الحلالمة .. “فرماكم بي”!!

عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب     

عندما قرأت عبارة “لا يكون الإفراج عن الموقوفين الإداريين من أصحاب السوابق الجرمية الخطيرة وفارضي الخاوات والأتاوات إلا بأمر شخصي مني” التي أطلقها وزير الداخلية الجديد الباشا توفيق الحلالمة، أدركت الجديّة في الحملة التي انطلقت لتنظيف مجتمعنا وغسله من الأدران والأوساخ التي علقت به وتراكمت تراكم الصدأ على الحديد..

آن لهذا “الدمل” أن يستأصل وأن ينظف الصديد عن الجرح الذي كان لا بد من أجراءه بعد أن عجزت عملية التطبيب غير الجراحية عن اشفاء الجسد الوطني..

أثق بالباشا الحلالمة لمعرفتي بسيرته وسمعته وخبرته منذ كان في إدارة الدرك وتأسيسه، وثقة الملك به، وها هو اليوم يأتي بعد فترة تأمل وانضاج لخبراته ليصب ذلك في خدمة وطنه في الأوقات الصعبة التي تستدعي الرجال وتحملهم ما لا يحتمل غيرهم..

واعترف أنني أشفقت أن لا يأتي إلى حقيبة الداخلية من يحملها بجدارة، بعد أن خدم الوزير سلامة حماد وأدى رسالته بقوة ومسؤولية وشرف..

نحن أمام خبرة عسكرية وامنية عميقة ، وأمام رجل حليم(لاحظوا اسمه) الحلالمة جمع الحلماء، وله من هذا الاسم نصيب ، فالقوي لا بد أن يكون حليما ليصب القوة حيث يجب أن تكون بعيدة عن النزق والطيش والكبرياء ..

من عرفوه مثلي يعرفون أن الداخلية الآن لن تتراجع وستؤدي دورها على أكمل وجه، فالرجل يحظى بعلاقات طيبة وله في أوساط من عرفوه من الضباط الذين خدموا معه أو بعده من يقدرون دوره ويشهدون بكفاءته..

لقد خبر الباشا الحلالمة التفاصيل حين أطل على الأمن من جوانب عديدة، وكان واحداً من القامات الميدانية القادرة على العمل في أصعب الظروف ، ولذا فإن المناداة به اليوم للموقع تعني الكثير ، “ففي الليلة الظلماء يفتقد البدر” .

ولذا كان اختياره وصفة مناسبة لهذه السحابة السوداء التي اعترت سماء بلدنا الصافية حين كدرت علينا مجموعات شاذة ارتبط عيشها بمصالح فئات لم تؤمن بالقانون ولم تستظل به، ولطخت صورة الأردن واستهدفت تشويهها..

يأتي توفيق باشا الحلالمة ليستكمل مسيرة بدأها شاباً لم يتجاوز العشرين حين انخرط كتلميذ مرشح في الكلية العسكرية الملكية، وقد جرى اختياره للياقته وفطنته ليكون في صفوف القوات الخاصة الملكية، حتى أصبح قائدا لكتيبة المظليين- القوات الخاصة، ومن هناك كانت معرفة الملك عبدالله الثاني به وقد زامله في السلاح.. إلى أن جاء كقائد للشرطة الخاصة ، والتي كانت نواة لقوات الدرك فيما بعد، وقد تسلم قياد سلاح الدرك ليؤسس له ويبلور صيغته ومفاهيمه ويكسبه ما استطاع به أن يحقق الطموح الملكي..

لقد ترك الحلالمة بصماته على قوات الدرك وها هو يعاود المسؤولية ليختبر ما انجز، من خلال موقعه وزيراً قويا للداخلية، يجمع في خبراته بين المدني والعسكري باعتبار وزارة الداخلية وزارة مدنية ..

