عروبة الإخباري – بقلم السيد/ ألْنور شاه حسينوف، القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان
شهد تاريخ الشعب الأذربيجاني ولادة وسقوط كياناته السياسية ذات هيكل الدولة على مدى العصور الممتدة. وإذا ألقينا النظر في ماضي ليس بالبعيد الى حد ما، فنرى أن آخر هذا الكيان قبل جمهوريتنا الحالية، ولد في 28 مايو عام 1918 بعد الحرب العالمية الأولى، ظاهرا بطابع جمهوري مع القيم والتقاليد الديمقراطية التي لم يكن الشرق المسلم يعيشها آنذاك.
لقد إستطاع بناه هذه الجمهورية الفتية أن يبسطوا أعلى المعايير الديمقراطية التي كان العالم يلم بها حينذاك، ضمن عملية بناء الأمة على أساس تقاليد الدولة وتاريخ الشعب الأذربيجاني. إذ أنهم سنوا التشريعات والقوانين التي أتاحت لمرأة مجالا حتى تعبر عن رأيها من خلال التصويت والإقتراع، الأمر الذي أدخل أذربيجان في تاريخ الديمقراطية على أنها تركت وراءها بتلك الخطوة الدول الأكثر تقدما في العالم في ذات الفترة.
وإنطلاقا من شيمة التعددية بكل مدلول هذا المفهوم، التي يتميز بها الشعب الأذربيجاني بفطرته، وإلتزاما بمبادئ سيادة القانون وعلاقات الجوار الطيبة والتسامح والحقوق المتساوية لكل القوميات التي تسكن في أذربيجان، حافظوا مؤسسو جمهورية أذربيجان الديمقراطية على حقوق القوميات والأعراق الرئيسة عبر تمثيلها الى جانب كافة التيارات السياسية في البرلمان الوطني ذي مائة وعشرين مقعدا الذي في دوره، إعتمدت إحدى عشرة لجنته 230 قانون من أصل 270 وذلك أثناء الفترة أقل من عامين.
كما تم في غضون ذلك الوقت، إقرار العلم ذي الألوان الأزرق والأحمر والأخضر مع الهلال والنجمة الثمانية الأطراف. ويرمز لونه الأزرق الى إنتماء الشعب الأذربيجاني الي الأصول التيوركية ولونه الأحمر الى الحرص على بناء المجتمع الحديث وتطوير الديمقراطية واللون الأخضر الى الإنتساب الى الحضارة الإسلامية.
ما عدا ذلك، جرى في عهد الجمهورية الشعبية إلغاء الرقابة على وسائل الإتصال والحقوق الأساسية الأخرى التي فرضها النظام الامبراطوري القيصري. بالإضافة، أتخذ قرار حول تأسيس جامعة باكو الحكومية التي تظل اليوم مثار فخرنا واعتزازنا وتواصل أداء رسالتها المنحصرة في تعليم شباب وشابات أذربيجان. وعلى البرغم من الضائقة المالية، تمكنت الحكومة من تغطية نفقات دراسة مائة طالب أذربيجاني في الخارج.
وفي فترة قصيرة من الزمن، لاقى النظام المالي الاقتصادي المستقل نموا وبدأت كذلك المحادثات التجارية مع البلدان الأخري لإمداد الأسواق العالمية بصادرات النفط من أذربيجان المستقلة، وحصلت الجمهورية الفتية على الإعتراف الدولي خلال مؤتمر باريس للسلام بعد حراك مكثف للدبلوماسية الأذربيجانية على هامشه.
لكن التوسع الشيوعي المتسارع نحو منطقة القوقاز، حتم على جمهوريتنا الأولى أن تستمتع بالحرية والديمقراطية 23 شهرا فقط لتقع في قبضة الغزو السوفييتي في 28 ابريل عام 1920. وهكذا إنتهت المرحلة الأولى من تاريخ جمهورية أذربيجان المستقلة ذات التقاليد والقيم الديمقراطية. وسبقت هذا الغزو الشيوعي، الأيام العسيرة التي كتبها المعتدون الأرمن في ذاكرة الشعب الأذربيجاني بمحاولتهم تجاه سلخ أراضينا التاريخية. إلا أن الجيش الوطني الذي طوره القائمون على السلطة، قد صد تلك المحاولات.
