عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
هو صائغ بمعنى الكلمة، لا في عمله الذي يتقنه ويتميز به وهو يقود من يصوغون الذهب والمجوهرات الأخرى ، بل فيما كتب ووضع من “شواخص على دروب الحياة”..
“أسامة مسيح” قدم كتاباً من جنس عمله، وبدل أن يصوغ الذهب والألماس وغيرها من نوادر المعادن وأثمنها، صاغ كلمات بقلمه لتكون عقوداً وحُليّ علقها على صفحات كتابه، وبعض ما صاغه أخذ خاماته من كبار الكتاب والمفكرين والفلاسفة والساسة والانبياء والعلماء والكتب المقدسة والشعراء والمبدعين وحتى العاديين من الناس ممن أعطوا الحكمة (ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) ليضع كل ذلك في خواطره القصيرة، لتصبح أشد جذباً ولمعاناً كما لو أنه يعلق على صدرها الجواهر..
للذين لا يعرفون “أسامة” فإنه يعيش مع المعادن الثمينة، يصقلها وتصقله ويبيعها للناس الذين يقومون على اقتنائها، وحين أراد الخروج من المهنة للإبداع، اكتشف أن الكلمة يمكن أن تكون أغلى من الجوهرة مهما كان أصلها، فعمد إلى بناء “فاترينا” وضع فيها كلماته لتكون على شكل كتاب.. “شةاخص على دروب الحياة”.
قرأت كتاب “أسامة كرم امسيح” الذي أهداه لي، وقد تأخرت في وضع انطباعي عنه لأني فقدت الكتاب الذي كان انتشله احد اصدقائي قبل أن اقرأه ولم يرده لي إلا بعد اكثر من سنة، فقد جاءني به معتذرا انه اطال زمن الاستعارة له، لم اكن منتبها الى ذلك وقال لي: “أوصيك بقراءته ولولا انني اعرف شغفك بالكتب لما اعدته لك”… قلت: إلى هذا الحد يا سمير؟ قال: نعم.!!
قرأت وقلت في نفسي ما قدمه صديقنا “أسامة مسيح” هو بهارات للحياة لا يصلح مذاقها إلا بمعرفة ما جاء في هذه الحكم التي حشدها والخواطر التي قدمها.. اذ أن مضمونها يفتح الشهية لمعرفة الواقع بل ويجعله أكثر جمالا وتسويغا.
الواقع الذي نعيشه عابس وهو أشبه بوجه النائم حين يقوم من نومه، وهو بحاجة الى إضافة تجميله، ولعل الفن على مختلف اشكاله، كتابة كان أم رسما أم موسيقى أم نحتا أم غناء أو اي شيء ينتمي للفن.. انما هو اضافة لجعل الحياة أجمل واكثر قبولا وتسويغا، فالفن هو ما يجعل الحياة جميلة، والفنان هو من يعيد صياغة الحياة بفنه ، فماذا اراد “أسامة” بكتابه هذا ان يعيد وهو يسير على دروب الحياة؟.. وهل اراد ان ينقل مهنة الصاغة والصياغة الى اللغة ليشكل منها رؤيته للحياة فتكون اجمل وتكون شواخصه التي وضعها على دروبها اكثر تبصيرا وهداية وعونا؟..
ظل “اسامة” يسوق كلماته في اطار الحياة وبفلسفة روحية مشوبة بالواقع الذي ظل يقترب منه ليأخذه للامام لمزيد من الحياة، حتى يميز نفسه عن اولئك الذين يذهبون الى الواقع ليقيموا فيه او يعودوا به الى الخلف.
اطار كتابة اسامة هو الفرد اصلا، ومنه تتشكل الجماعة والجماعة هي مجموعة افراد ويرى انه بصلاح كل واحد منهم هو صلاح الجماعة، فالصائغ يتعامل مع المكونات الصغيرة لينظم منها العقد، ولذا فان اللوحة الجميلة هي جسم من مكونات جرى ابداعها في صيغة عامة..
