عروبة الإخباري – بينما لا تزال سفينة حاويات عملاقة تغلق الممر الملاحي بقناة السويس، قد تكون العواقب الاقتصادية لمثل هذا الحادث كبيرة إذا استمر الوضع على ما هو عليه. عواقب جسيمة ليس فحسب على الدول المستوردة والمصدرة، ولكن أيضا على مصر التي تجني دخلا هائلا من استغلال هذا الممر البحري التجاري.
تجنح سفينة شحن واحدة لتجد التجارة البحرية العالمية نفسها أمام مشكلة كبيرة. بعد جنوح سفينة الشحن “إيفر غرين” في قناة السويس، لا تزال مصر تحاول قطر سفينة الحاويات، التي يبلغ طولها 400 متر وتزن 220 ألف طن، من أجل تيسير مرور السفن الأخرى عبر قناة السويس، أحد أكثر الممرات المائية ازدحاما في العالم.
وأعلنت هيئة قناة السويس المصرية الخميس، تعليق حركة الملاحة البحرية “مؤقتا” لحين إعادة تعويم السفينة. فوفقا لخريطة تزامنية من موقع “فيسيل فايندر”، فإن عشرات السفن تنتظر عند طرفي القناة وفي منطقة الانتظار في المنتصف.
فمن هذا الممر البحري البالغ طوله 193 كيلو مترا يمر سنويا 1,1 مليار طن من البضائع، أي 10 بالمئة من مجموع حركة التجارة العالمية. طريق تجاري رئيسي بين أوروبا وآسيا، قد يؤدي انسداده إلى توجيه ضربة كبيرة للإمدادات في الأيام أو حتى الأسابيع القادمة.
“سوق بحرية بامتياز”
تسبب الحادث، الذي وقع ليل الثلاثاء الأربعاء، في تأخيرات كبيرة في تسليم شحنات البِترول والمنتجات التجارية الأخرى. حتى أن أخبار تعطل الملاحة بالقناة جعلت أسعار النفط تقفز بنسبة 5 بالمئة يوم الأربعاء.
وإن كانت أوروبا تمثل الجزء الأكبر من اقتصاد قناة السويس، فإن القارة العجوز، المرتبطة بآسيا من خلال هذا الممر البحري، لا تعاني حقا من تأثير انسداد القناة على كمية النفط الواصلة إليها. يوضح بول توريت، مدير المعهد العالي للاقتصاد البحري (إيسمار)، في حوار هاتفي لفرانس24 قائلا: “مسار الطاقة الإستراتيجي ليس مهما بالنسبة لأوروبا، من حيث الحجم، لأن 80 بالمئة من نفط الخليج يذهب إلى الشرق الأقصى والهند”. ثم يتابع بالقول “قناة السويس لم تعد مهمة بالنسبة لاستيراد النفط كما كانت قبل ثلاثين عاما، حين كانت أوروبا لا تزال تعتمد بشكل كبير على النفط السعودي”. واليوم، في الواقع، تحصل الدول الأوروبية على المزيد من نفطها من الجزائر أو النرويج أو روسيا.
لكن من ناحية أخرى، فإنها قد تتأثر أكثر بالتأخير في توريد أنواع أخرى من السلع، ولا سيما المنتجات المصنعة “في الصين”. مثل السلع الرأسمالية أو الصناعية أو الاستهلاكية أو أيضا السلع الغذائية… ثم يضيف مدير معهد إيسمار: “كل عام يصل إلى أوروبا عدد من الحاويات يتراوح بين 14 إلى 15 مليون حاوية ممتلئة بالبضائع، يأتي 75 بالمئة منها من الصين”. “فنحن نعتمد على المنتجات المصنعة في الصين. ففي هذه الحاويات توجد الهواتف المحمولة أو قطع تصنيع السيارات أو أجزاء مخصصة لبناء توربينات الرياح”.
ثم إن سلسلة توريد السيارات مهمة للغاية، سواء أكانت السيارات الألمانية المتجهة لأسواق الخليج، أو السيارات اليابانية والكورية المتجهة إلى الغرب. ويكمل توريت معددا أنواع البضائع “قد تكون هناك أيضا سفن حبوب روسية متجهة للمملكة العربية السعودية، أو مواد كيميائية سعودية متجهة إلى أوروبا الغربية…”. ويوضح ذلك قائلا بأن قناة السويس “هي سوق بحرية بامتياز. ففيها كل شيء يمكن أن ينقل عبر البحار”.