ومنذ عام 1920، فرض النظام السوفيتي حظرا على تداول هذا العلم ثلاثي الألوان، غير أنه إستعاد شموخه وأبهته في 17 نوفبر عام 1990 بوصفه علم جمهورية ناختشيوان ذات الحكم الذاتي وثم جمهورية أذربيجان عشية إستقلالها عن الإتحاد السوفييتي عام 1991 بأشهر. ويرجع فضل هذا الحادث التاريخي للزعيم الوطني المقدام للشعب الأذربيجاني حيدر علييف، حينما كان رئيس المجلس الأعلى لجمهورية ناختشيوان ذات الحكم الذاتي وثم رئيس جمهورية أذربيجان.
وقد كانت مطلع أيام الإستقلال لجمهوريتنا الثانية تحمل في طياتها خطرا على مصيرها لا تحمد عقباه وخاصة في ظل الفوضى السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي صالت وجالت في ربوع البلاد، والتي كانت تتزامن مع العدوان العسكري من قبل أرمينيا المجاورة بدعم عسكري خارجي والتي أدت في المحصلة النهائية الى إحتلال 20% من أراضي أذربيجان التاريخية وتشريد وتحول الى لاجئين أكثر من مليون أذربيجاني.
ومثل هذه الظروف المشؤومة والكارثية، توجه الشعب الأذربيجاني بنداء الى القائد العظيم حيدر علييف ذي الخبرة والحنكة السياسية المتراكمة من خلال توليه المنصاب الرفيعة أيام الإتحاد السوفييتي والذي كرس حياته لشعبه الغالي، توجه بنداء حتى ينتشل أذربيجان مما كانت عليه. وما توانى الزعيم الوطني حيدر علييف عن تنفيذ رسالته التي أضحت فيما بعد نبيلة، في تخليص وطنه وشعبه من فظائع الواقع.
وعلى اثر الإستفتاء العام الذي خرج بفوزه الساحق، ركز الزعيم الوطني حيدر علييف بصفته رئيس الدولة كل جهده على الى وقف إطلاق النار مع أرمينيا المحتلة وبدء المفاوضات مع الدول المشاركة في حل النزاع لإعادة الأراضي المحتلة، الى جانب تعزيز مؤسسات الدولة وتوسيع آفاق العلاقات الخارجية التي اشتدت الحاجة إليها وبناء الجيش ووضع أسسا استراتيجية شاملة في مجال الطاقة بما في ذلك تمهيد الطريق للتنمية المستدامة طويلة الأمد للبلاد. هكذا بدأت حقبة جديدة من حياة جمهورية أذربيجان المستقلة. بعبارة واحدة، أخرج القائد العظيم حيدر علييف البلد من مرحلة الشكوك والمصاعب التي سادت مطلع تسعينيات القرن الماضي وأولجه في آفاق المستقبل المشرق.
وبعد إنتخاب فخامة/ إلهام علييف رئيسا لجمهورية أذربيجان في أكتوبر عام 2003 بدعم مطلق من شعبه الحكيم، إنطلقت صفحة جديدة من الإنجازات المحلية والإقليمية والعالمية على حد سواء مع إستمرار الإلتزام بالأعراف الديمقراطية. إذ تحول إقتصادنا الوطني الى أحد الإقتصادات الأكثر نموا في العالم، وشهد الجيش إصلاحا شاملا زاد كفاءته ومهاراته وقدراته القتالية ووفر له أحدث ما تسعه الصناعات المتقدمة عالميا من الإنتاج.
لطالما تضمن قيادة فخامة الرئيس/ إلهام علييف، تطورا حقيقيا، إستطاعت أذربيجان إكتساء صورة بلد يعد بر الأمان والإستقرار وصاحب الكلمة الأخيرة في منطقة جنوب القوقاز.
وكان النفط الأذربيجاني سببا رئيسيا إسترعى أنظار عديد من دول العالم، لا سيما أن أذربيجان، قد أدت دورا ملحوظا وفريدا خلال الحرب العالمية الثانية بواسطة تلبيتها لأكثر من 80% من الإحتياج السوفييتي في الوقود و90% في زيوت الشحم.
وفي سبتمبر عام 1994، تم توقيع “عقد القرن” بقيمة عدة مليارات من الدولارات مع شركات النفط متعددة الجنسيات لتطوير حقول النفط البحرية في القطاع الأذربيجاني من بحر قزوين، وبشبكة خط نفط “باكو – تبليسي – جيهان”، وخط “غاز باكو – تبليسي – أرزروم”، حيث تضطلع أذربيجان بدور مهم في ممر الطاقة بين الشرق والغرب وفي أمن الطاقة في أوروبا.
