الحوار بالنار جمال الطاهات

روبرت مكنمارا وزير الدفاع الأمريكي أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، استخدم تعبير دال بوضوح على أن تبادل إطلاق النار هو مستوى من مستويات الحوار، في معرض تقييمه لتبادل أطلاق النار الاستعراضي بين السفن السوفياتية والأمريكية. وذلك قبل أن تتراجع السفن السوفياتية عن خط الصد الذي فرضته الولايات المتحدة حول جزيرة كوبا. وفسر التعبير في حينه، أن استخدام النار في الحوار بين الدول، هو دليل على محدودية اداء القنوات والأدوات الدبلوماسية.
الحوار بالنار بين إيران والولايات المتحدة في العراق وسوريا، هو دليل واضح على وجود قضايا لا يغطيها العمل الدبلوماسي الراهن، مما يتطلب استعمال النار للحوار حولها. وحتى لا يأخذنا الحدث لإطلاق تعميمات بعيدة عن سياقات الحوار الذي تطور إلى حدود التراشق بالغارات المدفعية والجوية، يمكن القول بوضوح أن سجادة الحوار الأمريكي الإيراني تحتوي على العديد من القضايا التي لا يمكن تغطيتها من خلال الاتفاق النووي.
فالاتفاق النووي، لا يشمل كل القضايا العالقة بين الجانبين. وبمقدار الحاجة لإنفاذ هذا الاتفاق كضرورة استراتيجية، هناك ضرورة من كلال الجانبين لوضع القواعد التي ستصوغ الحوار لاحقاً حول القضايا المعلقة. فالغارات الأمريكية، هي مظلة لتأمين غطاء للاتفاق النووي من جهة، ومن جهة أخرى، هي رسم واضح برسائل واضحة حول القواعد الناظمة للمرحلة القادمة.
حوار النار في العراق وسوريا بين إيران والولايات المتحدة، لا يتعلق بمفاوضات فينا للعودة للاتفاق النووي السابق. فهذا مسار ثبت أن الدبلوماسية تحقق فيه تقدماً ملحوظاً وليس هناك حاجة لحوار بوسائل أحرى. ولكن ما تزال هناك مطالب أمريكية، وأخرى إيرانية حول العديد من القضايا منها ما هو معلن، ومنها ما هو في إطار الهمس الدبلوماسي.
وبعيداً عن وضع قائمة بالمطالب الأمريكية المعلنة، مثل برنامج الصواريخ الإيراني، أو علاقة إيران بالتنظيمات المصنفة أمريكياً بأنها إرهابية، أو انتشار القوة الإيرانية (بالوكلاء) خارج حدودها، هناك تصورات لخريطة قوى إقليمية تسعى الولايات المتحدة لفرضها، ولكن في ذات الوقت، لإيران مطالب جيوسياسية إقليمية واضحة، لا يمكن بدء الحوار حولها في المؤتمرات الصحفية، قبل تظهيرها بالنار. فما يجري الآن من تبادل للنار وحوار عبر الغارات والقذائف المدفعية، هو الذي سيقرر اجندة الحوارات القادمة، كما أنه من جهة أخرى، سيحدد ترتيب قائمة الموضوعات والقضايا العالقة. أي من القضايا سيكون له الأولوية في الحوارات القادمة.
الرئاسة الأمريكية، لا تريد تكرار المشهد السابق مع اقرار النسحة القديمة من الاتفاق النووي، وهي تريد أن تكتسب صورة المحاور القوي داخل الولايات المتحدة، مهما كانت المكاسب التي ستحققها إيران. ومن جهة أخرى، هو تحذير واضح للعديد الأطراف الإقليمية بأن السياسات الأمريكية الجديدة لا تتضمن الخروج من المنطقة، وإن كانت تتضمن تغير أدواتها في المنطقة، وفرض ادوات وقواعد عمل جديدة، ربما أبرزها الاحتفاظ بالردع الفعال، الذي يعز فرص نجاح العمل الدبلوماسي.
فكما كرس الرئيس بوش الابن مبدأ الضربات الاستباقية، الذي استمر في عهد أوباما، ولكن بعد إعادة تحديد نطاقها الجغرافي وأهدافها العملياتية، فإن ما بدأ به ترامب، من محاولات تشكيل منظومة أمن إقليمي جديدة، سوف يستمر ولكن بقواعد عمل مختلفة عن تلك التي حاول فرضها على الإقليم. وحوار النار الذي بدأ في العراق وسوريا، هو افتتاحية الجهد الدبلوماسي القادم. فمقترحات مثل الإبراهيمية وغيرها، أدت غرضها وهو وضع أولوية تطوير منظومة «أمن وتعاون إقليمي» موضوع التنفيذ. فسوف يتبدى الإصرار الأمريكي قريباً، عبر فرض اولويات المحلية عبر الإقليم، كمقدمة لتشكيل المنظومة الإقليمية الجديدة.

شاهد أيضاً

البطالة تتمدد.. والحكومة تتفرج!* أسرار جوهر حيات

عروبة الإخباري – لا يمكن إنكار أن ملف التوظيف في الكويت أصبح مرهقاً للدولة، فالأجهزة …