يدرك الباشا الحلالمة حجم الخلل الذي تراكم عبر السنوات الماضية، وشكل مراكز قوى عديدة نشأت ضمن تبدلات اجتماعية هجينة وطارئة وبمكونات جاء بعضها قسريا او لظروف موضوعية، ويدرك أن الرد على ذلك وإعادة تصويبه يحتاج إلى قرارات مركزية إلى أن يتوفر النمط المناسب والتقاليد الصحيحة التي يمكن البناء عليها وعند ذلك تتوزع المسؤوليات..

يجب الاعتراف انه حدثت اختراقات بشعة في مجتمعنا وطفت على وجه المجتمع مكونات لزجه وبثور صديدية كان لا بد من علاجها أو استئصالها أو حتى فقئها حماية للجسم الاجتماعي من التسمم أو الشلل سيما وأن هذه العصابات الناشئة ومكوناتها السلوكية الهجينة احتاجت إلى سرعة الرد وشموله وديمومته، حتى لا تعود تنبت بقوة أكثر كما ينبت النجيل بعد قصه ،ولذا اقتضت مكافحة هذه الأمراض الاجتماعية ديمومة العمل والمعالجة لفترات طويلة وبجديّة متناهية، حتى لا ينقلب السحر على الساحر وحتى لا يخرج المجرمون من الشباك و يدخلوا من الباب …

هذا وقت العمل والمكافحة وليس المعاتبة والملاومة والانشغال بالاتهامية، فما كان قبل هذه الحملة الوطنية اذا جاز التعبير يختلف عما بعدها، فمجتمعنا اليوم بحاجة إلى التنظيف والتعقيم ليس من الكورونا التي لم تكن من صناعتنا وإنما هي وباء عالمي، ولكن العبث بالأمن وبمقدرات المواطنين هذا عمل يصنع في الداخل هنا .. ولذا لا بد من اجتثاثه رغم صعوبة ذلك، اذا علمنا أن وراء هؤلاء الزعران شخصيات متنفذة استفادت منهم وربما حملوها الى مواقعها الاجتماعية او الوظيفية او حتى المالية لتصبح رموزا تقول وتشور و ويحترمها غير العارفين او الخائفين وهي لا تستحق سوى الإدانة والطرد …

لقد جرّت هذه العصابات معها الكثير من الزعران والمبتزين و ذوي الاسبقيات والمجرمين والقتلة، كما سخّرت في خدمتها متنفذين تبادلوا معها المنافع الشخصية فكانت قوى اجتماعية تضغط على الموظف الكبير وحتى الوزير للإفراج عنهم وتكفيلهم، وكان ذلك يتم وسط مرأى وسمع الكثيرين ووسط انهيارات اجتماعية وخوف من ردود الفعل على الناس واستهدافهم…

 هل كان الطفل صالح هو القربان الذي قدمه مجتمعنا لكشف هؤلاء وفضح امرهم، ووضع ثياب من يحمونهم على رؤوسهم لتنكشف العورات والسوءات والاشكال الهجينة…

 هذه الحملة الوطنية التي يتطهر فيها مجتمعنا من الظلم والعيوب والادران والموبقات، ستعيد إلى قطاعات عديدة صوابها الذي غاب نتيجة الخوف والافساد، وسنرى أن مؤسسات عديدة سوف تصحو وتعتدل ابتداء من القضاء الذي كانت غرابيله تسمح بالنفاذ لعدم كفاية التشريع ومرورا بأجهزة المحاكم والشرطة والنواب والوزراء ممن تلوثوا او ضعفوا..

 هذه الحملة تحتاج الى إرادة ملكية صارمة اعتقد انها توفرت، وإلى شخصيات مسؤولة مخلصة تترجم هذه الإرادة الملكية وتبررها بل وتحض على استمرارها…

 وتحتاج الى مثقفين ومفكرين وصحفيين واعلاميين بعيدين عن الابتزاز والتبعية المريبة وربط مصالحهم بالفساد…

 نعم لقد عشنا اغتيال الشخصية العامة وسطوة مواقع الابتزاز الصحفية والالكترونية في ذلك، كما عشنا حالات مزرية لنواب يتوسطون لفاسدين ويضغطون لاخراجهم من الحجز او التوقيف..

