يا بشر ….عليك بهم ومعك روح القدس !!

عروبة الاخباري- كتب سلطان الحطاب

حين أراد الرسول (ص) أن يرد على من هاجموه وعابوا رسالته ظلماً جاء بالشاعر حسان بن ثابت وقال له اذهب:” الى ابي بكر وعمر وخذ الأنساب (المعلومات) وأهجهم ومعك روح القدس”. فمن في منزله حسان الآن؟ ومن في تبعية بكر وعمر الأن ممن يتحلون باخلاقهم؟ على مثل هؤلاء أن يردوا بسرعة كل فتنة ودعوة ظالمة فبلدنا يستحق ذلك..
اعتقد ولا اجازف إن قدمت رأيا لأن الواجب أن لا اكتم رأيا وطنيا قد يفيد في تبديد عتمة المساحات التي اطفأت الحكومات السابقة أنوارها يوم راهنا عليها وفقدنا الرهان!!
مع الرئيس الدكتور بشر الخصاونة فريق وزاري شاب في معظمه ومتحمس يريد العمل والوقوف في المساحات الأكثر وطنية.. أقول معظمه لأنني اعرف هذا المعظم والأماكن التي جاءوا منها او خدموا فيها او تركوا بصمات، يبقى أن يُسبِك من هذا كله سبيكة متراصة، ولما كانوا لم يتقولبوا في حزب و لم ينحاوزوا الى فئة ولم يتحرفوا الى مصالح فإن  المدرج مفتوح لكي تبدأ عملية الاقلاع المزودة بكتاب تكليف وإرادة وعزم وقدرة على اعراب الجملة الملكية، فالرئيس الذي خدم الى جانب الملك وخبر تفكيره وأدرك طبيعة رؤيته ونظرته قادر لهذا “الكود” أن يزود وزراءه ببوصلة العمل الجماعي، لكي يتوجهوا الى نفس الهدف، وهو جعل الاردن اكثر قدرة على توظيف طاقاته الى اقصى الدرجات..
الدنيا الاردنية ليست “قمرة وربيع” والصعوبات والتحديات الكبيرة يحتار امامها ذوي الألباب، ولذا فإن  الحمل ثقيل ما لم يتوزع على اكتاف الوزراء والسلطات الاخرى و كل اجهزة الدولة، فاننا جميعا سننوء بالحمل ولن نقوى على أن نقطع اي مسافة بعيدا عن الغرق..
كنت ادقق في تعبيرات وجه الرئيس بعد أن أستأنس بالجلسة ورفع الكمامة قليلا، فالمسافة بيننا ضمن حدها الادنى، وبدأ متنهدا لكنه مضى يضع كثيرا من الافكار والنقاط على الحروف، ورأيته وكأنه يقرأ برنامجا جاهزا ويستعمل لغة لا جمل معترضة او ممنوعة من الصرف فيها. ابتداء من الاعلام الذي لم يعد الاعلام الذي ظل يفسر التجربة الاردنية بمحبة ويبشر بها ويرود الكثير من محطاتها ويتناول بموضوعية القرارات متمتعا بالهوامش المناسبة، وذلك الاعلام كان محصناً من أن يأخذ الوجبات الاعلامية المغلفة والمدسوسة و يروجها كما لو كانت حقائق..
كنت اعبر من استغرابي واندهاشي من كم الكذب المصدر لنا من الخارج على يد بعض الشباب الاردنيين الذين اغراهم أن يصبحوا نجوما في السوشال ميديا،فاستهانوا بجلد وطنهم حين وجدوا أنهم لا يستطيعون أن يستمروا في الظهور إلّا بمزيد من الكلام الحامل للاشاعات..
اراحني أن الرئيس كان يتحدث في نفس الملاحظات التي كنت ابديها عن التعليم والصحة وفرص العمل والبطالة والمناخ العام.. بل كان يتوقف عند بعضها بنقد اعمق مما اقدم، وهذا اغراني للدخول في حوار احتسبت فيه وقت الرئيس الذي لم اكن قد اتفقت معه على وقت فخشيت أن اشكل وقتاً معترضا في برنامجه، رغم أن ايماءات الرئيس لي كانت مريحة في أن كلامي لم يزعجه..
