بعد جلسة مجلس الأمن: لهذا كسبت إثيوبيا وخسرت مصر

عروبة الإخباري – جاءت نتائج جلسة مجلس الأمن الخاصة بملف سد النهضة في غير صالح مصر والسودان، خاصة بعد أن أعادت الملف إلى الاتحاد الأفريقي دون تحديد سقف زمني كما طالبت بذلك القاهرة والخرطوم، وهو ما يعتبر مكسبا إثيوبيًّا.

وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية الجمعة إن دعم مجلس الأمن للوساطة الأفريقية في حل أزمة سد النهضة يعزز المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي.

وأكد المتحدث باسم الوزارة دينا مفتي، في مؤتمر صحافي بالعاصمة أديس أبابا، أن موقف مجلس الأمن الداعم لهذه الوساطة لحل الخلاف مع مصر والسودان يعد “انتصارا دبلوماسيا كبيرا للبلاد”.

في حين تعامل البعض في مصر والسودان مع ما حدث في جلسة مجلس الأمن الدولي مساء الخميس بشأن أزمة سد النهضة على أنه حقق هدفا سياسيا للبلدين في مرمى إثيوبيا وحشرها في زاوية ضيقة.

وكشفت نتائج الجلسة عن تكرار الخطأ المصري، ثم السوداني، الذي ظل يلقي باللوم على عاتق إثيوبيا فقط على مدار عشر سنوات، واستخدم قاموسا مليئا بالمفردات العاطفية التي لم تصطحب معها مضمونا يتناسب مع خطورة الأزمة؛ فقد تحمست القاهرة لعرض القضية على مجلس الأمن وتعلم موقفه مسبقا كجهة لا تهتم بهذه النوعية من القضايا التي تتعارض مع مصالح قوى كبرى.

وسبق للمجلس أن عقد جلسة مماثلة العام الماضي وكانت نتيجتها مخيبة للآمال أيضا. وتكاد تكون حصيلة الجلسة الثانية شبيهة بالأولى، من حيث دفع الدول الثلاث إلى التوافق والتفاهم بلا سقف زمني وتقديم تنازلات متبادلة وتجنب التصرفات الأحادية، وفي النهاية تم رد الكرة إلى ملعب الاتحاد الأفريقي، الأمر الذي يعزز مكسب إثيوبيا من الجلسة التي تحفظت عليها وتمسكت ببقاء الملف في عهدة الاتحاد.

ويقول مراقبون إن مشروع القرار التونسي الذي عرض على مجلس الأمن جاء ضعيفا في بعض جوانبه، لأنه جرى إعداده على عجل ودون تنسيق كاف مع القوى الكبرى وأغفل تحديد جوهر المطلب المصري والسوداني العاجل والخاص بضرورة الحصول على تأييد لوقف عملية الملء الثاني للسد التي أعلنت إثيوبيا شروعها فيها قبل أيام.

وكان الحصول على تأييد لهذا المطلب الواضح يكفي في هذه الأجواء المرتبكة للشروع في التفاوض. لكن الفشل عزز الموقف الإثيوبي الذي تمسك وهو واثق كل الثقة أمام مجلس الأمن برفض كافة المطالب التي تشتكي منها القاهرة والخرطوم، وحصلت أديس أبابا على صك الاستمرار في الملء الثاني الذي يكرس الأمر الواقع.

وتمثل هذه المسألة مكسبا حيويا من زاويتي تنفيذ إرادة إثيوبيا في عملية الملء والتشغيل، واستكمال المفاوضات من النقطة الراهنة التي فرضتها من البداية.

وصعدت أديس أبابا إلى حافة الهاوية وهي تعرف أنه يصعب إنزالها بالقوة أو التفاوض، وهو ما يفسر تمسكها الدائم بالتصعيد، وصعدت القاهرة إلى الحافة نفسها من غير أن تعرف آليات النزول، وهو ما يفسر ترددها في التلويح بالقوة أو دحضها رسميا.

