كورونا ومآلات الوضع الداخلي (الإسرائيلي) /علي بدوان

لم يتم حتى الآن حسم الكثير من التفاصيل المتعلقة بمواجهة جائحة (كوفيد 19) في “إسرائيل” من حيث الإجراءات الفعَّالة المفترض القيام بها واتخاذها لمواجهة تلك الجائحة، والتي يبدو أنها تداخلت مع الأزمات السياسية التي أصابت الائتلاف الحكومي، وباتت جزءا منها، وقد تحوَّلت الحكومة في الوقت نفسه إلى حكومة مشلولة عمليا. فقد تعمَّقت الأزمة داخل “الحكومة الإسرائيلية” بين حزبي الليكود ومجموعة (كاحول ـ لافان)، واتخذت طابعا يكاد يكون شخصيا بين زعيميهما: رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، الجنرال بيني جانتس، على خلفية رفض نتنياهو المصادقة على الميزانية العامة للعامين الحالي والمقبل، وإصراره على فرض الإغلاق الشامل والمشدد بادعاء مكافحة جائحة كورونا، ووسط اتهامات له بفرض الإغلاق للاستفادة من ذلك لمنع المظاهرات التي تطالبه بالاستقالة والخروج من قيادة الحكومة.
اللجنة المصغَّرة الخاصة بالجائحة (كابينيت كورونا) في “إسرائيل” اجتمعت مؤخرا، ولم تستطع أن تحسم الكثير من التفاصيل، خصوصا السيولة المالية منها، والمتعلقة بضرورة توافرها لمواجهة الجائحة، حيث تُعد “إسرائيل” أكثر دولة في العالم مصابة الآن بتلك الجائحة قياسا للمساحة وعدد السكان، وعدد الإصابات اليومية التي تقع بين الناس والتي تقارب نحو 200 حالة على المتوسط بين إصابة قاتلة، وبين إصابة متوسطة وخفيفة.
ويبدو أن الـ”مطمطة” في موضوع مواجهة جائحة كورونا “كوفيد 19″، والتقصير بالإجراءات المطلوبة، تعود لنتنياهو ذاته، الذي سعى لسن قانون خاص بتقييد المظاهرات اليومية والحاشدة، بمشاركة الآلاف في شارع بلفور في القدس بالقرب من المنزل الرسمي العائد له كرئيس للحكومة، والذي يريد تطبيق الإغلاق والحجر الصحي بشكل كامل، وذلك للاستفادة من ذلك بوقف المظاهرات التي تخرج من حين لآخر، وهي تُندد بسياساته، وتطالب بتنحيته واستقلاله، وإحالته للقضاء بسبب التهم الموجهة إليه بالأصل ولزوجته، والمتعلقة بتلقيه الرشاوى والهدايا والصفقات المشبوهة مع آخرين، فضلا عن الشح الذي يترافق مع التعويضات المالية للعاطلين عن العمل، ولكل من أغلقت ورش أعمالهم جراء انتشار جائحة “كوفيد 19″.
إن نتنياهو يريد أن تعمل الحكومة على إقرار قيود الإغلاق المشدَّد والشامل خلافا لمواقف جميع المسؤولين في جهاز الصحة ووزارة المالية، الذين دعوا إلى فرض قيود على المناطق الموبوءة بفيروس كورونا، وخصوصا المناطق التي يسكنها اليهود الحريديون ويؤدون فيها صلوات جماعية كـ(حي بني براك) بالقدس. لكن نتنياهو ليس فقط أنه امتنع عن ذلك، وإنما منح تسهيلات وسمح، بدعم من مدير عام وزارة الصحة (حيزي ليفي) أيضا، بإبقاء الييشيفوت (المعاهد الدينية اليهودية) مفتوحة أمام طلابها، من دون تطبيق تعليمات مكافحة كورونا فيها، وانتشار الفيروس بشكل واسع في نطاقها، وذلك كترضية وكرشوة لتلك المجموعات في مواجهة المظاهرات والمتظاهرين ضده. ومع ذلك، فإن الشريك الأساسي في الائتلاف الحكومي (كاحول ـ لافان) يسعى لتكتيل الوضع السياسي العام في “إسرائيل” لطرح مشروع قانون نزع ثقة عن نتنياهو حتى لو جاء تكتل حزب “يمينا” برئاسة بينيت، المهم ألا يكون بنيامين نتنياهو رئيسا لحكومة “إسرائيل” من وجهة نظر الجنرال بيني جانتس وقائمته (أزرق ـ أبيض).
وبالنتيجة، لقد وضع نتنياهو جائحة كورونا في موقع الاستخدام، لتحقيق التالي: أولا لترتيب انتخابات تشريعية مُعادة للمرة الرابعة، وبالتالي لتشكيل حكومة لنفسه دون أي ائتلاف ظنا منه أنه وحزبه (الليكود) سيحصد نتائج متقدمة في الانتخابات المعادة للمرة الرابعة حال تم السير نحوها، بينما لا تُعطيه مؤشرات استطلاعات الرأي الأخيرة أي نتائج إيجابية، بل بالعكس تعطيه تراجعا في قوة وحضور حزب الليكود في أي انتخابات معادة للمرة الرابعة. وثانيا من أجل وأد وإنهاء الاحتجاجات ضده بواسطة إقرار “حالة طوارئ” والإغلاق. وكما قال الكاتب “الإسرائيلي” في صحيفة معاريف (بن كسبيت) فإن نتنياهو وفي دعوته لوقف المظاهرات المضادة له في القدس قرب منزله، في شارع بلفور فكـأنه يضع الأمور الداخلية “الإسرائيلية” في طنجرة الضغط العملاقة التي قد تنفجر في وجهه، ويُمكن للانفجار أن ينهي حياة نتنياهو السياسية بعد أن طالت كثيرا، وقاد من خلالها الحكومة أكثر من غيره عبر دورات انتخابية مختلفة، فاقت حتى دور مؤسس دولة الاحتلال الإسرائيلي ديفيد بن جوريون.

شاهد أيضاً

رسائل بالأسلحة وردود راشدة* د.منذر الحوارات

عروبة الإخباري – غرق شهر نيسان هذا العام بالترقب والتوجس وتوقع ما هو أسوأ وربما …