الفيروس البيولوجي والفيروس الإلكتروني كلاهما صامت وغير مرئي وباهظ الكلفة للحدّ من أضراره.
لم يسبق للأسرة الدولية أن حدّدت ضوابط للتجسّس، لكنها ستُضطر إلى ذلك حين توغل الحرب الافتراضية في سفك الدماء.
لا علاقة بين كورونا-19 والحرب السيبرانية إلا عند أصحاب نظرية المؤامرة الذين يعتقدون أن كورونا مصنّع وهو ما دحضته المختبرات العلمية.
فيروس كورونا يستهدف خلايا البشر وقتل 1.8 مليون إنسان لكن كمّ المعلومات التي دمّرها الفيروس الإلكتروني أو استولى عليها قد يسبب فوضى وضحايا.
* * *
لم تكن سنة وباء «كوفيد-19» فحسب بل تترافق نهايتها مع انكشاف إحدى أوسع وقائع «الحرب السيبرانية». فالمعلومات المتوفّرة عن الاختراقات الإلكترونية لوزارات ووكالات حكومية أميركية تعيد الهجمات إلى شهر مارس الماضي، أي بالتزامن مع تعميم الإغلاق العام عالمياً بسبب تفشي الوباء.
لا علاقة بين الحدثَين إلا عند أصحاب «نظرية المؤامرة» الذين يعتقدون أن فيروس «كورونا» مصنّع، وهو ما دحضته المختبرات العلمية بصرامة.
لكن ما يتشاركه الفيروس البيولوجي مع الفيروس الإلكتروني أن كليهما صامت وغير مرئي وباهظ الكلفة للحدّ من أضراره، أما الفارق بينهما فهو أن الأول يستهدف الخلايا البشرية وقد قتل حتى الآن ما يقرب من 1.8 مليون إنسان، وأن قتلى الآخر محدودين حتى الآن لكن كمّ المعلومات التي دمّرها أو استولى عليها الطرف المهاجم قد يؤدّي إلى فوضى ويوقِع ضحايا.
استند وزيرا الخارجية والعدل الأميركيان إلى معلومات استخبارية ليعلنا أن روسيا هي مصدر الهجمات. ونفت موسكو، فيما ناقض الرئيس الأميركي وزيريه ملمحاً إلى مسؤولية محتملة «للصين».
وفي ذلك شيء من التكرار لسيناريو أواخر 2016 حين كُشف التدخل الإلكتروني في انتخابات الرئاسة الأميركية «من دون أن يؤثّر في نتائجها»، وسارع الرئيس المنتخب آنذاك دونالد ترامب إلى التقليل من أهمية هذه القضية التي شغلت ثلاثةً من الأعوام الأربعة لولايته الرئاسية.
لم يتعاون الرئيس بشفافية كاملة مع التحقيق، ويستعد الآن لمغادرة البيت الأبيض تاركاً ملفاً مفعماً بالشكوك. ورغم أن تدخلاً مماثلاً لم يسجّل في الانتخابات الأخيرة، إلا أن حجم الهجمات السيبرانية الجديدة وطبيعتها يهيمنان على نهاية ولاية ترامب وبداية ولاية خلفه جو بايدن الذي تعهّد بـ«ردّ متكافئ».
لم تعد الحرب السيبرانية نمطاً جديداً، بل أصبح لها تاريخ، وهي ماضية في تثبيت مكانتها في الأجيال الأحدث من الحروب. هذه السنة سجّلت خلال شهور الصيف عشرات المحاولات لاختراق حسابات مختبرات ومستشفيات ومؤسسات خدمات طبية تعمل على لقاحات ضد فيروس «كوفيد-19»، وحُدّدت روسيا والصين وإيران كمصادر لها.
ولم تعلن هذه الدول أو سواها عن تعرضها لهجمات للغرض نفسه، لكن الصين وإيران أشارتا باقتضاب إلى هجمات أميركية لأهداف تجسسية. والمؤكّد أن ما يُعلن يبقى أقل بكثير مما يُكتم. سبق لموقع «ويكيليكس» أن كشف جوانب مهمة من الأنشطة الأميركية في هذا المجال، لكن عدم تطرّقه للدول الأخرى ظلّ موضع اشتباه.
عندما يطاول الاختراق وزارات الدفاع والأمن الداخلي والخارجية والخزانة والطاقة وإدارة الأمن النووي ومؤسسات في القطاعين العام والخاص، فإنه يشير إلى أن الحصول على المعلومات بالتجسس الميداني يتراجع لمصلحة نشاط إلكتروني لا يسعى فقط إلى نتائج «افتراضية»، كما ينذر بأن الحرب السيبرانية تتمدّد من الأهداف العسكرية لتقترب مخاطرها أكثر فأكثر إلى حياة المدنيين.
وبالعودة إلى المقارنة مع الغزو الفيروسي المتفلّت، فإن هذا النمط من الحرب لا يخضع بتهديداته لأي ضوابط دولية، بل يكاد يكون غير معترفٍ بوجوده، طالما أن وسائله غير موثّقة بعد في إطار الأسلحة الحربية، لا في القانون الإنساني الدولي أو أي قانون آخر.
لم يسبق للأسرة الدولية أن حدّدت ضوابط للتجسّس، لكنها ستُضطر إلى ذلك حين توغل الحرب الافتراضية في سفك الدماء.