ومكن هذا الفرق إثيوبيا من تحقيق مكاسب عديدة من وراء جلسة مجلس الأمن ربما تفوق المكاسب السابقة، فعلى الأقل سوف تتوقف مصر عن فكرة العودة إليه مرة ثالثة، بعد أن تيقنت من صعوبة اختراقه سياسيا.

ووضعت مصر نفسها في مأزق، لأنها اعتقدت أن مجرد عقد جلسة لمجلس الأمن يكفي للضغط على إثيوبيا وحثها على التراجع والتوقيع على اتفاق مُلزم، أو الذهاب نحو استخدام القوة بحجة أنها استنزفت كافة التحركات الممكنة.

ويشير متابعون إلى أن عقد جلسة لمجلس الأمن والاستماع إلى مواقف الأعضاء الرافضة لأي عمل عسكري بلا مواربة يمثل أداة تكبح أي اتجاه إليه في المستقبل، فقد علمت مصر بموقف هذه القوى وأي مخالفة يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة.

وفسرت كلمات المندوبين وردود الفعل من جانب بعض القوى خلال الجلسة أبعاد التعنت الإثيوبي، كما عكست الآراء المتباينة طبيعة المصالح الدولية في تلك المنطقة الحيوية، وأوضحت على نحو كبير حجم التنافس بين الدول الكبرى ومصالح المؤسسات العالمية المشاركة في استثمارات ضخمة بأديس أبابا.

واحتفت وسائل الإعلام المصرية بما جاء على لسان وزير الخارجية سامح شكري في كلمته الطويلة وما حوته من سرد حول تطورات الأزمة وما قدمته القاهرة من مرونة وليونة، ودورها في تقديم صورة واقعية لأعضاء المجلس، ما يوحي بأن الهدف كان الاطلاع فقط وليس التحريك.

وقال الخبير في الشؤون الأفريقية أيمن السيد عبدالوهاب إن مصر حققت جزءا مما كانت تريده من الجلسة، لأنها أطلعت الرأي العام الدولي على طبيعة الممارسات الإثيوبية المتعنتة، وحرصها على التواصل مع المؤسسات الدولية.

وأكد عبدالوهاب أنه طالما لا يوجد ضغط دولي قوي على إثيوبيا يرغمها على تحرير المفاوضات من الجمود فإن القاهرة لن تكون لديها خيارات سوى التحرك بطريقة خشنة لتغيير المعادلة الراهنة، وسوف تظل أزمة سد النهضة أسيرة قدرات مصر في تكفيك التحالفات الخارجية وتأكيد قدرتها على هز مصالح هذه الدول في المنطقة.

وأوضح أن القاهرة ليست لديها بدائل سوى الربط بين الوصول إلى اتفاق مُلزم أو تهديد الأمن في المنطقة، وهناك مجالات يمكن أن تتحرك فيها للضغط على القوى الداعمة لإثيوبيا، لأن الدخول في مباحثات جديدة وإن جرى التوافق عليها بين الدول الثلاث لن يُغير من الواقع شيئا، فإثيوبيا ستكون حريصة على استمرار المباحثات أطول فترة ممكنة دون التوصل إلى حلّ مُرْضٍ بالنسبة إلى مصر والسودان.

وذكرت مصادر مصرية أنه لا سبيل سوى العودة إلى طاولة المفاوضات، أو القيام بعمل عسكري منفرد تتحمل عواقبه مصر بمفردها، لأن السودان يدعم خيار التفاوض ولم يلوّح أبدا بحل الأزمة من خلال عمل عسكري.

وأضافت المصادر أن المشكلة تكمن في أن هذا السيناريو لن تذهب إليه القاهرة مباشرة وتتحمل عواقبه وحدها، ويمكن أن تخسر السودان الذي بذلت جهدا كبيرا لتطوير التعاون والتنسيق معه وطي الصفحة القاتمة السابقة.

Related posts

الانتخابات الأميركية… نهاية للحرب على غزة أم استمرار لها؟

(فيديو) الرئيس الأستوني: يجب حل العديد من الأمور قبل الاعتراف بفلسطين

قصف إسرائيلي على محيط السيدة زينب جنوب دمشق