مع ظهورِ جائحةِ كورونا برزتِ الحاجةُ الملحةُ لرقمنةِ العملياتِ الإقتصاديةِ والإجتماعيةِ في العديدِ من القطاعاتِ التّنموية، وتسارعَ النموّ المعرفيّ المُتعلقِ بالتحوّلِ الرقميّ وانترنت الأشياء في جميعِ أنحاءِ العالم بما فيها الدّول العربيّة.
وهُنا يظهر السُّؤال، هل نحنُ جاهزون لهذا التّحوّل؟! وإن كانت الإجابة “نعم” فما الذي يؤخر سلسلة الإجراءات المطلوبة لإجراء هذا التحوّل الذي أصبح يعبّر عن احتياج ضروريّ ونحن على أبواب الثورة الصناعية الرابعة وما يرافقها من تطوّر في منظومة الذكاء الإصطناعيّ، وذلك بهدف خدمة الإنسان وتسهيل حصوله على الخدمات والمعارف التي تلزمه بجودة عالية وبكلفة وجهد أقلّ.
نحنُ بحاجةٍ لمواصلةِ مواكبةِ التّطور التكنولوجيّ والمعرفيّ المُتسارع، وتطوير الأدوات التي نستخدمها وتوفير البنية التّحية اللازمة لذلك مع توفير المعرفة والمهارة اللازمة ليُصبح هذا التحوّل مُرافقاً لجوانب حياتنا فيما تبقى من أعمارنا.
ويتزامنُ هذا المقال مع احتفالنا بالذكرى المئة لتأسيسِ المملكة الأردنيّة الهاشميّة والعيد الخامس والسبعون لاستقلال أردنّنا الغالي، حيثُ تأسيس إمارة شرق الأردنّ عام 1921 الطامحة لمستقبلٍ مشرقٍ و مُزدهرٍ لمنطقة الشّرقِ الأوسط والدُول العربيّة كافّة بقيادةٍ هاشميةٍ راسخةٍ وثابتةٍ على مبادئِ القوميّة العربيّة ونهجِ التّكافل والتّعاون والتّسامح و السّلام والوقوف إلى جانبِ قضايا المنطقةِ وفي مقدمتها القضيّة الفلسطينية، وموقف الهاشميين الثّابت في الدّفاعِ عن حقّ الشّعب الفلسطينيّ في إقامة دولتهِ المستقلة والحفاظ على الوصاية الهاشميّة على المقدسات الإسلاميّة والمسيحيّة.
ولقد ازدهرت الأردنّ في مجالات التّنمية كافّة خلال المائة سنة السابقة وخاصّة منذ إعلان الإستقلال في 25 أيار عام 1946. وإنّنا نتطلعُ للاستفادة من الدروس والتحديات التي واجهتنا خلال الفترة الماضية للبناء عليها والوصول إلى الأردنّ الأنموذج المتطور وفق رؤى قيادتنا الهاشمية والتي خطها سيدي صاحب الجلالة في أوراقه النقاشية وكتب التكليف السامي وخطابات جلالة الملك المحلية والدولية.
فإذا تحدثنا عن التّعليم فنجدُ التّطور في بناءِ المدارس وجعل التّعليم إلزامياً للصف العاشر، والتّطور في بناء الجامعات المنتشرة في كافة محافظات المملكة حالياً، و التوجيه المُباشر المستمر من جلالة الملك عبداللّه الثّاني – حفظه الله ورعاه وسدد دائماً على طريق الخير خطاه – بالاهتمام في التّعليم الأكاديميّ والمهنيّ والتقنيّ، ومواكبة الحداثة والتّطور في المعرفة وأدواتها. وهُنا لا بدّ الإشارة إلى أنّه ومنذ مواجهتنا جائحة كورونا تمّ الانتقال في التّعليم ليكون عن بعد في المدارس والجامعات ومعاهد مؤسّسة التدريب المهنيّ و خاصّة في الجوانب النظرية، وهذا يدعونا إلى البناء على هذه التجربة وتطوير أدواتها للدمج ما بين التّعليم الوجاهيّ والتعليم عن بعد واعتماد ذلك بالمستقبل.