كلام الرئيس كأن من كلامنا ورأيه مثل رأي أكثرنا في الشارع.. لكن ما العمل؟ وكيف يمكن كسر الحلقات… فالرئيس لا يعجبه صيغ كثيرة كالتعليم عن بعد، وله عليه ملاحظات اكثر جدية مما ابديت، وله ملاحظات على حالة الجائحة وانتشارها ومخاطرها، ويرى في قبول التحديات في مواجهتها شيئا جديدا مهما بما تم انجازه من مستشفيات ميدانية وبنية تحتية ومن إجراءات وإن بدت قاسية في استمرار الحظر ولو بالشكل القائم، فهو يرى (أن الضرورات تبيح المحظورات) وأن استمرار إغلاق المدارس مبررا، وأن كان صعبا يشبه تناول الدواء المُرّ، لكن صحة المريض هي الاهم وسلامة أطفالنا وأبنائنا أهم من الذهاب المبكر إلى المدرسة في زمن استفحال الكورونا.. وهو يرى أنه لو ذهب الطلاب الى المدارس لكنا سجلنا ليس اقل من 25 الى 30 الف إصابة يوميا، لكننا اليوم بحظرهم وحشرهم وتقديم ما تيسر من تعليم ينقده اكثر مما أنقده جعل منحنى الاصابات يهبط وما زال يهبط، وهو يرى أن الخطورة من الصغار الذاهبين الى المدارس يكمن في أنهم يتحولوا الى ادوات نقل المرض لأكثر الناس حبا لهم وهم آبائهم وأمهاتهم وأجدادهم وجداتهم الذين يسارعون الى احتضانهم ساعة عودتهم، فهؤلاء لا حماية لهم إلا ببقاء أحفادهم بعيدين عن نقل الكورونا لهم..
عرض الرئيس في الوقت القصير الذي لم يكن مخصصا لمقابلة صحفية بل مقابلة عابرة لقضايا كثيرة توقف عند عناوينها في علاقاتنا العربية مكتفيا بالتنويه، واننا علينا أن نتعلم الاعتماد على انفسنا، وان نكون وحدنا وغير ذلك إضافة محمودة إن تحققت..
رأيته مهموما بإعادة تفتيش كل الاتفاقيات المهمة التي وقعها الاردن في اطار نشاطه الاقتصادي، فقد اشار الى عدم صلاحية بعضها من حيث أنها لم تراع المصلحة الوطنية، وانطوت على التزامات صعبة حين لم تجد الاطراف التي فاوضت طرفا اردنيا يحرص بما يكفي قبل الدخول الى الإلتزام ،وقد تبدا ذلك في اتفاقيات تجارية عدة بعضها اعطى الطرف الاخر اكثر مما يستحق، وبعضها الاخر اغفل البعد التنموي وتسهيل التصدير، وبعضها لم يراع ضرورة الحماية للإنتاج المحلي ولو بقدر، وبعضها لم يراع التطورات الاقتصادية وامكانية توفر البديل وبعضها عكس اوضاعا مسترخية وسلوك دولة غنية، وبعضها جرى توقيعه على عجل، وجرى “سلقه” والاخر جرى البطء والتأجيل فيه لأمر في نفس (…) ليترتب على ذلك التزامات إضافية وديون وخسائر وعدم قدرة على الانسحاب او الانصياع خوفا من العقوبة او الإدانة الدولية..
يبدو أن الرئيس -وهذا استنتاج وليس معلومة جرى الافصاح عنها- أنه ميال لتفتيش الكثير من هذه الاتفاقيات والكتابة على اغلفتها عن حالتها وجواز استمرارها او استهلاكها او التوقف عندما مخاطرها..
