عروبة الإخباري- كتب سلطان الحطاب
لم يكن تامر المصري طبيباًعادياً بل كان يسعى ان يستفيد الجمهور من علمه وخبرته وعلاقاته الاجتماعية، ولذا كرس وقته للمعالجات النفسية لجمهور واسع من الشابات والشبان ممن تخطفتهم الحياة خارج اطاراتهم التقليدية، ليعالج فيهم الادمان المتنوع المصادر والسلوك الخارج عن السوية المالوفة..
وجدت فيه حماساً منقطعا ورغبة في حماية المجتمع، فقد كان يؤمن بالارشاد والتربية السلمية التي يعتبرها درهم الوقاية الذي هو خير من العلاج، كان يضع يده على البدايات ليتسلسل مع كل مريض او يحتاج لعلاجه الى ان يدرك معه اين عليه ان يتوقف ليبدأ مشوار العلاج..
كثيرون تم شفاؤهم على يده بعد ان تعهدهم في العيادة او المستشفى..
مازال مجتمعنا لا يعكس بما في المجتمعات الغربية من اهتمامات بالطب النفسي و طب الادمان لاسباب عديدة، ابرزها حالة التخلف العام والثقافة ذات الطبيعة الاسطورية او المتخلفة، ولكن بجهوده وجهود امثاله من الاطباء في نفس التخصص استطاع ان يبني مناخات مناسبة يمكن الارتقاء بها او الاستثمار فيها…
ولذا لا بد لمثل هذا الطب من تعاقدات اجتماعية مع المجتمع ، ولابد من حزمه امان تحيط بالمجتمع لتفعيل فعلها، ولذا لابد من صناعة روابط اجتماعية في كل مدينة وقرية تضمن محاصرة الادمان وتفشيه، ووضع حد لسلوكيات كثيرة اوجعت مجتمعاتنا ومازالت توجعها..
اعتقد انه بدل ان نتوجه جميعا الى الشكوى ولعن الظلام علينا ان نتوجه حيث يتوجه الدكتور تامر المصري في بناء مجتمع اقوى في وجه حالة العصف بثوابت مجتمعنا وقيمه.. وان تنفق الدولة الكثير في هذا السبيل من خلال بناء مراكز ارشاد وتوجيه..
في بلدنا لا تشكي مراكز المدن فقط من الادمان ولا حتى المدن الرئيسية، بل ان الانتشار يضرب في الاطراف ويتسع ويسرى في كل البيئات الغنية والفقيرة، على حد سواء، ويؤخذ على مجتمعنا اهماله لكثير من القضايا التي تحد من هذه الجرائم ، وينفذ كثير من المتعاطين من حيل متعددة و عبر سلسلة من الفساد والرشاوة الى ادوية وحبوب وصيدليات لا يلبث اصحابها ان يكونوا ضحايا حين يستعصي على المتعاطين الحصول على ما يريدون..
تامر المصري الطبيب الذي درس الطب النفسي عمل في القوات المسلحة ضابطا، واشتغل في الخدمات الطبية الملكية لسنوات لا يعتبرها طويلة، فقد ترك في رتبة مقدم ليدخل الى الحياة المدنية ويبدأ مشواره…
اتفق مع الدكتور تامر محمد المصري في نقده الاداء العام في الجسم الطبي لصالح الامراض النفسية والادمان ، وقد كنت استمعت اليه وارجو ان تعمم محاضراته لتكون من وسائل العلاج، فاستشاري الامراض النفسية والادمان حذر ومازال يحذر في كل مراحل عمله حين كان في البورد الاردني، وعمل مع الأمم المتحدة وعمله وقاد جمعية الطب النفسي في الخدمات الطبية ليراكم خبرات مناسبة.
مازلنا في بلدنا نعطي الطب التقليدي اهتماما اكبر واكثر، في حين نحن بحاجة الى ان نولى الطب النفسي ومعالجة الادمان ما يستحقها من اهتمام، وبعد ان اصبح لزوماً لذلك..
واعتقد ونحن نمتلك المركز الوطني للصحة النفسية وهو مستشفى قديم في الفحيص اننا بحاجة الى مستشفيات اخرى لنفس التخصص وفي اكثر من جهة من جهات المملكة، وان تولى في المراتب الطبية هذا التخصص جلّ الاهتمام.. وان يصبح صوت الاطباء النفسيين صوتا عاليا، وان تكون لهم مواقع قيادية..
كل انواع التخصصات استطاعت ان تكون في موقع الوزير الاّ تخصص الامراض النفسية الذي نأمل ان يصل اصحابه الى القرار الصحي او الطبي في يوم من الايام، لندرك من خلالهم رغبة اوسع في خدمة هذا التخصص.. وان نراه اكثر شيوعا وممارسة..
واذا كان من ملاحظات يمكنني ان ابديها فإن الاطباء النفسيين في بلدنا ليسوا على سوية واحدة، فهناك من يتحمل مشاق المهنة و يعايشها، فقد رأيت بأم عيني الدكتور المصري يبتسم حين كان أحد مرضاه المتوترين يشتمه، ولم يتوقف عند هذه الحالة إلا لمزيد من معالجتها وليس الرد على صاحبها.. في حين انني ايضا وانا بصدد الاستطلاع رأيت طبيباً آخر يقرع مريضا لأن المريض احتج على زمن الانتظار، ولذا قدم الطبيب يومها أسوأ صورة لطبيب ، هي صورة لا يمكن ان تكون مقبولة من طبيب نفسي لو كان تعليمه او تأهيله مكانه في العلاج..