ما بدائل قناة السويس؟
إن العواقب الاقتصادية الناجمة عن تعطل الملاحة في قناة السويس تذكرنا بالأهمية الإستراتيجية لمثل هذا الممر البحري. فإذا لم نتمكن من عبوره، ما هو البديل المتوافر أمام التجارة الدولية؟ البديل الأكثر ترجيحا هو طريق رأس الرجاء الصالح، في الطرف الجنوبي من القارة الأفريقية. يشرح بول توريت: “اتخاذ هذا الطريق يوفر عليك بلا شك رسوم عبور القناة، التي تبلغ 500 ألف دولار في كل مرة، لكن يجب عليك إضافة أسبوع لوقت الرحلة واستهلاك وقود أكثر لمدة أسبوع”.
على أي حال، كما يقول، يعتمد الأمر على مدى سرعة تعويم حاملة الحاويات “إيفر غرين”. “فإذا ظلت الحاملة في مكانها لمدة ثلاثة أسابيع مثلا وهو الوقت اللازم لجلب معدات بحرية ثقيلة لتعويمها، فقد يكون من المفيد في هذه الحالة الدوران حول أفريقيا حتى لا نضيع الوقت”.
هناك خيارات أخرى: مثل النقل الجوي، أو السكك الحديدية عبر روسيا. “لقد رأينا ذلك خلال كارثة فوكوشيما عندما كان شمال اليابان ينتج مضخات لمحركات السيارات في أوروبا”، فقد ملئت القطارات بالبضائع وفي غضون أحد عشر يوما فقط، عبر روسيا، أفرغت حمولتها في المدن الأوروبية.
يمكن أن يكون الحل أيضا هو المرور عبر قناة بنما. يضيف بول توريت: “فالأرض كروية، لذا يمكنك أيضا الالتفاف في الاتجاه الآخر”. “لنأخذ حمولة مقدارها عشرة آلاف طن على سبيل المثال، تغادر شنغهاي في الصين وفي غضون ثلاثة عشر يوما تكون قد وصلت إلى قناة بنما وبعد عشرة أيام تصبح في روتردام”.
ثاني أكبر مصدر دخل لمصر بعد السياحة
لا يوجد نقص في الطرق البحرية ويمكن العثور على بدائل، ولكن على حساب عدة أيام من التأخير في سلاسل الإمدادات. على أي حال، يذكرنا بول توريت: كل هذا سيتم تقييمه اعتمادا على تطور الوضع في قناة السويس. “لا شك أن هناك تأخيرا حتى هذه اللحظة. لكن إذا استغرق الأمر ثلاثة أو أربعة أيام أخرى، فإن سلاسل الإمدادات ستتعطل أكثر، ولكن في الوقت الحالي لا ضرر كبيرا يحدث لأنه أمر عادي أن تتباطأ السفن”. ويواصل قائلا: “إذا لم يتم حل هذا الأمر يوم الأحد على أقصى تقدير، فسيكون قد مر أسبوع وهذا يعني أن سفنا جديدة قد غادرت من الشرق الأقصى”، موضحا أن سفينة من نفس الخط تغادر ميناءها كل أسبوع باتجاه قناة السويس. “بعد أسبوع، سنبدأ في مواجهة صعوبات لوجستية، وبعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، سنواجه بالفعل اضطرابا كبيرا”.
تم افتتاح المسار الثاني لقناة السويس، الذي تم الإعلان عن توسيعه وتعميقه في عام 2014، للسماح بمرور أكبر في عام 2015. ويقول بول توريت: “لا شك أن مصر عليها الآن أن تطرح على نفسها مسألة تأمين هذا القسم”.
فقد تكون هناك عواقب خطيرة لهذا الاضطراب على مصر أيضا، حيث تمثل الإيرادات التي تجمعها قناة السويس المصدر الثاني لدخل البلاد بما يقرب من 5,5 مليار دولار سنويا. “فالقناة هي المصدر الثاني للدخل بعد السياحة، وبما أن السياحة في حالة سيئة، فإن القناة بالضرورة تعد أمرا في غاية الأهمية اليوم بالنسبة لمصر، ومن هنا تأتي الحاجة إلى تسريع حركة السير في الفرع الجنوبي”.