ولقد أولت المملكة قطاع تكنولوجيا المعلومات اهتماماً كبيراً، وفي عام 2019 تحولت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى وزارةِ الاقتصادِ الرقميّ والريادة في إشارةٍ إلى إهتمامِ الدّولةِ الأردنيّةِ بمشاريع التحوّل الرقميّ والذي يعنى برعايةٍ ملكيةٍ لإنجازها وفق أعلى درجاتِ الكفاءةِ والجودةِ وبما يُسهّل على المواطنِ الحصول على الخدمات.
وفي إطارِ سعي المملكة للوصول إلى هذا التحوّل فقد تمّ إطلاقُ موقع الحكومة الإلكترونيّة منذُ سنوات، ويجري باستمرار العمل على تطويرهِ وتحديثهِ لتسهيل حصول المواطنين والمقيمين والمستثمرين على الخدماتِ الحكوميّةِ المختلفةِ.
وهُنا أقتبس مما قاله جلالةُ الملك عبداللّه الثاني بن الحسين المعظم ” جاءت رؤيتنا للاستثمار في مجال قطاع تكنولوجيا المعلومات من منطلق توفر البنية التحتية اللازمة له ممثلة بالكفاءات الوطنية الشابة المؤهلة والمدربة علمياً وفنياً والمنتشرة ليس فقط في الاردن، بل في كافة أرجاء المنطقة العربية، حيث قمنا بتبني مجموعة من المبادرات ضمن هذا القطاع كان من أهمها نشر مراكز تكنولوجيا المعلومات في كافة أنحاء المملكة، إضافة إلى إنطلاق مبادرة الحكومة الالكترونية ومبادرة تطوير التعليم في الأردنّ والتعليم الالكترونيّ والتي تمّ إطلاقها في المنتدى الاقتصاديّ العالميّ.”
وهذا يدعونا جميعاً كأردنيّين وعرب أيضاً إلى مواصلةِ التحديث والتطوير والإبتكار في جميع المجالات التنموية.
وإذا تحدثنا عن استضافة الأردنّ للاجئين فإنّه يقوم بأدوارٍ كبيرةٍ في هذا المجالِ انطلاقاً من إيمان الأردنّ الراسخ تجاه القضايا العربيّة والإنسانيّة، وهذا يدعونا إلى التفكير في تقديم المزيد من الخدمات لهذه الفئات المتضررة من حروب المنطقة والاهتمام في مجالاتِ الصّحةِ والتّعليمِ وفرص العملِ لهم، وتوفير التّقنيات والأدوات التي تُتيح لهم المساهمة في نهضةِ المستقبل، وهذا يتطلب التّعاون والتّكافل والدّعم من قبل كافة دول العالم لنستطيع إكمال هذا الدّور الهامّ.
إذا بحثنا بالتعليم عن بُعد فإنّنا سنجدُ تحوّلاً ملموساً في دولنا ودول العالم، وعلينا فعلاً استثمار هذا التحول لتسويق معاهدنا ومؤسّساتنا التّعليمية والتّدريبيّة كافة لتكون عابرة للحدود و القارات، وبنفس الوقت علينا النظر بأنّ المؤسّسات في دول العالم ستفعل الشيء ذاته، وهذا يدفعنا لتطوير أدواتنا المعرفيّة والتقنيّة لتكون مُواكبة لتحديات المرحلة وقادرة على تحقيق التّنافسيّة بجودةٍ عاليةٍ بهدف البقاءِ والإستمرار.