وبالتوازي مع قطاعي النفط والغاز، تم الاهتمام بتنمية القطاعات غير النفطية بما في ذلك تطوير البنية التحتية لقطاع النقل والمواصلات ذات الأولوية الإستراتيجية، من سكك حديدية، ومواني بحرية ومطارات، بالإضافة إلى أساطيل الطائرات والسفن، ووسائل النقل البري والبحري، والتي تجرى زيادتها وتحديثها على نحو ملحوظ سعيا لتنشيط مسارات النقل بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب.
وقامت جمهورية أذربيجان بتحقيق مشاريع إقتصادية مهمة التي باتت جزء مهما من أجندتها، حيث كان يتحتم عليها الانتقال من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق، واليوم يشعر الشعب الأذربيجاني بهذه التنمية وبنتائج الإصلاحات الاقتصادية، ونتيجة لذلك أصبحت أذربيجان عام 2001 عضوًا في المجلس الأوروبي (البرلمان)، وبذلك انضمت إلى الأسرة الأوروبية.
ومنذ استقلال أذربيجان، أصبح شعار الإسلام رمزا من الرموز الثلاثة الموجودة على علم الجمهورية المستقلة الجديدة، وتم قبولها عضوًا بمنظمة التعاون الإسلامي، وصار من التقاليد الرسمية أداء رئيس الجمهورية المنتخب اليمين الدستورية على القرآن الكريم قبيل بدء بمهامه الرسمية.
وقد تحولت أذربيجان اليوم إلى بلد يساهم اليوم في العمليات الدولية لدعم السلام، والجهود الإنسانية، فقد وقع حدث مهم جدا عام 2011، حيث تم اختيارها لأول مرة عضوًا غير دائمًا في مجلس الأمن بمنظمة الأمم المتحدة عامي 2012 – 2013.
وإعتمادا على رؤية وإرث حيدر علييف، وتحت قيادة إلهام علييف، أضحت أذربيجان اليوم بلد ينمو بديناميكية، مع معدلات نمو إقتصادي بجميع المجالات، وتلعب اليوم دورا محوريا في كل القضايا الإقليمية، وتتقاسم ثمار إزدهارها وثرواتها مع بلدان المنطقة عبر مجموعة من آليات الشراكة والتعاون.
ومن الأهمية بمكان أن أستذكر بكل فخر وإتعزاز أن الشعب الأذربيجاني، يحتفي مرور ذكرى 103 عام على قيام جمهورية أذربيجان الديمقراطية في أجواء مغايرة تماما. إذ أنه إستطاع تحت قيادة رئيسه، وقائده الأعلى المنتصر إلهام علييف، وبفضل جيشه الباسل أن يحرر 20% من أراضيه الأم التي كانت تحت الإحتلال الأرمني على مدى ثلاثة عقود بالكاد، وبالتالي، ساعد مجموعة مينسك المعنية بحل قضية قره باغ الجبلية في تنفيذ القرارات الأربع (822، 853، 874، 884) التي أصدرها مجلس الأمن الدولي.
وبعد إستعادة العدالة التاريخية، إستهلت أذربيجان بالعمل على تثبيت السلام والإستقرار والإزدهار والتقدم في منطقة جنوب القوقاز على وجه الخصوص والأقاليم الأخرى على وجه العموم وذلك من خلال تحقيق مشاريع النقل والمواصلات الضخمة في الأراضي المحررة التي من شأنها أن تربط القارتين الأوروبية والآسيوية، وأن تساهم بشكل ملموس في تحسين رفاهية شعوب المنطقة بالدرجة الأولى. وبالتوازي، تجري أذربيجان في إطار تعزيز نظام حماية حدودها ضمن وحدة أراضيها، عملية تحديد وترسيم الحدود مع أرمينيا بناءً على الخرائط المتوافرة لدى الطرفين. لكن الدوائر والأوساط السياسية في أرمينيا، تسعى لتوظيف هذه العملية لأغراض سياسية قبيل الإنتخابات، مما يعد أمرا غير مقبولا. وتلتزم أذربيجان من جانبها بإحتواء التوترات القائمة في المنطقة عبر الإتصالات المتبادلة بين العسكريين من كلا الجانبين وتدعو إلى إتخاذ الخطوات المناسبة لتحقيق هذه الغاية.
وفي الختام، أتمنى أن نستقبل عاما جديدا في العالم الأكثر أمنا وإستقرارا وأن نرى أرمينيا، تعيش في سلام جنبا الى جنب مع أذربيجان المشهورة عالميا بإعتبارها بلدا محبا للسلام ويحتضن تعايشا سلميا بين منتسبي الحضارات والثقافات المتفاوتة.
كل عام وأذربيجان والأردن وجميع الأذربيجانيين والأردنيين بألف خير!