عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
لماذا إذن حوصرت السلطة بشكل لم يسبق له مثيل، ولماذا أدارت اسرائيل ظهرها للشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة ، ولماذا خططت لضم 30% من الضفة وغور الأردن في المقدمة؟ ولماذا استمر ضم القدس واعتبرتها عاصمتها؟ ولماذا رحبت بإغلاق مكتب منظمة التحرير في وشنطن ؟ ولماذا شرعت قانون القومية واعتبار اسرائيل دولة يهودية وليس دولة لكل مواطنيها، واعتبرت الفلسطينيين فوق أرض وطنهم في حدود عام 1948 مقيمين يمكن طردهم في أي لحظة؟ الم يقل الرئيس عباس في وجه كل ذلك ” لا ” والتزم موقفاً شجاعا شهد به القاصي والداني ، وتعرض لضغوط تنوء منها الجبال لقبول صفقة القرن والتماهي مع خطط نتنياهو، حين مارس الاقليم وحتى النظام العربي ضغوطاً عليه لقبول ذلك، وذهبت انظمة عربية عدة للقفز باتجاه التطبيع، وفتحت على السلطة باب الجحيم وباب الذباب الالكتروني وباب انكار التاريخ وتزييفه ومعاداة الفلسطينيين والنيل منهم وحتى من ارزاقهم و اقاماتهم والعودة الى مطاردتهم، كل ذلك في زمن الادارة الامريكية ادارة ترامب المتحالفة حد التطابق بل والمزايدة مع ادارة نتنياهو..
حين خاف الخائفون ورجف المرجفون صمد ابو مازن ولم يصمت، بل تحدث وعمل وما زال وصفه لترامب قائما وحفظته الاراشيف، ومازال نقده لادارته لا تجرؤ حتى دول عظمى عليه، فقد استبدل ابو مازن عظمة الدولة الكبرى بإرادة شعبه العظيم ،وتحدث باسم شعبه وباسم حقوق شعبه التي يرفض التفريط بها ، والتي اقترب من تحقيقها وهو يحملها في كل المحافل الدولية ويدافع عنها بوعي وشجاعة وصلابة ومراعاة للشراكة الدولية، حتى غدى العالم الحر مقتنع به ومستعد لدعمه وتشجيعه والانفتاح عليه ليبقى ويصمد ويواصل..
من حق القائد الشجاع ابو مازن ان يأخذ القرارات و ان يتحرك في كل الازمنة الصعبة والمريحة حين تكون البوصلة باتجاه حقوق الشعب الفلسطيني و في خدمة القرار الفلسطيني الذي حاولت اطراف عديدة “بتسوى وما بتسوى” ان تنتزعه، وراحوا يضربون الطبول و يستقون بالادارة الامريكية الخائبة والادارة الاسرائيلية المتهم زعيمها نتنياهو بالفساد، حتى اذا من انقشعت الانتخابات الامريكية عن سقوط التحالفات الشيطانية وادواتها في المنطقة كان على ابو مازن الذي صمد في ربع الساعة الاخير ان يتنفس الصعداء وقد واصل حراثة الارض الفلسطينيه، وسعى لدى دول العالم لبقاء قضيته حيّة وظل يقارع بكل صلابة كل قوى الاصطفاف التي وقفت خلف ترامب..
عمل ابو مازن بالمقابل بجسارة فدعى الى وحدة الفصائل والقوى الوطنية لمواجهة الخطر الداهم المتمثل في صفقة القرن،وفي الغاء حقوق الشعب الفلسطيني وخاصة حق العودة وتصفية القضية برمتها.. يومها تقدم الرئيس ودعي كل الفصائل من اقصاها الى اقصاها بما في ذلك الجهاد الاسلامي وجاب ممثلوه عواصم العالم واختاروا الدوحة واسطنبول كما اختاروا مصر ودمشق، فالفلسطيني لا يأخذ بسياسة المحاور المفتعلة طالما كانت بوصلته متجهة الى القدس، مما يفرض على الاخرين اللحاق به والخروج من الشرنقات واساليب الاتهامية الرخيصة..
يؤمن الرئيس ابو مازن بوحدة شعبه و ترابه الوطني فقد عمل من اجل ذلك منذ الانقسام الكريه والمدمر، وحين رأى بوادر أمل جديدة في تحريك قضيته امام العالم، خاصة وان اسرائيل ارادته “حرداناً” ومعزولاً ومنزوياً ورافضاً بادر فورا الى دعوة الادارة الامريكية الجديدة ان تعود اليه في نفس المربع الذي غادرته ادارة ترامب لتعلن الحصار عليه وتقوم بكل ما قامت به من اعمال معادية..
ارادت اسرائيل في زمن ترامب ان تجند ادارته بكل مقدراتها ضد قضية الشعب الفلسطيني الذي يبحث في هذه المرحلة عن الانصاف وليس العدالة، فهل يترك لها الفلسطينيون ان تجند ضدهم ادارة جوبايدن ايضا ام على الرئيس عباس ان يواجه كل العقبات والقيود والتواطؤ، وان يتحدث مع الادارة الامريكية الجديدة التي اعلنت مبدئيا مواق تبطل الاحكام الظالمة والاجراءات الفاشية التي اتخذتها إدارة ترامب الساقطة..
