ماذا بعد الهدنة؟. د. محمد حسين المومني

الأمل أن مكانة وديناميكيات عمل القضية الفلسطينية بعد الأحداث الأخيرة ستختلف عن السابق. ثمة حالة وعي محترمة وكبيرة لدى أبناء الشعب الفلسطيني، ومِن خلفهم من يناصرهم عربيا وعالميا، إنهم قادرون على إحقاق الحق والتغلب سلميا على آلة إسرائيل العسكرية ومكانتها السياسية العالمية. استطاع المقدسيون من خلال نضالهم السلمي للحفاظ على حقهم في العبادة أن يستميلوا جزءا مقدرا من الرأي العام العالمي، ويوحّدوا الشعب الفلسطيني على اختلاف مشاربه السياسية وتواجده الجغرافي.
هذا مكسب مهم نقل ميدان المعركة من ذلك العسكري الذي تتفوق فيه إسرائيل، إلى ميدان كسب الوعي والتعاطف العالمي عن طريق الإعلام والسوشال ميديا، بالتركيز على الظلم الوطني والإنساني الكبير الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني. لم تخلُ معركة كسب الرأي العام العالمي من أخطاء يجب أن لا تتكرر، فالأصل أن نخاطب العالم بلغة يفهمها ويستطيع التعاطي معها، ونحن معنيون كأصحاب حق أن نركز عالميا على أمرين اثنين: أن إسرائيل دولة “ابارثايد” فصل عنصري، وأن هذا النزاع سيستمر ما دام الاحتلال موجودا. هذه ثنائية بدأت تجد صدى على المستوى العالمي، تمتلك قوة الحق والمنطق، تمكنت من وضع إسرائيل في موقع الدفاع، وإنها إن عاجلا أم آجلا لا بد أن تسلم بقيام دولة فلسطينية تحقق العدالة للشعب الفلسطيني وتنهي “الابارثايد” السائد حاليا.
الموقف الأردني كان الأصدق والأصلب، ليس فقط إسنادا للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية ووحدة التاريخ والمصير، ولكن أيضا دفاعا عن مصالح الأردن الإستراتيجية العليا المرتبطة بالسلام وحل الدولتين. وظف الأردن أدواته الدبلوماسية والسياسية والأمنية والإعلامية والشعبية والإنسانية لمساندة الشعب الفلسطيني، والقلة القليلة التي شككت بذلك جاهلة وجاحدة. ما كان الأردن ليتردد بطرد السفير فقد فعلها بالسابق، لكن هذا القرار مرتبط بإحقاق هدف إسناد الشعب الفلسطيني ووقف العدوان عليه، وهذا الهدف يتحقق بوجود السفير وليس بغيابه. المستشفى الميداني الجديد الذي أرسله الأردن، والاتصالات والضغوط الدبلوماسية والسياسية المؤثرة، ما كانت لتتحقق أو تكون فعالة لولا وجود السفير. الدول تستخدم أدواتها بحكمة وعقلانية، وقرار مؤسسي مبني على الأهداف وهو هنا إسناد الشعب الفلسطيني، وهذا ما فعله الأردن من خلال الأدوات العديدة التي وظفها في جولة المواجهة الأخيرة.
نتنياهو في حالة ضعف سياسية الآن، رغم أنه تمكن من تفويت الفرصة على تشكيل حكومة وحدة وطنية ليس هو رئيسها. ظهر بعد الأحداث الأخيرة أن كثيرا من قوة نتنياهو كان سببه ترامب المتواطئ معه، عكس موقف إدارة بايدن الذي كان محترما؛ اخلاقيا وإنسانيا وإستراتيجيا سياسيا. ما حدث أثر في الرأي العام الإسرائيلي، فإسرائيل دفعت وتدفع ثمن حكم نتنياهو لعشر سنوات. إسرائيل بسبب نتنياهو خسرت جزءا مهما من التعاطف العالمي وأصبحت قضية خلافية تقسيمية في السياسة الأميركية بين الحزبين، ونتنياهو بدد الثقة مع الجيران العرب، وبسببه خلقت حالة من الاحباط بين الفلسطينيين لا ترى أفقا للتعايش. عشر سنوات من حكم نتنياهو جعلت أكثر المعتدلين العرب المؤمنين بالسلام، غير مقتنعين أو قادرين على إدانة صواريخ حماس، حتى في الإعلام العالمي، فحالة الغضب كبيرة، وخطاب الكراهية انتشر وساد بفضل نتنياهو.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري