عروبة الإخباري – شهد يوم 20 يناير/كانون الثاني النهاية الرسمية لإدارة “ترامب” وبداية رئاسة “جو بايدن”، ولكن بالرغم من مواجهته لأزمات متعددة ورغبته في تنفيذ أجندة طموحة للمئة يوم الأولى، إلا أنه أدى اليمين دون أي من أعضاء حكومته المرشحين.
وبعد ساعات من تنصيبه، صوّت مجلس الشيوخ لتأكيد تعيين “أفريل هاينز” مديرة للاستخبارات الوطنية؛ ومع ذلك، سيقضي “بايدن” الأيام القليلة الأولى من ولايته دون اعتماد مجلس الشيوخ لكثير من مرشحيه للحكومة.
وعقدت لجان مجلس الشيوخ جلسات استماع في 19 يناير/كانون الثاني لفريق مرشحي “بايدن” للحكومة، بما في ذلك المرشحين للعمل كوزراء للدفاع والخارجية، ونظرًا لأن هؤلاء المسؤولين سيشرفون على أذرع الحكومة الأمريكية الأكثر انخراطًا مع الدول العربية – ومناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل أوسع – فقد قدمت جلسات الاستماع نظرة مهمة على سياسات إدارة “بايدن” المنتظرة.
التحول نحو آسيا
وأمام المشرعين، أكد الجنرال “لويد أوستن”، المرشح للعمل كوزير للدفاع، أن الولايات المتحدة تواجه تحديات عالمية لا تقتصر على الشرق الأوسط، بما في ذلك جائحة “كورونا” المستمرة ومنافسة القوى العظمى مع الصين.
وفي ضوء هذه التحديات، أيد “أوستن” سياسة عهد “أوباما” المتمثلة في تحويل المحور إلى آسيا لأن الولايات المتحدة ركزت على قضايا الشرق الأوسط خلال العقود الماضية، في الوقت الذي حققت فيه الصين طفرة في جيشها”.
وبينما أكد “أوستن” أن آسيا يجب أن تكون محورالسياسة الأمريكية، استغل العديد من أعضاء مجلس الشيوخ جلسة الاستماع لسؤاله حول سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران.
العودة للاتفاقية النووية بشروط
وأعاد “أوستن” التأكيد على موقف “بايدن” بأن إيران عنصر مزعزع للاستقرار في المنطقة وتشكل تحديًا عاجلا للولايات المتحدة وشركائها الإقليميين. وفي الوقت ذاته، فعند مناقشة خطة العمل الشاملة المشتركة (المعروفة باسم الاتفاقية النووية)، قال “أوستن” إنها كانت تطورًا إيجابيًا لأن تطبيع العلاقات مع دول مثل إيران يعد إيجابيًا في الإجمال، ومع ذلك، فهو يدعم أيضًا السياسات التي تزيد الضغط على إيران.
أما فيما يخص الخطط المستقبلية، فقد اقترح معالجة نقطتين مما يراها أوجه قصور في خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية وهما برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وبنود انقضاء الاتفاقية الأصلية التي تسمح لطهران بالعمل تدريجيًا في ظل قيود أقل.
مثل الجنرال “أوستن”؛ أجاب “أنتوني بلينكن”، مرشح الرئيس “بايدن” لمنصب وزير الخارجية، على عدد من الأسئلة حول السياسة المفضلة للإدارة القادمة بشأن إيران. ووصف “بلينكن” إيران بأنها تهديد خطير وأكد بوضوح أن إيران لن تمتلك أسلحة نووية تحت قيادة “بايدن”.
وقال “بلينكن” إن خطة العمل الشاملة المشتركة كانت “ناجحة وفقًا لشروطها الخاصة” وأكد أن الرئيس “بايدن” كان محقًا في القول بأن الولايات المتحدة يجب أن تلتزم مرة أخرى بالتزاماتها بموجب الاتفاقية إذا أعادت إيران التزامها بخطة العمل الشاملة المشتركة.
ومع ذلك، دعا “بلينكن” إلى السعي إلى اتفاقية دولية أطول وأكثر قوة لكبح رغبة طهران في امتلاك أسلحة نووية. ورأى مثل هذا الاتفاق يجب أن يتم تطويره بمرور الوقت. وتعهد بتوسيع التحالف الدولي ليشمل شركاء إقليميين مثل إسرائيل.
