ليست هي المرة الأولى، ففي تموز/يوليو 1958 اندلعت ثورة عنيفة داخل سجون الاحتلال، فاستطاع 66 معتقلًا فلسطينيًّا من تحرير أنفسهم. كذلك عام 2014، عندما حفر المعتقلون والأسرى نفقًا لخروج الأسرى. لكن العملية الأخيرة كانت عملية نوعية وقد جاءت بتوقيتٍ مُختلف، وبظروفٍ ومعطياتٍ مستجدة، لها علاقة بالوضع الفلسطيني، وبالوضع العربي عامة. حيث تُعدُّ عملية الفرار لعدد من الأسرى الفلسطينيين من سجن (جلبوع) داخل فلسطين المحتلة عملية نوعية بكل ما للكلمة من معنى، وقد أصابت بصدمتها مؤسسة الجيش، وكل الأوساط السياسية والأمنية “الإسرائيلية” عامة. فقد نجح الأسرى الستة من حفر أخدود تحت أرضي على مدى عدة أشهر، من داخل زنزانة في قسم رقم 2 من داخل السجن إلى خارجه. فنجحوا في تحرير أنفسهم، والخروج من (ربقة) الاعتقال، من السجن شديد التحصين، مما دفع سلطات الاحتلال للقيام بأعمال البحث مع سلسلة من التحقيقات في الواقعة ذاتها.
ويُوصف سجن (جلبوع) الذي يلاصق سجن (شطة) ويقع قرب مدينة بيسان في فلسطين المحتلة عام 1948، بأنه “سجن الخزنة” بسبب إحكام الإجراءات فيه، لمنع أي محاولة فرار منه. علمًا أن سجن (جلبوع) أُنشئ بإشراف خبراء أيرلنديين وافتتح في العام 2004 بالقرب من سجن (شطة)، في منطقة بيسان.
تلك العملية، الصاعقة، أو المفاجئة، والتي هبطت على رؤوس قادة الاحتلال “الإسرائيلي”، كان من نتائجها تحرير الأسرى الستة، ونيلهم حريتهم على أرض وطنهم فلسطين، وهم: محمود عبدالله عارضة (46 عاما) من عرابة قضاء مدينة جنين، والأسير محمد قاسم عارضة (39 عاما) من عرابة قضاء جنين، والأسير يعقوب محمود قادري (49 عاما) من بير الباشا، والأسير أيهم نايف كممجي (35 عاما) من كفر دان قضاء نابلس، والأسير زكريا زبيدي (46 عاما) من مخيم جنين، والأسير يعقوب انفيعات (26 عاما) من يعبد قضاء جنين أيضًا.
إن الرسائل التي حملتها تلك العملية الجريئة، كثيرة ومتعددة، أهمها: أولًا: إن الشعب الفلسطيني لديه الاستعدادية العالية لابتداع كل أشكال المقاومة بوجه الاحتلال، حتى من داخل السجون والمعتقلات. وثانيًا: إن المعتقلات والسجون والزنازين “الإسرائيلية” لن تعيق الحركة الوطنية لعموم الفصائل وكوادرها القابعة في سجون الاحتلال، فأدوارهم موجودة وفاعلة، وقد حولوا المعتقلات إلى أكاديميات لتخريج الكوادر المجربة بوجه الاحتلال. وثالث تلك الرسائل: إن كل الاحتياطات العسكرية والأمنية “الإسرائيلية” لن تثني الشعب العربي الفلسطيني عن تجديد روح المقاومة بالأشكال والأنماط المُختلفة، وغير العادية لكسر جبروت الاحتلال. ورابعها: ما أصاب صنَّاع القرار السياسي والعسكري والأمني في “إسرائيل”، الذين أصيبوا بالهلع نتيجة الفعل الكفاحي لمجموعة من الشبان الذين شقوا طريقهم واستطاعوا الخروج من سجون ومعتقلات الاحتلال. وخامسها: إن تحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال عملية عاجلة، ولو بالطرق السلمية أو غيرها، فهناك نحو خمسة آلاف معتقل فلسطيني في سجون الاحتلال. من كل الفصائل، وخصوصًا من حركة فتح، وحماس، والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وباقي القوى وفق حضورها وفعالياتها على الأرض في فلسطين.
لقد تضاربت المُعطيات “الإسرائيلية” بشأن تحرير الأسرى لأنفسهم من سجون الاحتلال، وبدت الأطراف الأمنية المختلفة بتحميل المسؤولية لغيرها. علمًا أن عملية الترتيبات التي قام بها الأسرى لخروجهم من سجون الاحتلال، كانت معقّدة، واحتاجت لعملٍ مضنٍ، وقد كشفت عنها “مصلحة السجون الإسرائيلية” عبر شريط فيديو، حيث قالت إنه لفتحة تقع أسفل مغسلة في الزنزانة التي تواجد فيها الأسرى قبل تحرير أنفسهم وخروجهم من السجن. وتؤدي الفتحة إلى نفقٍ، يصل إلى خارج حدود السجن، بطول عشرات الأمتار. فيما يعتقد البعض من جهاز الأمن الداخلي “الإسرائيلي” (الشاباك) بأن الأسرى تمكنوا من حفر نفق خلال الأشهر القليلة الماضية، ونسقوا مع أشخاص خارج السجن باستخدام هاتف محمول مهرّب، وكان لديهم سيارة هروب في انتظارهم. ومن بين تلك الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” من اعتبر: “أن هناك فجوات عديدة في خط السياج الفاصل بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية في منطقة (جلبوع)، يعبر من خلالها العديد من الأشخاص بدون تصاريح”. ومن بين من قال: “لقد تم حفر نفق بطول 25 مترا استغرق حفره سنة.
أخيرًا، إن عملية تحرير الأسرى الفلسطينيين الستَّة من سجن (جلبوع)، كانت متخمة بمزيج صاخب من الكبرياء الفلسطيني، والإحراج “الإسرائيلي”، فثلاثة أسرى من بين الستة الذين شاركوا في عملية الهروب مصنفون بأنهم بـ”مستوى خطورة مرتفع للهرب”، وفق التقييم “الإسرائيلي”. وخروجهم بالطريقة إياها يُعدُّ مفخرة عند عامة الشعب الفلسطيني، وإصرارًا على متابعة الطريق لتحرير كل الأسرى من سجون الاحتلال.
تحرير الأسرى من سجن (جلبوع) / علي بدوان
9
المقالة السابقة