عروبة الإخباري – “خافقا بالمعالي والمنى، عربي الظلال والسنا، في الذرى والاعالي، فوق هام الرجال، زاهيا أهيبا”، دُررٌ مكنونةٌ تلهج بالعلم الاردني استقاها، الشاعر عبدالمنعم الرفاعي في قصيدته، من نبض أفئدة الاردنيين مُنشدة في هواه، ليتجدد الوله نشيداً بمناسبة يومنا هذا “اليوم الوطني للعَلَم الاردني” وفي كل يوم، “من نسيج الجهاد والفداء” وسطوراً من “الفخار والعلا”، براية الوطن عالياً تُجاوز العلياء “ظافرا أغلبا”.
وبحلول مناسبة اليوم الوطني للعَلَم الاردني التي تصادف اليوم السادس عشر من نيسان من كل عام وأقرها مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 31 من آذار الماضي، وتزامنا مع الاحتفالات بمئوية الدولة الاردنية، تتجدد حكايات الوطن ومنجزاته وتتجدد معها معاني النشيد الذي تعلق به الاردنيون كبارا وصغارا شيبا وشبانا رجالا ونساءً، ليواصل العَلَم شموخه سامقا بأمجاد الاجداد والاباء المؤسسين التي تعانق الفَخار بتاريخ ناصع أبلج، وتنسج من مآقي الاعين الشاخصة لسمو العَلَم، حاضر ومستقبل وطن وشعب، عصياً على النائبات مهما بلغت المدى.
والعَلم الاردني الذي يحتفل الاردنيون اليوم بـ”يومه” الاغر، وترتقي ارواحهم عناقاً لفداه، يُعتبر رمزا مبجلا لشرف الوطن وسؤدده وجلاله وكرامته واستقلاله وعزة أبنائه، ويتشح بسناء الوان استمدت دلالاتها وحضورها وتواصلها من أصالة التاريخ المضمخ بالعراقة والرفعة؛ فجاء بأشرطة متوازية افقيا حملت الوان؛ الأسود راية الدولة العباسية، والأبيض راية الدولة الأموية، والأخضر راية آل البيت وعباءة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، والأحمر راية الهاشميين الذي تمثل بالمثلث الذي يجمع الأشرطة الثلاثة السابقة يتوسطه كوكب سباعي الأشعة (النجمة السباعية) يدل على فاتحة القرآن الكريم السبع المثاني (سورة الفاتحة من سبع آيات)، واستقى دلالاته هذه منسلاً من علم الثورة العربية الكبرى التي أعلنها المغفور له بإذن الله الحسين بن علي شريف مكة عام 1916 ليطلق العنان لتحرر العرب من سطوة الاحتلال والهيمنة والاضطهاد إلى آفاق النهوض واستعادة تاريخ الامة المجلل بالعزة والكبرياء. ويأتي طول العلم الأردني ضعف عرضه، وينقسم إلى ثلاث قطع متساوية متوازية؛ العليا سوداء والوسطى بيضاء والسفلى خضراء وضع عليها من ناحية السارية مثلث (ليس قائم) أحمر قاعدته مساوية لعرض العلم وارتفاعه مساوٍ لنصف طوله، وفي هذا المثلث كوكب أبيض سباعي الأشعة مساحته مما يمكن أن تستوعبه دائرة قطرها واحد من أربعة عشر من طول العلم، وهذا الكوكب موضوع بحيث يكون وسطه عند نقطة تقاطع الخطوط بين زوايا المثلث، وبحيث يكون المحور المار من أحد الرؤوس موازياً لقاعدة هذا المثلث.
وكان القانون الاساسي لعام 1928 (اول دستور للدولة الاردنية في عهد الامارة) الذي وضعه المغفور له بإذن الله الملك المؤسس عبدالله بن الحسين، اشتمل على 72 مادة موزعة على مقدمة وسبعة فصول، وفي المقدمة ثلاث مواد تتناول تطبيق القانون وعاصمة البلاد وشكل الراية الوطنية، كما ورد وصف العلم في المادة الرابعة من الدستور الأردني لعام 1952، وفي 20 آب 2002 صدرت الارادة الملكية السامية لجلالة الملك عبدالله الثاني بالموافقة على قانون الاعلام الاردنية وتضمنت المادة الثانية منه ما يلي “تعني عبارة “العلم الاردني” حيثما وردت في هذا القانون “الراية الاردنية” وفقا للشكل والمقاييس المحددة في المادة 4 من الدستور”.