تراجعات ولكن غير جذرية
إلى جانب إيران، ناقش “بلينكن” أيضًا سياسات إدارة “بايدن” المقترحة تجاه الخليج العربي. وفيما يتعلق باليمن، وصف الحرب الأهلية بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم وألقى باللوم على الحوثيين، الذين “أطاحوا بالحكومة ووجهوا العدوان على السعودية وارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان”.
ولكن، على الرغم من انتقاداته، قال “بلينكن” إنه يعارض تصنيف وزير الخارجية السابق “مايك بومبيو” للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية لأن ذلك يعرض المساعدة الإنسانية لليمنيين للخطر، حيث يعيش معظمهم تحت سيطرة الحوثيين ويعتمدون على هذه المساعدة. واقترح “بلينكن” إجراء مراجعة فورية لهذا التصنيف كطريقة لضمان ألا تعرقل وزارة الخارجية إيصال المساعدة الإنسانية إلى الشعب اليمني.
وأخيرًا، تطرق “بلينكن” بإيجاز إلى الدول الأخرى المهمة، مؤكدًا أنه في ظل إدارة “بايدن” الجديدة، “ستتم مراجعة العلاقة [الأمريكية] بأكملها مع السعودية”، واتفق مع قرار إدارة “ترامب” بالاعتراف رسميًا بالقدس عاصمة لإسرائيل وأكد للمشرعين أن القرار لن يتم التراجع عنه في عهد “بايدن”.
كما سئلت “أفريل هاينز” مرارًا وتكرارًا عن إيران، مثل “أوستن” و”بلينكن”، وردت بأنها تؤيد العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة إذا عادت إيران إلى الامتثال للاتفاق. ومع ذلك، لم تغفل “هاينز” الإشارة إلى أن “إيران تمثل تهديدًا وتعد طرفًا فاعلًا مزعزعًا للاستقرار في المنطقة” مضيفة أنه “لا ينبغي أبدًا السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية”.
وعلى هذا النحو، أكدت “هاينز” أن دورها يتطلب منها تقديم تقييمات دقيقة للتهديدات لصانعي السياسات، ولم تركز جلسة استماعها إلى حد كبير على القضايا ذات الصلة بالشرق الأوسط، لكنها قدمت بعض التقييمات المثيرة للاهتمام والمتصلة بالسياسة الأمريكية في المنطقة.
فقد قالت إنها تعارض أساليب “الاستجواب المعزز” – الذي يتفق المنتقدون في الداخل والخارج بشكل عام على أنه يعتبر شكلاً من أشكال التعذيب – ووصفت الممارسة التي أسست لها حكومة الولايات المتحدة كجزء من “الحرب على الإرهاب” بأنها غير قانونيةويعتبر هذا الأمر مهما لأن الكثيرين يعتقدون أن سياسة الولايات المتحدة لتعذيب السجناء في أماكن مثل سجن أبو غريب في العراق وسجن غوانتانامو قد غذت الجماعات المتطرفة مثل تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ومع ذلك، لم تقتصر مناقشة “هاينز” للإجراءات خارج نطاق القضاء، على الولايات المتحدة، فقد أكدت مرشحة الاستخبارات الوطنية الجديدة أنها ستلتزم بالقانون الأمريكي وتكشف تقريرًا رفعت عنه السرية من المرجح أن يكشف تورط مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى في اختطاف وقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”.
وفي حين أنه لا يزال من السابق لأوانه أن نفهم حقًا كيف ستتعامل إدارة “بايدن” مع الشرق الأوسط الذي يختلف اختلافًا كبيرًا عن الوقت الذي كان فيه “بايدن” آخر مرة في السلطة كنائب للرئيس، فقد أوضح فريق الأمن القومي الخاص به أن السياسة الأمريكية لا بد أن تتحول عما كانت عليه في عهد إدارة “ترامب”.
وسيكون لهذا التحول تداعيات خطيرة على دول مثل السعودية التي تمتعت بمستوى غير مسبوق من الإفلات من العقاب في عهد “ترامب”، ومع ذلك، فمن الواضح أيضًا من شهادات مرشحي “بايدن” أن بعض السياسات لن تنحرف جذريًا عن سياسات أسلافهم.