الأحزاب السياسية كانت من أكبر الخاسرين في الانتخابات النيابية، والعدد الأكبر منها سجل خسارة مذلة، خاصة الأحزاب اليسارية والقومية.
حزب جبهة العمل الاسلامي حافظ على تمثيله بالبرلمان لكن بعدد يقل عن الحد الأدنى المطلوب لتشكيله كتلة، حتى بعد احتساب الحلفاء الفائزين. وجوه نيابية بارزة للحزب خسرت المعركة الانتخابية في دوائر عمان والزرقاء، في المقابل تمكن الحزب من تقديم قيادات شابة جديدة اخترقت قواعد عشائرية أبرزهم الاعلامي عمر العياصرة عن دائرة جرش، والاعلامي ينال فريحات عن”عمان الخامسة”، وأحمد القطاونة عن محافظة الكرك. وفي دائرة عمان الثالثة التي توصف بالباروميتر السياسي للانتخابات النيابية، خسر الاسلاميون تمثيلهم الحزبي، والمقعد اليتيم لكتلة الاصلاح كان من نصيب حليفهم المستقل النائب صالح العرموطي، وكان الفارق في نجاحه حضوره الشخصي، بينما حدثت المفاجأة بخسارة أبرز وجه نسائي للحزب ديما طهبوب، التي نالت نصف الأصوات تقريبا التي حصلت عليها في الانتخابات السابقة.
في “عمان الثالثة” عموما التيارات السياسية والحزبية خسرت معركتها للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات البرلمانية.”معا” التي مثلت التيار المدني العريض في عمان غابت عن المشهد هذه المرة وخسرت مقعديها في البرلمان، لحساب مرشحي البزنس.
حزب الوسط الاسلامي أعلن فوز ستة من مرشحيه في الانتخابات، لكنه لم يكشف بعد عن أسمائهم، مثلما أعلن حزب التيار الوطني، أعرق أحزاب الوسط عن فوز مرشح وحيد في الانتخابات.
أحزاب اليسار والقوميين التي خاضت الانتخابات بعدة قوائم في دوائر المملكة، خرجت من المولد بلا حمص بالمعنى الفعلي للكلمة، ونال قادتها عددا متواضعا من الأصوات، في نتيجة تعكس عمق الأزمة التي تضرب أقدم أحزاب الأردن السياسية وأكثرها تمسكا بالنهج الأيديولوجي.
يمكن لقيادات هذه الأحزاب أن تعرض ما تشاء من الأسباب لتبرير الخسارة المدوية، لكن ذلك لن يعفيها من المسؤولية. كانت الخسارة متوقعة منذ البداية لمعظم مرشحي الأحزاب، وقد يكون موضوع التمويل الحكومي هو ما دفع بأغلبها لخوض الانتخابات، لكن ذلك البعد على أهميته لايبرر القبول بنتائج مهينة على هذا النحو.
كان ينبغي على هذه الأحزاب أن تظهر قدرا أكبر من احترام الذات والتاريخ، والاستعداد لخوض الانتخابات بشكل مبكر، واعداد برنامج للتواصل الشعبي مع القواعد الانتخابية على نطاق واسع، وتقديم وجوه شابة وتبني مرشحين من غير أعضاء الأحزاب يحظون بفرص أكبر للمنافسة.
والأهم من ذلك تقديم خطاب سياسي أكثر حداثة وعصرية والخروج من القوالب الفكرية الجامدة التي طبعت سياسات أحزاب اليسار والقوميين. لقد تمكن مرشحون شباب في عديد الدوائر الانتخابية من كسر القواعد التقليدية التي تحكم المشاركة على أسس عشائرية، والفوز بمقاعد نيابية بالاعتماد على المشترك في هموم ومشاكل الشباب بدوائرهم.
نفهم أن المناخ العام لايخدم الأحزاب في الانتخابات، وأن ظاهرة شراء الأصوات كان لها القول الفصل في النتائج، غير أن ذلك لايعني انعدام فرص المنافسة والخروج بخسارة مشرفة على أقل تقدير. أما أن يكون نصيب قائمة حزبية عريضة في الدائرة الثالثة للعاصمة أقل من أصوات مرشح واحد مجهول الهوية، فذلك ما لايمكن تبريره مهما كانت الظروف.
في العرف الديمقراطي عندما يخسر حزب الانتخابات تستقيل قيادته في اليوم التالي. كل القيادات الحزبية دون استثناء عليها أن تأخذ بهذا التقليد، وتدعو على الفور لمؤتمرات طارئة لانتخاب فريق قيادي جديد، ومن لا يجد مبررا لاستمرار حزبه من الأساس عليه أن يفكر بإلغاء ترخيصه.
ما توصف بالقيادات التاريخية في الأحزاب عليها أن تغادر مواقعها، وتفسح المجال لجيل جديد من الشباب يفكر بالمستقبل، ويتقن أدوات العصر، ليبدأ مسيرة العمل من جديد.