 يدرك الباشا الحلالمة  كل ذلك، ويدرك أن مجتمعنا لن يتغير بين ليلة وضحاها، ولذا فان حجم جرعة العلاج لا بد ان تكون كبيرة ومناسبة، ولا بد ان يشرف عليها اخصائيون ومهتمون بنجاح هذا المشروع الوطني (تنظيف المجتمع من هذا الشكل من الفساد الاجتماعي)، ولذا وضع الباشا الحلالمة  نفسه في موقع صمام الأمان اذ لا يجري في هذه المرحلة التي تشهد حصادا وفيرا من رؤوس المجرمين إطلاق أحد إلا بأمره الشخصي، حتى يبين الخيط الأبيض من الاسود ويعتدل الصف الذي لم نعد نراه لزيادة اعوجاجه…

 أعتقد أن هذا إمتحان يليق بالباشا ورفاقه الذين يتولون الأجهزة الأمنية والذين لا بد ان يعملوا كالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا حتى لا تتسرب الجريمة مرة أخرى من بين أيديهم ، ولهذا فإنني أتوقع ردة زلزالية و هجوم تعرضي قوي من متنفذين كبار في مواقع المسؤولية أو خارجها في القطاع العام والخاص، ممن يستطيعون الضغط حتى على وزراء ومسؤولين… ويجبرونهم على اتخاذ قرارات خاطئة بالتكفيل أو التسريب او الطبطبة أو عدم الحسم أو تعليق الأمور أو أحداث الفوضى او العودة لاغتيال الشخصيات التي تستهدف التغيير والتصحيح واصابتها…ِ

 نعم نريد إرادة ملكية لحماية اولئك الذين انيطت بهم المسؤولية لتطهير مجتمعنا من هذه الاختلالات الاجتماعية الخطيرة..

 كما نريد قادة شجعان ومخلصين وطنيين لا يعملون من اجل زيد او عمرو وإنما من أجل وطنهم وشعبهم واهلهم…

إنا نجاهدُ كي يرضى الجهاد بنا     ولا نجاهدُ كي يرضى بنا عُمَر

 فهل عجم الملك عود الحلالمة ليجده  الأصلب والاشد مراسا وانه لا يقعقع لك بالشنان ولا ويغمز فيه  كتغماز التين، كما جاء في رد الحجاج بن يوسف على توجيه عبد الملك بن مروان…

 اليس “ابطحوهم ودوسوا على رؤوسهم” هو الرد الصحيح لحالة مكافحة الجريمة حين يتعلق الامر بسلامة كل المجتمع، وحين لا تنفع الفاظ المجاملة والدبلوماسية أو حتى الحلم المصطنع.. اليس هذا من قبيل قول الحجاج…

“إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، وإني لأرى الدم يترقرق بين العمائم واللحى” ..

ربما قيل ذلك في المتمردين أو المعارضين للخلافة الأموية.. لكن ما قاله الحلالمة يستهدف المجرمين و يفرض على كل فئات المجتمع، بما فيه منتفدي الحكومات والمعارضة أن تقف الى جانب هذا الرجل والى جانب هذه الحكومة التي بدأت مشوارها بتنظيف شوارعنا، حتى نستطيع ان ننشر غسيلنا نظيفا دون ان نخشى شيئا…

ونقول للحلالمة ما قاله عبد الملك بن مروان للحجاج :

“وإن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه نثر كنانته بين يديه فعجم عيدانها فوجدني أمرها عودا وأصلبها مكسرا فرماكم بي”!!

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

اتفاقية تعاون أكاديمي بين الأمن العام والجامعة الأردنية وجامعة البلقاء التطبيقية

مدير الأمن العام يقلد الرتب الجديدة لكبار ضباط مديرية الأمن العام