كما صدر قانون رقــم 5 لسنة 2004 “قانون الاعلام الاردنية” بتاريخ الثامن من نيسان عام 2004 موشحا بالإرادة الملكية السامية، وتضمنت المادة الثانية منه “تعني عبارة (العلم الأردني) حيثما وردت في هذا القانون (الراية الأردنية) وفقا للشكل والمقاييس المحددة في المادة (4) من الدستور”، وحددت المادة الرابعة من القانون الأحكام والشروط المتعلقة بالأمور الخاصة بالعلم الأردني، وتناولت المواد السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة شروحا وبنودا تتعلق بأصول تأدية التحية للعلم الاردني والأماكن التي يجب أن يرفع فيها وشكله ومقاييسه ومواصفاته والوانه وارتفاعه ومحظورات استعماله والعقوبات التي تترتب على مخالفة محظورات استعماله ومعاقبة كل من قصد الاساءة للعَلَم.
وبهذه المناسبة يقول وزير الثقافة علي العايد لوكالة الانباء الاردنية (بترا)، “إن السادس عشر من نيسان يشكل يوما وطنيا للعَلَم، وفي الوقت نفسه يمثل حالة وطنية فريدة يجتمع حولها الأردنيون بكل معاني الفخر والاعتزاز والكرامة، فهو تكريس لأحد أهم الرموز الوطنية التي أسهمت في تشكيل وجداننا وهويتنا عبر مسيرة مئة عام من عمر الدولة الأردنية الحديثة”.
ويضيف العايد، “في مثل هذا اليوم من عام 1928 تم اعتماد العلم الأردني الحالي بشكل رسمي رغم أنه كان مستعملا منذ التأسيس، وأدرج هذا اليوم ضمن الخطة الوطنية لاحتفالية مئوية تأسيس الدولة الأردنية باسم اليوم الوطني للعَلَم، وتم اعتماده مناسبة وطنية سنوية، من أجل تعميق قيم العَلَم لدى الأجيال الجديدة، والتأكيد على مكانته في قلوب الأردنيين ووجدانهم”.
ويؤكد أن وزارة الثقافة، بهذه المناسبة، أعادت تسجيل نشيد العلم بتوزيع جديد وأصوات كورال جديدة مع الحفاظ على اللحن وأصالته، وإنتاج فيديو كليب جديد خاص بنشيد العلم، وإطلاق حملة “علمنا عال” يوم الاثنين الماضي من أجل إيجاد حالة مجتمعية للاحتفاء الشعبي بالعَلَم من خلال سلسلة فيديوهات ومشاركة واسعة من المؤسسات الرسمية والأهلية والقطاع الخاص.
ويقول وزير الثقافة: ” إن هذه المناسبة تبعث فينا معاني الفخر بعَلَم الدولة الأردنية الذي كان وسيبقى شاهدا على انجاز الآباء والأجداد، وكان وما زال أحد أبرز الرموز الوطنية التي توحَّد الأردنيون حولها، لافتا إلى أنه “بهذه المناسبة نؤكد التفافنا حول راية الوطن بقيادة الهاشميين حاملين الأمل والطموح نحو مئوية جديدة، عاقدين العزم على رسم ملامح المستقبل الزاهي بثقة وأمل”.
وينوه العايد بأن وزارة الثقافة وبمشاركة الوزارات والمؤسسات الوطنية، ستثري المحتوى الوطني الذي من شأنه أن يعزِّز قيم العَلَم انطلاقاً من رمزيته ومكانته الوطنية، وفق خطة عملت عليها منذ بدء الحملة الترويجية بهدف رفع العَلَم الأردني فوق كل البيوت والمباني العامة وفي كل الساحات، ليكون السادس عشر من نيسان وفي كل عام، يوما زاهيا بألوان العلم الوطني ومعانيه ودلالاته السامية.
