الحواتمة .. “فأتبع رأسها الذنبا”!!

عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
أعترف أنني معجب بأداء الباشا حسين الحواتمة مدير الأمن العام الذي جمع في مسؤولياته مديرية الدرك أيضا، بعد أن قادها وخبرها ، وها هو اليوم يتجلى في دوره القيادي فيربط الليل بالنهار والنهار بالليل يطارد مع جنوده أوكار الزعران الذين شوهوا صورة الأردن، واحتلوا مساحات من سمعته وحاولوا أن يجعلوه قبيحا..
لقد عشعشت أوكارهم في أسواقنا وحياتنا ومخيماتنا وحتى بوادينا وقرانا، ولم نعد نأمنهم، وخفنا على أطفالنا ونسائنا واسواقنا ومصالحنا ، فقد أصبحوا ظاهرة كان لا بد من التصدي لها بالجملة وليس بالقطاعي كما يحدث من قبل، لقد حان الآن مواجهتهم وغسل مجتمعنا من جرائمهم ومن ما اعتلاه من أمراض اجتماعية سببوها أو نقلوها..
ولأن ” الولد الهامل بجيب لأهله المسبّة” فإن المرجو من عائلاتهم أو عشائرهم أو ذويهم الذين تضرروا منهم، أن لا يوفروا لهم الحماية وأن لا يفزعوا لهم أو يدافعوا عنهم ، فالضرر من ذلك أعظم والخسارة من ذلك أفدح..
أعرف الجهد العظيم الذي يبذله مدير الأمن العام الباشا حسين الحواتمة من خلال المتابعة ، فهو يؤمن بالنتائج لأعمال الجهاز وليس بالحملات الاعلامية ، وقد سألني مرة أمام حادثة وقعت هل تريد الاعلام أم تريد تطبيق القانون؟ فوجدني أنحاز إلى ما يؤمن به وأتخلى للحظة عما آمنت به حين رأيت كيف يُشوه الاعلام الحقائق ، وكيف كنت أغضب من ذلك وأتألم حين كنت أرى في بعض الاعلاميين من لا يملك ضميرا ولا يحرص على مصلحة وطنية ..
اتصلت به ذات ليلة لانقاذ أشخاص محاصرين من زعران يُطلقون النار في منطقة جرش ، فعرفت وهو يرد أنه الآن يدخل بيته وأنه لم يذق الزاد منذ الصباح، وقد كانت الساعة الثانية عشر ليلا ، فأشفقت من الاتصال واعتذرت، ولكنه أبلغني مع الفجر أن المعنيين أصبحوا في المساءلة وأن الذراع القوية المتمثلة في مدير البحث الجنائي ذو الهمة العالية قد جلبهم ، كنت مسرورا لذلك لكن ما خيّب سروري بعد ساعة من ذلك هو الخبر المأجور الذي دسه أحدهم في أحد المواقع مقابل أربعين دينارا يُشهر بجهاز الأمن العام في نفس القضية ، فأحسست مرارة الظرف الذي يشتغل فيه رجل الامن العام حين لا ينصف وتذكرت قول عنتر بن شداد :
يُنادونَني في السِلمِ يا اِبنَ زَبيبَةٍ وَعِندَ صِدامِ الخَيلِ يا اِبنَ الأَطايِبِ
فنحن نقول الآن يا أولاد الأطايب أيها المنتسبون لجهاز لأمن العام والدرك والمخابرات والجيش أنتم حماة الوطن والشعب والمقدرات من العدوان الخارجي، ومن الأمراض الداخلية وعدوانها التي يسببها نفر من الزعران انحرف لعوامل عديدة نناقشها في موقع أخر من الكتابة..
لقد كان من الأفضل تجربة دمج الاجهزة الأمنية والتنسيق بينها وتأسيس غرفة عمليات مشتركة لانجاز المهمة الكبيرة التي وجه إليها جلالة الملك، وهو استئصال شأفة الارهاب الاجتماعي الذي نعيشه من هؤلاء الزعران الذين سمّوا في التراث في العهد العباسي وأيام المعتصم على وجه التحديد بـ “الشطار والعيارين” وقد خربوا بغداد وأحرقوها بعد أن استغلوا خلافات مذهبية وفكرية فأرهبوا الناس ومنعوهم من الخروج من بيوتهم ، وهم في امتداد ظاهرتهم الاجتماعية .
اليوم يحملون اسم الزعران وفي سوريا الشبيحة، وفي مصر البلطجية وكذلك في اليمن وهي كلمة تركية مكونة من مقطعين من “بلطة” وهي الأداة و “جي” وهو الحامل أو حامل البلطة، أما الشبيح فمن الشبح واما “الأزعر” فهو سيء الخلق قليل الخير، والجمع زُعر.. وهناك “القبضاي” ودلالاتها ايجابية وان كانت للقسوة ، وكلمة “ازكرت” ولها نفس الدلالة وأيضا “الفتوة” ولها نفس الدلالة..
تنمو الزعرنة ويتكاثر الزعران حين يحدث خلل اجتماعي بائن ، وحين تختل موازين العدالة ويتراجع القانون في التطبيق، أو أن يؤخذ بجريرة أحد على حساب الآخر، وحين يحدث الاستقواء خارج العدالة الشرعية وتطبيق القانون..
