من فرح من العرب بفوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأبدى سعادته لخسارة ترامب ذي اللسان السليط، أو العكس سيشعر بخيبة الأمل عندما يكتشف أن «ما أردى من المربوط إلا المفتلت»، فالسياسة الأميركية الخارجية تتخذ قراراتها من قبل مؤسسات مختصة، ووفق استراتيجيات صادرة بلوائح تنفيذية لا يستطيع الرئيس تغييرها إلا بعد العودة لهذه المؤسسات، ومنها وزارة الخارجية، والكونغرس، ومجلس الأمن القومي.
هذا الأمر ينطبق على الترامبيين، وعلى البايدنيين من العرب الذين يعتقدون أن رئيس الولايات المتحدة الأميركية يشبه الرؤساء الذين يتحكّمون في كل شيء، من لحظة ولادة المواطن، وحتى خروج روحه.
في عهد الإدارة الديموقراطية عانت إيران كثيرا بسبب العقوبات الدولية والأميركية الصارمة، والمؤذية لها اقتصاديا وتصنيعيا ما اضطر إيران للرضوخ والقبول باتفاق نووي يضعفها، ويمنع تصنيعها للسلاح النووي ويتيح لها تصدير سلع حرمت من تصديرها كالفستق الإيراني الذي تضمنت مذكرة الاتفاق السماح بتصديره.
انظروا لمقدار الضعف الإيراني حينها. في حين نجحت إيران في عهد ترامب من رفع منع شراء السلاح، الذي طبق بقرار أممي رغم كل تهديدات ترامب، وعباراته النارية، والتي ثبت من خلال التجربة العملية أنه مجرّد فم كبير لا يشبع من الثرثرة، ولا يستطيع مواجهة الخصوم التقليديين لأميركا. في الحالتين بقيت قواعد اللعبة ثابتة فإيران بالنسبة للصناع الحقيقيين للسياسة الأميركية الخارجية ليست بصديق، ولكنها في الوقت نفسه ليست بعدو، وفي ذلك رسالة لمن يعتقد أن فوز ترامب مرة أخرى كان سيعني الحرب على إيران. الديموقراطيون ملوك الصفقات التي تُجرى من تحت الطاولة، ولهذا سنجد دولاً عدة، من ضمنها إيران، ستحاول خطب ود العم «بايدن» إذا ما فاز، عبر تصريحات ظاهرها القوة والحزم، لكنها من الداخل وفي المضمون لينة هينة تبحث فيها هذه الدول عن صفقة ما تماماً، كما فعلت إيران مع إدارة أوباما الديموقراطية، حين تحولت أميركا في شوارع طهران من الشيطان الأكبر إلى صديق عاد بعد خصومة وزعل. الكويت من الدول القليلة في المنطقة التي تفهم جيدا عقلية صانع القرار الأميركي، بفضل خبرة وذكاء ونباهة عميد وزراء الخارجية في العالم المرحوم – بإذن الله – أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد، وبفضل طواقم وزارة الخارجية المتعاقبين على مر السنوات من الخبراء في الدبلوماسية والشؤون الخارجية.
ولهذا لن يجد المراقب السياسي قلقا كويتيا من طبيعة أي رئيس أميركي جديد، فقراراته التي ستتخذ مع الكويت تقوم على ركيزتين مهمتين وهما: المصالح الاقتصادية المشتركة، وعدم لعب أدوار تضر بالأمن القومي الأميركي، وفيما عدا ذلك مجرد تصريحات تصدر من أجل الحفاظ على هيبة النسر الأميركي.
الترامبيون والبايدنيون من العرب عليهم استبدال الحصان بالطائرة النفاثة، فالزمن الذي نعيشه لم يعد يتحمل سياسيين أو كتاباً لا يزالون يعتقدون أن الكابيتول هل (مبنى الكونغرس) مجرّد مضارب «بني أميركان»، وأن البيت الأبيض عرش للحاكم بأمر الدنيا دونالد بن جون آل ترامب أو خليفته جوزيف بن روبينيت آل بايدن. وكمقترح عملي، مطلوب التوحد على مشروع عربي يصدر من كل أو معظم الدول العربية، ويتم فيه رسم استراتيجية موحدة وواضحة لطرق التعامل مع السياسة الأميركية تجاه القضايا والمصالح العربية، وبغير ذلك سنجد أنفسنا جميعا كعرب مجرّد آلة نقود تدفع للأميركان خيراتها وثرواتها.