الذي غير موقفه أيها المزايدون هي الادارة الامريكية والاسرائيلية وليس ابو مازن الذي التزم بحقوق الشعب الفلسطيني ودافع عنها ومازال يريد قطع المزيد من الاشواط في الطريق الى الدولة المستقلة التي يريد الاخرون بحسن نية و بسوء نية، و بوعي او بدون وعي، بمزايدة او بمناقصة ان يجهضوا مشوارها ليخدموا في ذلك اسرائيل، معتقدين انهم انما يخدمون النضال الفلسطيني وقضيته حين يواصلون رفع نفس الشعارات المستهلكة..
كنت اتمنى على الاصوات المزايدة مجددا والتي عطلت المصالحة الوطنية الفلسطينية ولم تقبلها ان تصبر قليلا قبل النزول عن “أحد” للتعبير عن مصالحها الضيقة و ان تواصل العمل في اجتماعات إعادة لُحمة الوحدة الوطنية التي تنعقد الان في القاهرة بقيادة اللواء جبريل الرجوب الذي نجح بتفويض من الرئيس ابو مازن وقيادته في انجاح جولات رام الله وتركيا وقطر والقاهرة .. وان لا يجري احباطه او التنصل من الالتزامات التي تحققت…
من حق الرئيس ابو مازن وخطه السياسي مواصلة عملهم، فهذا وقت البذار امام تبدل الإدارات الأمريكية وغياب إدارة ترامب القاتلة، فلماذا لا يجري التحرك؟ الم تصدر إدارة اوباما في آخر أيامها موافقتها على قرار مجلس الامن الشهير( 2334 ) الذي قبره ترامب وقفز عنه وارضى اسرائيل واستبدل ذلك بالجحيم الحصار امام اختلال القوى بين اسرائيل والفلسطينيين وحتى بين اسرائيل والعرب والمنطقة حيث تتمتع اسرائيل بدعم منه غير محدود..
لابد للرئيس عباس مواصلة كسبه للعالم وفي نفس الوقت إعادة بناء الوحدة الفلسطينية وصفوفها دون ان يقدم أحد على تعطيل ذلك او اعاقته، فالوحدة الوطنية لا تتعارض ولا يجوز ان تتعارض مع سعي قيادة الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه بكل الوسائل حتى بالمفاوضات، ومن يرى غير ذلك انما يبحث عن ذرائع لمنع ردم الانقسام او لمنع إعادة الوحدة لعموم الفصائل الفلسطينية….
استعجال بعض الفصائل في نقد الرئيس عباس وقيادته لمعاودة اتصاله مع الاطراف المعنية بحقوق الشعب الفلسطيني واعلانه بالعودة الى ما كانت عليه الأوضاع قبل ايار عام 2020 واجبار القيادة الفلسطينية بالتراجع عن اجراءاتها وشروطها المجحفة هو كسب للقيادة الفلسطينية التي لم تتراجع ولم تسلم وانما صمدت وناضلت واقنعت العالم بصواب رؤيتها. الذي تراجع هي الغطرسة الإسرائيلية ومجموعة انصارها في البيت الأبيض مثل كوشنر جيسون جرينبلات والسفير الامريكي في اسرائيل ديفيد فريدمان وعصابتهم…
صمود الفلسطينيين بقيادة الرئيس عباس هو الذي اوقف تداعيات الموقف الأمريكي وما ترتب عليه وليس البيانات النارية والعرمرية والمزايدات الجاهزة برسم الاعلان…
واجب الرئيس عباس ان يتحرك وان يواصل نضاله في المحافل الدولية و هذا التحرك لا يجوز ان يوقف مسيرة المصالحة الفلسطينية او يعيق وصولها الى هدفها.. فالهدف الاسرائيلي وحتى الامريكي كان دائما يشترط عدم قيام المصالحة وإلّا اعتبر الطرف الذي يقوم بالمصالحة ارهابياً..
هذه فرصة قد تكون مناسبة للفلسطينيين ليعلنوا للعالم مجددا انهم مع سلام عادل يضمن حقوقهم عشية تبديل الحرس في البيت الابيض وقدوم زعيم امريكي أقر في حملته الانتخابية ببعض حقوقهم ، وقد يغير بعضا من سياسات إدارة ترامب المدمرة…
الرئيس الفلسطيني الشجاع والصامد معني بمواصلة مهمته الشاقة ورفض اي مزايدات عليه ، فهو لا يريد ان يخسر الموقف الامريكي إن تغير، ولا يريد ان يصادم العالم.. وقد كان شجاعا حين اقتضى الامر البسالة وها هو الوحيد الذي قال لنتنياهو “لا” بملْ الفمِ.. وحذر من خططه العدوانية لا يقف جامدا في مواجهتها بل عمل على اسقاطها، وهو يقول الآن للإدارة الأمريكية “وان عدتم عدنا” ويواصل المسيرة…