لا شك أن أولويات الحكومة الاقتصادية من الناحية النظرية، هي ذات الأولويات التي عند المواطنين، على اعتبار ان الحكومة في خدمة الشعب وتسعى لتحقيق تطلعاته بالعيش الآمن والكريم، وهذا لا يختلف عليه اثنان.
لكن في الواقع هناك اختلاف كبير بين الأولويات الاقتصادية فيما بين الحكومة والمواطن، فكلاهما يغني على ليلاه، ويتطلع كُل منهما لتحقيق أهداف تختلف في أولوياتها عن الآخر.
أولويات الحكومة في ظل تنامي عجز الموازنة واستمرار التحديات الاقتصادية تكمن في توفير المساحات المالية الآمنة للخزينة حتى تتمكن من توفير المخصصات المالية الكافية والكاملة للوفاء بالتزاماتها المالية سواء أكانت داخلية أم خارجية، والمقصود بذلك رواتب العاملين والمتقاعدين لديها والتي تناهز الـ350 مليون دينار شهرياً، إضافة إلى التزامات خدمة الدين الخارجي والذي يبلغ ما يقارب الـ120 مليون دينار شهريا، وتوفير ما يقارب الـ90 مليون دينار شهريا لتمويل نفقات الدولة المختلفة والحفاظ على استدامة عمل الوزارات والمؤسسات الرسمية المختلفة، أي ان الحكومة بحاجة إلى ما يقارب الـ580 مليون دينار شهريا لتلبية احتياجاتها والتزاماتها المختلفة، وهذا المبلغ للأسف لا يتوفر كله من إيرادات الدولة المحلية، فهناك عجز شهري يزيد على الـ120 مليون دينار شهريا، تتم تغطيته بالاقتراض الداخلي والخارجي.
أولويات الحكومة الاقتصادية الحفاظ قدر الإمكان على هيكل الإيرادات المحلية الراهنة دون التلاعب فيها تخوفا من أي تراجعات غير محمودة في إجمالي الإيرادات المحلية، مما سيعني تفاقم العجز.
بالنسبة للمواطنين فغالبية الأمور السابقة لا تعنيهم بشيء، وقلة قليلة منهم من يأخذ التحديات السابقة على محمل الجد في تفكيره اليومي ونقاشاته المختلفة، والأغلبية الباقية تنظر للمسائل السابقة باعتبارها مسلمات وواجب الدولة توفيرها بغض النظر عن كيفية تحقيق ذلك.
فالمواطنون لا يعنيهم اذا ما اقترضت الحكومة لاستكمال دفع اجورهم، فهم يريدون الرواتب لا غير، ومسألة الاقتراض او تنامي الدين او العجز هي في آخر أولويات تفكيرهم.
المواطنون لا يعنيهم تضخم القطاع العام وعدم قدرة الحكومة على خلق مزيد من الفرص العمل، وان الاستمرار بسياسة التعيين العشوائي أدت إلى تراجع كفاءة القطاع وإنتاجيته، فالغالبية منهم تريد التوظيف في الوزارات والمؤسسات الرسمية، فالمحصلة في تفكيره ان الحكومة ملزمة بتوفير فرص العمل للأردنيين لديهم.
المواطنون لا تعنيهم سياسات الدعم وكم تكلف الخزينة وانعكاساتها على العجز ومن هم المستفيدون الحقيقيون، بأولوياتهم هو ان يحصلوا على سلع وخدمات تكون مدعومة قدر الإمكان.
بالمقابل تجد أن غالبية النقاشات التي تدور في داخل الأسر الأردنية تتعلق في غالبيتها بالأمن المعيشي والاوضاع الاقتصادية العامة في البلاد، ولا يكاد يخلو ذلك من تحميل الحكومات كُل أعباء تداعيات الإدارة الرسمية للملف الاقتصادي، واتهام الجهات والوزارات المختلفة بأنها هي المسؤولة عما آلت اليه الأمور الاقتصادية من نمو كبير في المديونية والعجز وتراجع في الخدمات وعدم القدرة على التوظيف.
الفجوة كبيرة بين الأولويات الاقتصادية لدى كُل من الحكومة والمواطن من الناحية العملية، فالتناقض حاصل بينهما رغم ان الأساس او المنطق يفترض ان الأولويات يجب ان تكون واحدة ومنسجمة بين الجانبين، لكن فجوة عدم الثقة من الشارع باتجاه الحكومات أدت إلى تضارب الأولويات والاهداف معا، لذلك نشاهد سياسات وإجراءات تهدف لتحقيق أهداف معينة ومحددة، لكن في الواقع تخرج بنتائج عكس ما تم التخطيط له .