انه يتتبع النبض البشري الذي يواكب الحياة ليسبغ عليه نكهة انسانية ذات لون ورائحة جميلة… لقد طوف بنا أسامة في دنياه ولم يمل وهو يضع على دروبها (198)شاخصة على مدى اكثر من مائتي صفحة، وضعها لتكون دليلا وارشادا لمن يبحثون على إرواء النفس البشرية بما يجعلها اكثر فهما لنفسها واكثر عطاء بل واكثر تبريرا لوجودها .. كتاب أسامة يستحق القراءة، والتأخير عن الكتابة عنه يستحق الاعتذار، ولعل شاهد “المسبحة ” كما يسمى وهي القطع الكبيرة التي تربط طرفي الخيط الحامل للحبات المنتظمه فيه، هي كلمة أسامة التي بدأها بكتابه، ففيها العبرة والدليل ومخزون التجربة يخطها على شكل ” وصفة ” يعلقها على صدر كتابه لتكون مفتاح القارئ للعبور الى الصفحات والاستمتاع بها ولذا سأعاود نشرها..
“تختزن الذاكرة كما هائلا من العبر والمواقف والمشاهدات والاحداث الايجابية منها والسلبية، لكن
العبرة تكمن في تبني المفيد منها وتحويل المضر منها الى نافع
تعلمت الصمت من الثرثار والاجتهاد من الكسلان، قول حكيم يسديه لنا الفيلسوف جبران خليل
جبران نصيحة مجانية تعفينا من العثرات والكبوات والتي هي من نصيب من يسقطها من حساباته.
تعلمت من نعومة أظافري ان أصغي وكيف اصغي وان أشاهد واحلل واستنبط العبر والدروس بروح نافذة وفكر منفتح كما اغتنمت فرصة عملي ومرافقتي لوالدي والاشخاص المحيطين به لكي ابني خبرتي في الحياة.
هذا ما علمتني اياه الحياة فتجارب الآخرين وخبراتهم منجم نستخرج منه المعادن الثمينة. فالذهب على سبيل المثال لا الحصر لا نجده مكدسة أمامنا لنلتقطه ونفتحه وكأنه هدية سقطت علينا من السماء بل على العكس، الحصول عليه يتطلب بحث وانتظار وصبر وعناء قبل استخراجه من التبر وبعد تكريره وتصفيته ثم صهره وسكبه ليصبح سبائك ذهبية.
فالحياة منجم فيها الغث والسمين فيها المفيد والضار وما علينا إلا الاختيار بعد التفكير والتمحيص والاسترشاد. كان لوالدي وخالي الأثر الأكبر في حياتي حيث كانا لي المرجع والسند والنبراس والالهام في مختلف مراحل حياتي، علماني الكثير من خلال اقوالهما ونصائحهما وتجاربهما الشخصية وتجارب الآخرين التي كانا ينقلانها لنا لتساعدنا على شق طريقنا واختبار وجهتنا لبلوغ الغاية المنشودة والاهداف المتوخاة والطموحات المبتغاة.
ان مضمون كتابي عبارة عن خلاصة ستة كتب سبق وان الفتها ونشرتها بهدف نقل هذا الارث
الفني وهذه التجارب الثمينة التي تلقيتها بالاضافة الى تجارب شخصية عشتها و مشاهدات ومواقف استحوذت على اهتمامي خلال مراحل طفولتي ومراهقتي وشبابي وحياتي العملية والعائلية والزوجية والاجتماعية، لأناس اعرفهم او لم اتشرف بمعرفتهم.
لقد حرصت بكل تفان آن اقدم كل ما لدي من معلومات ومعرفة متواضعة ونصائح وإرشادات
واقوال واقتباسات وحكايات وانطباعات وتجارب سمعتها او خضتها، علها تصلح أن تكون للقارئ العزيز زاده اليومي، او ومضة في شدة يتعرض لها، او بصيص امل في لحظات يأس او قنوط او احباط، أو دليلا في متاهات وتعاريج الحياة.
هذه باختصار «شواخص على دروب الحياة التي ترشد الى الاتجاه الصحيح ولكن لنرى هذه
الشواخص، علينا الانتباه والتركيز وعدم التشتت”.