أيد التوجه إلى القضاء الوطني الفلسطيني من طرف المواطنين المتضررين من سياسات الاحتلال باعتبار أن هذا التوجه فكرة جيدة، ويمكن البناء عليها في القضاء الدولي.
أعتقد أن حديث هذا الدبلوماسي يقرع جرس الإنذار لنا جميعاً، في ضرورة إنهاء الانقسام، والذهاب نحو تجديد الشرعيات من خلال صندوق الاقتراع، لكي نحافظ ليس فقط على المساعدات والمنح المالية التي تأتي باسم الشعب الفلسطيني إلى خزينة السلطة الفلسطينية، بل أيضا، وهذا هو الأهم، للحفاظ على الموقف السياسي الداعم للقضية الفلسطينية ولحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإن إنهاء الانقسام مقدمة مهمة لمطالبة دول الاتحاد الأوروبي بالاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية.
لقد كان للدعم السياسي الذي قدمه الاتحاد الأوروبي للقضية الفلسطينية أثراً مهما في إبقاء القضية حاضرة على الأجندات الدولية، من خلال تبني الاتحاد الأوروبي لوثيقة شومان والتي نصت على ضرورة تطبيق قرار 242 و338، وكان ذلك في العام 1971، أي في فترة مبكرة من الصراع.
وأيضا وفي بداية ثمانينيات القرن الماضي، -وأنا كنت شاهداً على تلك الفترة بحكم علاقتي مع الشهيد ياسر عرفات -، تبنى الاتحاد الأوروبي إعلان البندقية، الذي شكل تحول إيجابي في موقف الاتحاد الأوروبي، حيث تحدث الإعلان عن ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية والتي هي ليست فقط قضية لاجئين، وعن حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وضرورة إشراك منظمة التحرير الفلسطينية في أي مفاوضات قادمة لحل الصراع.
وفي تسعينيات القرن الماضي حدث تحول آخر في موقف الاتحاد الأوروبي وبخاصة بعد انتفاضة الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة عام 1987، ومؤتمر مدريد للسلام، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي دعمه لجهود السلام في المنطقة على قاعدة حق الشعوب في تقرير مصيرها.
وهنا لا بد أن أسجل الدور الذي لعبته بعض الدول الأوروبية، وأنا كنت شاهدا على هذا، في نقل مقر الأمم المتحدة من نيويورك إلى جنيف ليتمكن الرئيس ياسر عرفات من إلقاء خطابه أمام الأمم المتحدة، بعد أن امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن منح تأشيرة دخول له إلى أراضيها، وكان ذلك عام 1988.
مع دخول منظمة التحرير الفلسطينية في اتفاق سلام مع إسرائيل، يمكن القول بأن الدعم المادي الأوروبي للسلطة الفلسطينية أصبح أساسياً، لكن في المقابل لم يتعزز دورها السياسي في حل الصراع، وكان هذا ملاحظاً في أن الاتحاد الأوروبي لم يكن يخالف موقف الولايات المتحدة الأمريكية بشكل عام، منذ تسعينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم من هذا الموقف الذي يتماهى مع موقف الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن موقف الاتحاد الأوروبي من وضع الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 بقي ثابتاً، بأن الاتحاد الأوروبي لا يعترف بالسيادة الإسرائيلية على الأرض المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، ويعتبر الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة وقطاع غزة وحدة سياسية وجغرافية واحدة، وان موقف الاتحاد الأوروبي بقي ناقداً لسياسات الاحتلال، داعياً إلى ضرورة إنهاءه، ونرى أن موقفه كان واضحا في إدانة قانون الدولة اليهودية عام 2018، وفي إدانته لضم أراضي الجولان، باعتبارها أراضي محتلة، ووقف ضد مشروع الضم الذي أعلنت عنه إسرائيل كجزء من صفقة القرن، ولا ننسى أن الاتحاد الأوروبي هو جزء من اللجنة الرباعية الدولية.
من خلال متابعتي وعلاقاتي على مدار سنوات طويلة، تمتد لأكر من أربعين عاماً، مع دبلوماسيين أوروبيين، وصناع قرار هناك، فإن الاتحاد الأوروبي له مصلحة كبيرة في إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس قرارات الشرعية الدولية، وموقفه ثابت ومعلن حول ضرورة إنهاء الصراع على أساس حل الدولتين، لأن ذلك سيقود إلى الأمن والاستقرار في منطقة قريبة من حدود دول الاتحاد الأوروبي، ومصالحه السياسية والاقتصادية تتطلب الأمن والسلام في المنطقة.
ومن هنا لا بد من البناء على مواقف الاتحاد الأوروبي، والتطورات الإيجابية الأخيرة في الرأي العام هناك تجاه القضية الفلسطينية ورفض فكرة استمرار الاحتلال، بالإضافة إلى قرار مؤتمر حزب العمال البريطاني الأخير باعتبار إسرائيل دولة فصل عنصري، وموقف صحيفة الغارديان من وعد بلفور ودولة إسرائيل حين اعتبرت دعمها لوعد بلفور من أسوأ الأخطاء التي ارتكبتها الصحيفة خلال 200 عام من تاريخها، وذكرت الصحيفة أن استماعها إلى أنصار الصهيونية أعماها عن حقوق الفلسطينيين، وأشارت إلى أن إسرائيل اليوم ليست الدولة التي توقعتها الغارديان أو كانت تريدها.
أعتقد أن ما قاله هذا الدبلوماسي لي مهم جداً لمعرفة التوجهات الأوروبية القادمة، وأنا لا أقول بأنه يجب أن ننفذ ما يُقال لنا، فهذه فكرة مرفوضة كلياً، ولكن ما قيل لي، لا يتعارض اطلاقاً مع المشروع الوطني الفلسطيني، حيث أن إنهاء الانقسام، والذهاب نحو انتخابات عامة، وأيضا البناء على بعض ما جاء من أفكار خلال خطاب الرئيس أبو مازن الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خطوة أساسية باتجاه ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، فلنعمل على الحفاظ على موقف الاتحاد الأوروبي الداعم لقضيتنا الوطنية العادلة، ولنعمل من أجل مزيد من الدعم العالمي لقضيتنا، وهذا فقط يتأتى من خلال توحيد كلمتنا وتجديد شرعية مؤسساتنا.