لقد أثبتت الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة بعد الإعلان عن نتائج الإنتخابات الأمريكية التي اسفرت عن سقوط الرئيس المغرور العنجهي ترامب بأن لا دولة مهما بلغت قوتها وعظمتها ونظامها الديمقراطي أن تبقى عصية عن الإنقلاب على قيمها وعوامل قوتها ووحدتها إذا ما تولى مقاليد الحكم شخص دكتاتوري بعقليته محاط بفريق لا يقل عنه تطرفا وعنصرية وعنجهية يزين له أعماله وهذا ما حصل بتولي ترامب الطارئ على عالم السياسة الحكم في أمريكا مما يهدد وجودها كدولة موحدة قادت العالم .
إقتحام الكونغرس الأميركي :
لم يكن إقتحام الكونغرس من قبل مناصري الرئيس ترامب في 6 / 1/ 2021 أثناء إجتماعه للمصادقة على نتائج الإنتخابات الأمريكية التي إنتهت بفوز بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية وليدة اللحظة بل كانت نتيجة تعبئة تراكمية عنصرية قادها ترامب طوال عهده .
معان الإقتحام :
للاقتحام العنيف لمبنى الكونغرس معان ودلالات آنية ومستقبلية منها :
أولا : رفض ملايين الأمريكيين ممن صوتوا لترامب القبول بإفرازات صندوق الإقتراع .
ثانيا : لجوء الأقلية التصويتية الممثلة والمنحازة إلى خطاب وتعبئة عنصرية لفرض إرادتها عبر إتباع وسائل غير سلمية وعنفية الطابع والشكل على إرادة الأغلبية التصويتية التي مارستها عبر صندوق الإنتخاب معبرة بذلك عن طموحها ومصالحها وعن معارضتها لسياسات ترامب .
ثالثا : رفض قيم المساواة والعدالة ترسيخا لمبدا المواطنة التي اسست وبنيت وقامت عليها الولايات المتحدة الأمريكية بما تعنيه من نبذ كل اشكال التمييز .
رابعا : إحداث زلزال متوسط القوة بأسس وبنيان النظام الديمقراطي ووحدة المجتمع الأمريكي سيتبعه إرتدادات قد تكون مدمرة .
خامسا : كشفت عن هشاشة الجبهة الداخلية الأمريكية مما ستجعل منها بيئة خصبة ومؤاتية للإختراق من قوى عديدة تطمح لوراثة قيادة العالم .
مقدمات وظواهر إنقلابية ترامبية :
لم تكن سياسة ترامب الإنقلابية سواء على صعيد الداخل الامريكي او الخارجي الدولي مفاجئا بل كانت متوقعة بل يقينية لدى الكثير من المحللين والمفكرين والسياسيين وفق رصد سلسلة من القرارات والتوجهات منذ توليه رئاسة أمريكا تمثلت في إجراءات وتصريحات لا حصر لها منها :
▪إتباع سياسية الإبتزاز إتجاه دول حليفة تاريخيا كتعامله مع حلف الناتو ودول الإتحاد الأوروبي ودول عربية تحت ذرائع حمائية واهية .
▪ توظيف القوة الأمريكية من سياسية وإقتصادية وعسكرية لصالح بعض القطاعات الصناعية خاصة العسكرية والنفطية منها دون مراعاة لمبدأ السياسة المتوازنة لصالح غالبية المواطنين .
▪ تنفيذ إستراتيجية نتنياهو ومعسكره الذي يمثل رمز الإرهاب والتطرف والعنصرية ومعسكره القائمة على العدوان وشن الحروب ودعم الإحتلال العسكري لأراض فلسطين خلافا لمبادئ وأهداف الأمم المتحدة .
▪التعامل بإستخفاف مع الشعب الأمريكي وعلى قاعدة عنصرية مع الأقليات المكونة للشعب الأمريكي وخاصة الإفريقية منها وما النهج الذي إتبعه بالتعامل مع حادثة قتل مواطن أمريكي إفريقي ومع تفشي فيروس كورونا إلا أدلة على ذلك .
▪ محاولة تقويض النظام العالمي القائم ولو نظريا على إحترام حقوق الإنسان وبعدم جواز إحتلال اراض بالقوة وبتعزيز وترسيخ السلم والأمن الدوليين إلى محاولة فرض نظام دولي بديل قائم على إعتماد سلطة وهيمنة القوة العسكرية دون أي إعتبار لقوة الحق الذي يسمو على ما عداه وفرض نتائجها كامر واقع وما مشروع صفقة القرن الهادف الى تصفية حقوق الشعب الفلسطيني بعنوانها حقه بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة إلا عنوان لتلك الأهداف والمخططات المناقضة للشرعة الدولية .
تحديات أمام بايدن :
بالوقت الذي يمثل ما تقدم إنتهاكا صارخا وإعتداءا على ميثاق ومبادئ الأمم المتحدة وقراراتها وعلى العهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية إنما تمثل في الجهة المقابلة تحديا كبيرا للرئيس المنتخب وإدارته متمثلا بمدى قدرته على إنهاء اثار ونتائج السياسة المدمرة التي إتبعها ترامب وإدارته بحق :
• الشعب الأمريكي وتقويضه لمبدأ المواطنة .
• المجتمع الدولي وذلك عبر إعادة الإحترام والإعتبار لسمو وسيادة مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها دون إزدواجية أو أي إعتبار آخر .
• التعامل مع قضايا العالم على قاعدة الحق والعدل وسمو قوة الحق ونبذ حق القوة وعنوانها القضية الفلسطينية فالشعب الفلسطيني الذي بقي وحيدا على الساحة العالمية محروم من التمتع بحقوقه الاساس المكفولة دوليا وعلى رأسها العيش بدولته المستقلة وبممارسة حقه بتقرير المصير ولم يزل الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة يرزخ تحت نير إستعمار إحلالي عنصري إسرائيلي يرى في نفسه كيان فوق القانون الدولي بدعم امريكي اعمى خاصة إبان عهد الرئيس المطرود بإرادة شعبية ترامب .
إذن فإن تداعيات جريمة إقتحام الكونغرس الأميركي دفعت بقيادات جمهورية إلى عزل نفسها عن مآلات تحريض ترامب بالتحريض على تحدي إرادة الشعب الامريكي وما اعقبه من تهديدات بالقتل لمشرعين وبالتمرد المسلح من أنصار ترامب إلا رسالة للعالم عامة وللدول دائمة العضوية بمجلس الأمن خاصة بضرورة الإضطلاع بواجباتها بالعمل على ضمان وكفالة ترسيخ قيم المساواة والعدالة وحقوق الإنسان وإعمال كافة العهود والمواثيق والإتفاقيات الدولية باولوياتها العهدين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية و الإتفاقية الدولية الخاصة بمكافحة كافة اشكال التمييز العنصري. ….
الشعوب الحرة بإنتظار مدى موائمة سياسة بايدن القادمة لبرنامجه الإنتخابي ولمبادئ الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. .. فالعالم سئم من الشعارات ولن يثق إلا بترجمتها واقعا ملموسا … وهذا ما يمكن أن يحسن صورة أمريكا عالميا. ..
فلسطين والانتصار لحقوق شعبها ستبقى العنوان والتحدي …؟
فهل امريكا بعد ترامب …. ستكون كما كانت قبله. .. ؟ !