يدرك الرئيس الخصاونة أن الإلتزام من جانب الدولة هو جزء من هويتها وسيادتها ،وأن الأردن منذ أن نشأ يمارس أعلى درجات الالتزام والوفاء بما يوقع، ولكن اليوم وللضرورات فأن المريض أن رأى الطبيب أن يتوقف عن دواء موصوف له فلا بد أن يتوقف، ولا بد للطبيب أن يأمر بذلك .. فالصحة اهم من الكلفة والمصلحة الوطنية اعلى شأنا.. وهذا ما جرى في اتفاقيات العطارات وما سيجري في غيرها إن كانت حملت من الأعراض ما حملت العطارات، فالاردن ليس ضعيفا وليس بلا إرادة ولا يعدم شخصيات حقوقية وقانونية متخصصة، ولدينا الكثير من هؤلاء وحتى في النقابات التي هي بيوت خبرة، فأين كأن الجميع حين كانت التواقيع تتسارع على اتفاقيات فيها غبن..
المؤسف -وهذا الكلام من عندي وليس للرئيس فيه مساهمة- أننا في مشوار الاستثمار منذ عشرين سنة اخفقنا ليس في قدرتنا على جلب المشاريع أو إقناع المستثمرين أو ضعف علاقات الاردن العربية أو الدولية، ولكن في ضرب هذه الاتفاقيات وعطبها بدخول اصحاب نوايا غير صافية عليها او تطويعها لمصالح ضيقة او حتى تأجيلها او الإسراع بها…
فاتفاقية الكازينو توقفت ليس بسبب الحلال والحرام، ولكن بسبب الفساد في الصفقة على حساب المصلحة العامة و هناك اتفاقيات اخرى يعلمها الرئيس جيدا وما زالت اثارها ماثلة، وبعضها في شركات لا اريد أن اتوقف عند بيعها أو شرائها لأنني لا ارغب الرجم بالغيب او حتى اسلوب التحريض، ولكن جاء الأن الى المسؤولية على رأس الوزارة من يحتسب ومن يدرك ومن يعرف خطل الاتفاقيات وغبنها او الغش فيها .. ولا تنقصه الشجاعة لإعادة فتحها حتى لو كانت عش الدبابير او مقبرة من مقابر الجن، فالاتفاقيات الملغومة أن لم يجر تفكيكها بخبرة من يعلمون في تفكيك الالغام من سلاح الهندسة فإنها لا تلبث أن تنفجر في وجه اقتصادنا وخبزنا ..وما بنك البتراء عن هذا ببعيد…
اما جمل الفساد التي لم تقرأ حتى اخرها وجرى قراءة مبتدأها دون خبرها، فإن  لدى الرئيس الخصاونة الآن العزيمة والارادة أن يقرأ الكثير منها ولآخر سطر قبل أن يضع النقطة ويقفل الفصل..
من حق مواطنينا أن يغضبوا وأن يشكوا وأن يفقدوا ثقتهم، فالقفلات التي وضعت في نهاية أكثر القضايا التي شابها الفساد ولم يأتي اخراجها منطقيا، ولا نعلم كيف طويت، كما لا نعلم أن كان الخطأ في المعالجات لهذه القضايا أم في الإعلام عنها!!
إعادة الثقة بالحكومات يحتاج الى اسلوب جديد، يحتاج الى تشريعات وقوانين و شفافية ومصداقية وليس الى حملة اعلامية وتسويقية..
الدكتور بشر الخصاونة يدرك ذلك تماما لكنه لا يستعجل التصريحات حتى لا تغير مجموعات (الحرباء) جلودها قبل أن يصل من يمسكها ملتبسة بلونها الخاص..
كان الله في عونك يا دكتور بشر وقد تكون هذه فرصتنا الأخيرة للتغيير والإصلاح الموضوعي والهادئ فالبدائل مزعجة ومكلفة…

Related posts

الانتخابات الأمريكيه لماذا كل هذا الاهتمام؟* بقلم الفريق الركن حسين الحواتمه

المومني: لن يعم السلام حتى لو وقعت إسرائيل اتفاقيات سلام مع 56 دولة إسلامية وعربية ما لم يتم إقامة دولة فلسطينية

الأردن يقدم الرعاية لـ 57 جنسية من اللاجئين بنسبة 31% من السكان