ويشير إلى أن خطة الترويج التي سبقت هذا اليوم -16 نيسان- اشتملت على العديد من الفعاليات المهمة التي جسدت حالة الاعتزاز بالراية الوطنية لتبقى خفاقة بقيادة جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني، بعد ان رفعتها زنود الأردنيون والهواشم جنبا إلى جنب عنوانا لنهضة الوطن ورفعته.
وفي ربطه لجذور شكل العَلَم ودلالاته من حيث الاصل والتاريخ يقول المؤرخ الدكتور بكر خازر المجالي في حديثه لـ(بترا) عن العلم الاردني “حين نعود الى عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وقصة فتح مكة المكرمة فقد ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام، قد دخلها وجيشه يحمل رايتان؛ البيضاء والسوداء، ونعرف أن جيش صلاح الدين الايوبي قد حمل الراية الصفراء، ورفع الفاطميون الراية الخضراء، بمعنى أن الراية أو العلم تتقدم الجيوش وترفعها الدواوين والمقرات والرئاسات كرمز أو إعلام عن وجود وعن قوة او هيبة، ومن هنا كان الأسم “العلم” بأنه يُعلِمُ” بمكانة ومنزلة صاحبه.
وتتعدد أسماء العَلَم، من الراية والعلم الى الخافق والبيرق والبند واللواء وغيرها، بحسب المجالي الذي يلفت إلى أن من وظائف سدنة الكعبة المشرفة
هو “اللواء” وكان في عهدة قصي بن كلاب صاحب قريش وورد أن راية قصي كانت الحمراء الداكنة، وبعد أن تسمى الهاشميون بهذا الأسم مع رئاسة عمرو بن عبد مناف الذي تلقب بهاشم ومن ثم كل اعقابه كانوا الهاشميين، أصبحت الراية الحمراء هي راية الهاشميين، وحملها أبو نمي في مكة المكرمة وأستقبل بها السلطان سليم الاول عام 1516-1517 ميلادية .
ويتابع “بقيت راية الهواشم الحمراء القانية حتى قيام الثورة العربية الكبرى، وبمبادرة من الشريف الحسين بن علي تم تصميم راية الثورة العربية الكبرى لتمثل الحضارة العربية العريقة من أمية الى العباسيين والفاطميين، وصولا الى الهاشميين لنكون نحن امتدادا للعصور العربية الزاهرة، ورفعها الشريف الحسين بن علي لتتقدم جيوش الثورة عام 1916 ومن ثم في الذكرى السنوية الاولى للثورة كان تصميم العلم العربي الجديد بألوانه الاسود والاخضر والابيض كمستطيلات يتداخل فيها المثلث الاحمر الذي هو الراية الهاشمية بمعنى أن “الراية الهاشمية” هي امتداد للحضارات العربية الاصيلة”.
ويشير المجالي إلى دخول الامير فيصل بن الحسين الى دمشق عام 1918 رافعا راية الثورة العربية الكبرى، ومع اعلان الدولة العربية المستقلة (المملكة العربية السورية) في 7 آذار 1920 رفع هذه العلم مضافا اليه النجمة السباعية في منتصف المثلث الاحمر لدلالة انها الدولة العربية الاولى في مشروع النهضة العربية الذي يسعى لوحدة أقطار آسيا العربية.
ويقول أنه بعد أحداث ميسلون وزحف الملك المؤسس (الامير آنذاك) عبدالله بن الحسين الى عمان، حيث دخلها وهو يرفع علم الدولة العربية السورية، وفي عام 1922 جرى تعديل ترتيب الالوان بوضع الابيض في الوسط تمييزا له بين داكنين، ليستمر هذا العلم علما للمملكة الاردنية الهاشمية .
ويؤكد المجالي في ختام حديثه أن العلم هو رمز ومعنى الكبرياء وهيبة الدولة ومثار الاعتزاز الشخصي للإنسان الاردني الذي يحتضن العَلَم بكل المناسبات والاحتفالات.
–(بترا)