معين بسيسو.. المناضل والإنسان وأول من جسد أدب السجون

عروبة الاخباري – كتبت سمية أبو عطايا   

معين بسيسو..

المناضل والإنسان وأول من جسد أدب السجون

من المفروض أن لا يكون معين بالنسبة لي هذا العنوان الصغير أو مجرد مقال عادي أنشره في مجلة أو صحيفة وقد كان مرشحا بأن يكون شخصية أطروحة الماجستير .
لكن الظروف غالبا ما تقف حائلة دون تحقيق أهدافنا . أو ربما نعلق عجزنا وضعف أرادتنا على مشجب الظروف
عندما فرغت من دراسة مواد فرع الأدبيات للسنة التمهيدية للماجستير اقترح علي أستاذي وهو سوري الجنسية والذي حاولت جاهدة أن استذكر أسمة لكني فشلت ‘ربما لأني وصلت إلى سن ممكن أن تتأثر فيه ذاكرتي أو ربما الأشخاص الذين لا يتركون أثرا سواء سلبيا أو ايجابيا في حياتنا يسقطون من ذاكرتنا رغما عنا بدليل أني ما زلت أذكر جيدا جميع أساتذتي الذين تتلمذت على أيديهم ومع ذلك كان هذا الأستاذ معجبا جداً بالدكتور إحسان عباس وكان يعتبره شيخ النقاد والمحققين على مستوى الوطن العربي متجاهلا جنسيته وخصني دونا عن كل الطلاب وبإلحاح أن يكون معين بسيسو موضوع أطروحتي ‘كان في ذهني وقتها أن أتناول موضوع ( المرأة في الشعر الأندلسي ) لم يتحقق هذا ولا ذاك نتيجة لضعف وجود المراجع في المكتبات الليبية ولجهة الحصار الدولي الذي كانت تعاني منه البلاد وفوق كل ذلك الحصار الثقافي الذي فرضته القيادة على البلاد حين ذاك .
كثير من الأنظمة العربية تحرص على أن تبقي شعوبها تسبح في غياهب الجهل وهي لا تدرك أن الجهل اشد فتكا بها وبكراسيها وما نراه الآن من واقع مزري هو نتيجة لهذه السياسات الخاطئة لهذه الأنظمة.

صفقة القرن أو فكرة توطين الفلسطينيين خارج وطنهم هي فكرة قديمة منذ بداية النكبة وبالتحديد سنة 1953 . كان هناك مشروع مصري أمريكي بالتعاون مع وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) هو توطين لاجئي غزة في غرب سيناء
تصدى الحزب الشيوعي الفلسطيني في تلك الفترة لهذا المشروع بقيادة أمينة العام معين بسيسو وبذل جهدا كبيرا هو وحزبه لإسقاط هذا المشروع .
في سنة 1955 اشتعلت انتفاضة غزة وكانت أكبر مظاهرة عرفها قطاع غزة بقيادة معين بسيسو وكانت مطالب المتظاهرين تتلخص بالأتي :-

1- إلغاء التوطين في سيناء فورا
2- تدريب وتسليح المخيمات للتصدي للهجمات الإسرائيلية المتتالية
3- فرض التجنيد الإجباري وتشكيل جيش وطني فلسطيني
4- محاسبة المسئولين عن إطلاق الرصاص على المتظاهرين حيث سقط ما يقارب من عشرين شهيداً بأوامر من الحاكم العسكري المصري .

ظلت المظاهرات مشتعلة حتى قام الرئيس عبد الناصر بزيارة القطاع سرا ً ووعد بالتراجع عن مشروع توطين اللاجئين في سيناء بعدها اعتقل معين بسيسو ومن معه من قادة المظاهرات في سجن الواحات.
( معين بسيسو ) أول من جسد أدب السجون ، كان هاجس النهاية قد طرق قلبه حين جمع دواوينه التي كانت موزعة منذ أن ظل يوالي إصدارها في مطلع الخمسينات معولا في الغالب على جهوده الشخصية ، هل كان هذا الهاجس قد طاف في باله وسيطر على تفكيره حين جمع أسرته المشتتة لتستقر في مكان واحد ؟ وهي ما عرفت الاستقرار يوما منذ كارثة 1948 ومن ثم سقوط غزة مسقط رأسه . لقد كان معين بحكم انغماسه في معركة الثورة العربية واكتوائه بلهيبها شديد الإحساس باحتمال النهاية غير أن هذا الإحساس لم يسبغ على شاعرية معين تلك المسحة التشاؤمية التي كثيرا ما يقع ضحيتها أولئك الذين يخشون قرب النهاية بل العكس معين شاعر متفائل شديد الأيمان بالمستقبل دائم الرهان على جوداه الجسور استغرقت كتاباته في عداد الزمن ثلاثين عاما قالها في ظروف مختلفة وانتهت بالاستقرار النسبي في بيروت .
وهذا لا ينفي كونه عاش قبلها ظروفا صعبة ذاق خلالها مرارة السجن والإكراه على الصمت والعيش في المنافي والواحات ( سجن الواحات الموجود في مصر ) كان النص الشعري ترجمانا صادقا لموقفه السياسي وعلى الرغم من هذه التجربة المريرة في السجون المصرية إلا إن معين تجاوز ذاته وارتفع إلى مستوى القضية الكبيرة وفي معالجاته بدأ تفهما كثيرا على التراث الشعري التقليدي على نحو ما نرى في معالجاته لحقيقة الشعر والشعراء مستحضرا صورة أبي الطيب المتنبي الذي كان شعره صورة لمحنة العصر ولمحنة العنصر المثقف على وجه التحديد

كل من لطخ بالحبر الأظافر
كل من لم يعرف الخيل ولا الليل
وبيداء المخاطر
والقوافي وهي كالبيض البواتر
جاءنا يركب صهوات القصائد

هذه القصيدة قالها معين متأثرا بقصيدة المتنبي في هجاء كافور الإخشيدي
استدعى محنة المتنبي الذي حاول أن يجسد مطامحه ومثله الكبيرة في شعره وما كان من خصومه إلا أخذوا يتبارون بالوشاية به وتحميل كلماته ما لا تحتمل . وهذه كانت مشكلة الشاعر المجدد في فترة معين ، لقد كتب معين قصيدة

الأرض ضاعت
لم يعد لنا في وتد لجام
والسيف ضاع لم تعد لنا طاحونة
ولا برج من الحمام
لم يبق غير الطبل أوصيكم
بطبل أولا
وثانيا بالطبل
وثالث بالطبل

وهذه القصيدة تعتبر من أجمل ما عرضة الشعر الحديث لأنها من القصائد التي جسدت حقيقة الواقع العربي .
تجربة معين بسيسو من التجارب المهمة في رحلة الشعر العربي ، وعلى الرغم من هذه التجربة الغنية فلم يكرم في حياته أو مماته بذكر أسمة على شارع أو مركز ثقافي أو حتى مكتبة ، وكأنه قدر أبناء غزة أن يظلموا في حياتهم ومماتهم مع أن معين من القامات العالية بالنضال والشعر .

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

الانتخابات الأميركية… نهاية للحرب على غزة أم استمرار لها؟