عروبة الإخباري – هاجم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الطبقة السياسية اللبنانية بشدة بمناسبة مؤتمر المانحين الذي يأمل أن يجمع من خلاله 350 مليون دولار، مشددا على أنه لا شيك على بياض لأحد، في موقف يظهر أن فرنسا تمضي في مسار العقوبات لإجبار السياسيين اللبنانيين على دعم حكومة إصلاحات اقتصادية مثلما يطالب بذلك المجتمع الدولي.
ووصف ماكرون السياسيين اللبنانيين بأنهم فاشلون وأنهم يراهنون على “استراتيجية المماطلة، وهو أمر مؤسف”، وهو “فشل تاريخي وأخلاقي”.
لكنه أكد، تزامناً مع مرور عام على انفجار مرفأ بيروت، أنه “لن يكون هناك شيك على بياض للنظام السياسي اللبناني”، وأن “على القادة اللبنانيين ألا يشكوا ولو لثانية واحدة بتصميمنا”.
وقالت أوساط سياسية لبنانية إن خطاب ماكرون يرسل إشارات قوية على أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة المحاسبة لمن يقفون بوجه تشكيل الحكومة الجديدة، وأن باريس وحلفاءها لن يسمحوا بمشاورات جديدة تستمر أشهرا مثلما جرى مع رئيس الحكومة المكلف السابق سعد الحريري الذي قادت خلافات بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون إلى رحلة طويلة من المناكفة وتسجيل النقاط جعلت اللبنانيين يخسرون تسعة أشهر في عزّ أزماتهم الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
وتساءلت هذه الأوساط إذا كان موقف باريس وحلفائها بهذا الوضوح فلمن يتم جمع الأموال في مؤتمر المانحين وكيف يمكن توظيف هذه الأموال لمساعدة لبنان إذا لم تمر بالمؤسسات الرسمية، وسط مخاوف من أن تصل هذه الأموال إلى الأحزاب بشكل أو بآخر لتقوّي بها مواقعها.
واعتبر ماكرون، الذي يقود منذ عام ضغوطاً دولية على المسؤولين لتشكيل حكومة جديدة، أنّ “الأزمة التي يشهدها لبنان لم تكن حتمية بل أتت نتيجة إفلاس شخصي وجماعي واختلالات غير مبررة”.
وأضاف من المقر الصيفي للرؤساء الفرنسيين في بورم لي ميموزا في جنوب فرنسا “استمرت الطبقة السياسية اللبنانية مجتمعة في تعميق (الأزمة) من خلال إعطاء الأولوية لمصالحها الشخصية وأنصارها قبل مصالح الشعب اللبناني”.
ولم تتمكن القوى السياسية منذ عام من تشكيل حكومة جديدة. وكلّف رئيس الجمهورية في السادس والعشرين من يوليو رئيس الحكومة الأسبق، نجيب ميقاتي، بتشكيل حكومة، ليكون بذلك ثالث شخصية توكل إليها هذه المهمة الصعبة، من دون أن يُحرز تقدما.
ويشترط المجتمع الدولي منذ عام تشكيل حكومة تضم اختصاصيين وتقبل على إصلاحات جذرية مقابل تقديم الدعم المالي. ويكتفي في الانتظار بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة، من دون المرور بالمؤسسات الرسمية، رغم تكرار السلطات مناشدتها للجهات المانحة عدم ربط دعمها للبنان بتشكيل حكومة.
وقال ماكرون “لقد فوتوا كل الفرص ولم يحترموا أي التزام”، مضيفا “يستحق لبنان ألا يستمر بالعيش معتمدا إلى ما لا نهاية على التضامن الدولي”.
وأعلن عن تقديم بلاده مساعدات جديدة عاجلة بقيمة نحو مئة مليون يورو في الأشهر الـ12 المقبلة، بعد 85 مليون يورو قدّمتها عام 2020، للاستجابة إلى الاحتياجات المباشرة للسكان في مجالات المواد الغذائية والتعليم والصحة وتنقية المياه. وأفاد كذلك بأن بلاده سترسل نصف مليون جرعة من اللقاحات المضادة لفايروس كورونا في الأسابيع المقبلة.
وتأمل فرنسا في جمع 350 مليون يورو من المؤتمر، وهي قيمة الاحتياجات الجديدة التي حددتها الأمم المتحدة، المشاركة في تنظيم المؤتمر والممثلة بنائبة الأمين العام أمينة محمّد.
وشدّد ماكرون على أنّ “مؤتمر اليوم هو مؤتمر إنساني لدعم الشعب وهو غير مشروط، لكن لن نعطي شيكا على بياض للنظام السياسي اللبناني لأنه منذ بداية الأزمة وقبلها كان معتلا”.
وهذا المؤتمر هو الثالث الذي تنظمه فرنسا والأمم المتحدة لتقديم مساعدات إنسانية منذ الانفجار. وجمع المؤتمران السابقان مساعدات بقيمة 280 مليون يورو.
وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الأربعاء تقديم “حوالي مئة مليون دولار من المساعدة الإنسانية الجديدة” للبنان، داعيا المسؤولين السياسيين اللبنانيين إلى “إصلاح الاقتصاد ومكافحة الفساد”.
وأعلن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس عن التزامات تصل إلى 40 مليون يورو، بما في ذلك للاجئين السوريين، بعد 24 مليون يورو قدمتها بلاده في العام الماضي. وتعهّد الاتحاد الأوروبي بتقديم 5.5 مليون يورو من أجل التصدي لوباء كوفيد – 19.
ولوّحت فرنسا، التي فرضت في أبريل قيوداً على دخول شخصيات لبنانية تعتبرها مسؤولة عن المراوحة السياسية والفساد إلى أراضيها، مجدداً بالعقوبات، بما فيها على مستوى الاتحاد الأوروبي.
من جهته اعتبر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن إصرار حزب الله على فرض هيمنته هو سبب رئيسي للأزمة التي يواجهها لبنان.
وأضاف الوزير أن الرياض قلقة من عدم إظهار أيّ نتائج ملموسة في تحقيقات انفجار مرفأ بيروت الذي دمّر مناطق شاسعة من العاصمة اللبنانية قبل عام. وقال إن أيّ مساعدة للبنان ستكون مرهونة بإجراء إصلاحات جادة هناك.
وتظاهر الآلاف من اللبنانيين الأربعاء مطالبين بالعدالة للضحايا وبمحاسبة المسؤولين خلال إحيائهم ذكرى مرور عام على انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من مئتي شخص وغيَّر وجه المدينة وفاقم انهياراً اقتصادياً ينهش البلاد.
واندلعت مساء الأربعاء صدامات بين القوى الأمنية ومحتجين غاضبين حاولوا اقتحام الشوارع المؤدية إلى مقر البرلمان وسط العاصمة.
وهتف المتظاهرون “ثورة، ثورة” و”يسقط يسقط حكم الأزعر، نحن الشعب الخط الأحمر” ورفعوا لافتات كتب عليها “ممنوع يلي فجرونا يضلوا على الكراسي” و”المحاسبة والمحاكمة لدولة الفساد” و”نحن رهائن دولة مجرمة” و”دولتي قتلت شعبي”.
وفي محيط مجلس النواب حاول العشرات من الشبان اجتياز الحواجز الأمنية المؤدية إلى البرلمان، وألقوا الحجارة باتجاه القوى الأمنية التي ردت باستخدام القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه لتفرّقهم.