شكل تصريح بلفور المشؤوم كشفا صريحا عن المؤامرة والمشروع الصهيوني الذي حيك ضد فلسطين قبل تاريخ هذا التصريح بكثير ، وكذلك شكلت الممارسات البريطانية فترة الحكم العسكر والانتداب على فلسطين تنفيذا لهذا التصريح وأساسا لنكبة الشعب الفلسطيني التي بدأت منذ اليوم الأول من أيام الاستعمار البريطاني لفلسطيني والذي مارس أبشع الجرائم والفظائع والانتهاكات بحق شعبنا وبما يخالف قواعد الأخلاق والإنسانية و القانون الدولي .
بالنسبة لنا كشعب فلسطيني تعتبر بريطانيا مسؤولة عن الكثير من الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني وتعتبر المسؤولة الأولى عن تسليم فلسطين للعصابات الصهيونية التي دربت وسلحت من خلال سلطات الانتداب البريطاني في ذلك الوقت ، ومما لا شك فيه بأن الاحتلال الإسرائيلي يشكل امتدادا للاستعمار البريطاني والذي حرصت بريطانيا على دعمه وترسيخه والاعتزاز والافتخار بدورها في إنشاءه وقد عبرت عن ذلك بشكل صريح رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي خلال احتفالهم بالذكرى المئوية لتصريح بلفور .
رفضت الحكومة البريطانية طلب الرئيس محمود عباس بالاعتذار للشعب الفلسطيني على العلم أنها اعتذر لكثير من الدول التي اكتوت من الممارسات البريطانية الاستعمارية مما شكل ضربة جديدة للقيم والأخلاق الإنسانية .
مع كل شهيد يستشهد في فلسطين ومع كل دمعة لعين أم فلسطينية ومع كل مستعمرة تبتلع قطعة من أرضنا ومع كل ألم وجع لأسرانا وجرحانا وأطفالنا من سياسات الاحتلال الإسرائيلي نستذكر الدور البريطاني الذي زرع الاحتلال الإسرائيلي على صدورنا وفي ربوع أرضنا ، ليقتل ويذبح ويحرق ويسرق منذ عام 1948 والعالم بأسره يقف متفرجا وصامتا دون أي احترام لحقوق الإنسان وقيم العدالة والإنسانية .
ورغم تضحيات شعبنا وتمسكه الأسطوري بحقوقه وعدالة قضيته إلا أننا شهدنا العديد من المحطات المؤلمة والتي أخطأنا من خلالها بحق أنفسنا وحق شعبنا وحق قضيتنا السامية وأسوء هذه المحطات محطة الإنقسام المشؤوم والذي أضعف قضيتنا وحضورنا وتماسكنا ومقاومتنا فأصبحنا بوضع لا يحسد عليه .
واستغلالا لذلك لم يوفر الاحتلال جهدا في ضرب نسيجنا الاجتماعي وتعميق الإنقسام وترسيخه في عقولنا وتعزيز ثقافة التشكيك والتخوين ولم يوفر العالم جهدا في المزاودة علينا بشأن أهمية استعادة وحدتنا وتماسكنا بل استخدم الانقسام شماعة لتبرير تراجع التضامن مع قضيتنا وحقوقنا العادلة وأصبحنا نشهد مؤامرات تحاك ضدنا بشكل علني سميت بصفقة القرن التي شملت مشاريع تطبيع مؤسفة .
كل ذلك انعكس سلبا على الروح النضالية الفلسطينية وأصبحنا نفكر في توفير لقمة العيش والعمل في المستعمرات والحفاظ الامتيازات الزائفة التي يمنحها الاحتلال لفئة من الشعب وأصبح يصدق فين قول ” بين حانا ومانا ضاعت لحانا “
نعم نعيش في حالة إحباط هائلة من واقعنا الفلسطيني وواقعنا العربي ، وحالة انبطاح غير مسبوقة وضياع لبوصلتنا في ظل انسداد الأفق من خلال عملية السلام التي خدعنا بها لسنوات طويلة ، وتمسكنا بالمناصب والمكاسب .
أمام كل هذه الصورة المظلمة والواقع المرير لم ينكسر شعبنا ولم يركع ولم نفقد الأمل ونحن نبصر صمود أهل القدس ومقاومة أطفال غزة وعطاء أهل الضفة وتماسك وعروبة أهلنا في الداخل الفلسطيني والتي يجب أن تشكل رسالة للجميع بأهمية مراجعة مسارنا وتصحيه بشكل فوري على كافة المستويات وأولها المستوى الشعبي .
مبادرتنا لمقاضاة بريطانيا لم تكن عبثا ، ولم تكن استعراضا وإنما كانت مبادرة نضالية للعودة بشعبنا إلى أصل نكبته ولنذكره بأن فلسطين كلها فلسطين ، وما إسرائيل إلا دولة احتلال قائمة بالقوة .أردنا من خلال المبادرة تذكير شعبنا بأن بريطانيا ارتكبت الجرائم والفظائع المؤلمة وتسببت باحتلال فلسطين واستمرار احتلالها حتى يومنا هذا .
مبادرتنا لمقاضاة بريطانيا رسالة لبريطانيا بأننا لم ولن ننسى حتى بعد 103 أعوام ، هي رسالة للعالم بأسره بأن صمته جزء لا يتجزأ من الجرائم التي ارتكتب وترتكب بحق الشعب الفلسطيني .
مبادرتنا لمقاضاة بريطانيا هي محطة فخر واعتزاز نستعيد من خلالها ثقتنا بأنفسنا وبحقوقنا ونؤكد من خلالها استمرار نضالنا بكافة الوسائل المشروعة لاسترداد حقوق شعبنا وأولها حق الشهداء والجرحى والأسرى .
مبادرتنا لمقاضاة بريطانيا هي رسالة بأن الشعب الفلسطيني كباقي شعوب العالم يستحق الحياة بكرامة وحرية وعزة ويستحق الاعتذار كما استحقته وحصلت عليه الكثير من الشعوب في العالم .
مبادرتنا لمقاضاة بريطانيا بدأت في نابلس لنقول للعالم بأسره بأننا شعب ولنا دولة ولنا قرار ولن نتوقف عند ذلك بل سنذهب لكل ميادين العدالة وقد بدأنا فعلا بالذهاب للقضاء البريطاني وكلفنا لأجل ذلك أبزر المحامين الدوليين .
مبادرتنا لمقاضاة بريطانيا هي انتصار لكل الشعوب التي تألمت من الاستعمار وما زالت تطالب بحقها بالاعتذار وأولها الشعب الجزائري الحر الذي ما زال يطالب فرنسا بالاعتذار .
مبادرتنا لمقاضاة بريطانيا لأجل فلسطين ولأجل شعبنا ولأجل حقوقنا ولأجل شهدائنا وأسرانا وجرحانا ولأجل الأجيال الفلسطينية القادمة وهي مبادرة تستحق كل الدعم والتأييد والمساندة حتى دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلبة وعاصمتها القدس وحتى لا نصل لمرحلة نفقد فيها الثقة بأنفسنا وبطاقات شعبنا وعدالة قضيتنا ونفقد الأمل بأي جهد مبذول لمقاومة الظلم والقهر والاحتلال وتغيير واقعنا المؤلم .