وهُنا يجدرُ بنا الحديثُ عن الفرص التي ينبغي الإنتباه لها في إطار التّحول الرّقميّ مثل فتح أسواق تجارية واقتصاديّة جديدة، وتطوير عمليات التّسويق الإلكترونيّ، والتّفكير بتعديل التّشريعات النّاظمة للاستثمار لإتاحة المجال للمستثمرين والشّباب تطوير أدواتهم الرقميّة لتكون منافسة ضمن الأسواق العالميّة. وهذا ما نتطلع إليه في المئوية الثّانية، وبالتّنسيقِ والشّراكةِ مع كافةِ الأصدقاء في دول العالم.
وأيضاً، ينبغي التّأكيد على أهمية استثمار التطور التكنولوجيّ في كافة القطاعات التّنمويّة وتطوير أدوات الزّراعة، الطّاقة، النّقل، تشجيع السّياحة وغيرها من القطاعات التّنمويّة الهامّة. وهذا لا يمكن أن يحدث إلّا إذا قمنا بمواصلة تعزيز العلاقة ما بين ثلاثية التّنمية؛ القطاعين العامّ والخاص ومؤسّسات المجتمع المدنيّ، وتوطيد الثّقة ما بين هذه المؤسّسات كافة، وإشراك كافة أصحاب المصلحة في عمليات التّخطيط والتّوجيه ليكونوا شركاء فاعلين في تنفيذ العمليات المختلفة وفق أعلى درجات التّنظيم والشّفافية والحوكمة.
كيف سيساهم التحوّل الرقميّ في خلق فرص عمل جديدة؟ وما هو التحوّل المتوقع في فرص العمل؟!
وفقاً لتقرير صادر عن مركز الشّباب العربيّ فقد ارتفع نسبة الشّباب العربيّ الذين يتسوقون عبر الانترنت إلى 71%.
أيضاً أشار تقرير أسبوع الاستدامة في أبوظبي لمهارات المستقبل2030 أن تطوير المعرفة والمهارات الرقميّة من المهارات اللازمة لوظائف المستقبل. هذا يدفعنا إلى تحديث المناهج الدراسية والتدريبيّة ورقمنتها لتتواءم مع إمكانية تحوّل العالم إلى سوق تجاريّ واحد عبر فضاء إلكترونيّ مشترك.
فما هو دور الحكومات العربيّة والقطاع الخاص والمواطن في استثماره إيجابياً ليكون حافزاً مؤثراً في تحقيق التنمية المستدامة؟!
يمكننا القول هُنا أنه ينبغي استثمار قدرات الشّباب العربيّ وأفكارهم ليكونوا منتجين للمعرفة العالمية العابرة للحدود. ووفقاً لدراسة صادرة عن مركز الشّباب العربيّ فإنّ ما نسبته 33.6% من السكان بالعالم العربيّ هم ضمن الفئة العمرية (15-34) سنة، ولا بدّ من استثمارها ليكونوا هؤلاء الشباب مواطنون عالميون قادرون على المساهمة في التطور والابتكار. وهذا يلزمه الدعم اللامحدود للشباب المبدعين في جميع مجالات التنمية وإشراكهم في صنع القرار وقيادة القطاعات التنمويّة.
يمكننا رقمنة التّنمية من خلال استحداث منصات رقميّة تُتيح إجراء عمليات التحليل للبيانات المتواجدة عبر الفضاء الإلكترونيّ واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعيّ للوصول إلى الحلول الفُضلى للتحديات التي تواجهنا. و التفكير بخطط تنمويّة مشتركة عابرة للحدود لنكون مساهمين في تحقيق التّنمية الشّاملة المستدامة.
نتطلع في ذكرى الاستقلال ونحن نمضي إلى المئوية الثّانية للمملكة الأردنية الهاشمية إلى مستقبل مزدهر لوطننا ودول العالم أجمع، قائمٌ على العدالة الإجتماعية وسيادة القانون، والتّعاون والتّكافل للوصول إلى عالمٍ واحدٍ قويٍّ أكثرُ تماسُكاً وسلام.