والزعران والزعرنة حالة جرى توظيفها في مجتمعنا ، فهناك من يريدون المال لسد حاجاتهم فيتزعرنون ، وهناك من يشغلهم أو يستثمر فيهم وفي عنفهم وارهابهم وترويعهم للناس وتطاولهم على القانون ليحقق أهدافه، ومن بين هذه الفئة مستوزرون ووزراء ونواب وشخصيات عامة تقوم بحمايتهم وهم يحققون لها بعض اهدافها خارج القانون ودون أن يظهروا أنهم يؤيدون أعمالهم ..
الأحداث الأخيرة والمداهمات والاعترافات كشفت عن مصائب، لنعرف أن شخصيات عامة حمت الزعران واحتمت بهم وتبادلت معهم الأدوار “حكلي بحكلك”، ولذا كنا نرى وراء أي أزعر أو بلطجي أو مبتز من يقفون وراءهم ليخلصوهم من التوقيف أو الحجز، أو يكفلونهم بالمحاكم التي يصلونها بسياراتهم الفارهة مع سواقيهم وربطات العنق الفخمة والبدلات المميزة والمرافقين والنفوذ والالقاب التي يحملون من معالي أو باشا أو بك أو عطوفة أو سعادة وهؤلاء يشكلون المظلة وهم الحواضن، وهم من نناشد الباشا الآن بالكشف عنهم للناس من خلال اعترافات الزعران، و وراء كل أزعر محمي له عشرات القيود شخصية حامية أو مدافعة ولذا نطالب بأن يجري تتبع الاذناب من الزعران للوصول إلى رؤوسهم الحامية ونقول..
لا تقطعن ذنب الأفعى وترسلها إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنبا
لقد بدأت الأجهزة الأمنية حملة مداهمات وملاحقات يساعد على انجاحها قانون الدفاع الذي سببته الكورونا، كما يساعد على ذلك حادثة طفل الزرقاء التي كانت الشعرة التي قصمت ظهر الزعران، بعد أن فاض الكيل وبلغت القلوب الشعبية الحناجر خوفا من استشراء ظاهرتهم..
المأمول أن لا تكون الحملة القائمة الان على شكل فزعة مؤقتة تشبه”قص النجيل” الذي لا يلبث أن يخصب مرة أخرى ويعود لينمو ، ولذا نطالب أن تتوالى الحملة وأن يصبح أداءها مؤسسيا وأن تشكل أذرع أمنية متفرعة ومتدربة لهذه المهمة التي تحدث عنها مدير الأمن العام ووعد أن لا تكون موسمية..
لقد هيأ متخذ القرار البلاد لقبول المداهمات والتضييق على المجرمين والسماح بتفتيش الأحياء واقتحامها، وحتى ما اسمي “بالدوس على الرقاب والرؤوس” وحتى اطلاق النار على من يقاوم ، وكل ذلك لم يتأت إلا بظروف حادثة الزرقاء التي أعطت للسلطة الأمنية ورقة يمكن استثمارها بشكل واسع، وتحويل المزاج العام إلى مزاج مؤيد لاجراءات الامن العام والترحيب بها وتسجيلها بل والانخراط للتعاون معها ..
أعتقد أن الاجهزة الان منسجمة تماما خلف وزير الداخلية الذي هو منها وأحد قادتها السابقين، ولعل تصريح الباشا الحواتمة الذي حيّا فيها زميله وزير الداخلية وأكد دور الوزارة ما يعكس هذا الانسجام الذي كان مفقودا قبل عدة سنوات، وأدى إلى متغيرات أصابت الرؤوس الكبيرة حين كان التنافس والصراع على حساب الاداء والمسؤولية فدفع الجميع الثمن.
التحدي الآن يبلغ أشده ولا بد أن ننظف البيت الداخلي ونعيد ترتيبه بتوازنات عامة سياسية واقتصادية واجتماعية وبمسؤوليات ومسؤولين أكفاء ومتعاونين ، وأن يكون شكل العمل شكل الفريق المتناغم حتى لا يكون هناك مواقف نشاز يعبر منها الفساد المستهدف مرة أخرى..
هذه جملة قد تشكل مفترق طرق لما هو لاحق، فإما أن تضرب الزعرنة وهذا الجزء من الفساد والذي التهب وتفجر على شكل دمامل بعد أن أزمن وتعفن وإما أن يسبب بقاؤه وعدم اجتثاثه بخبرة وحزم “الغرغرينا” الاجتماعية..
لأول مرة يصبح مصطلح “سنضرب بيد من حديد” ذو وقع عادي وكأنه مطلع قصيدة مدح في حين كان وقعه فيما مضى دمويا ودراميا ومطلعا لقصيدة هجاء..
المشرع الآن مهيأ وغرفة العمليات جاهزة فليتقدم الجراحون من الأمن لاستئصال هذا الورم الخبيث قبل فوات الآوان..

Related posts

المعايطة: الإعلام شريك أساسي في نجاح أي عملية انتخابية

مروان المعشر: حل الصراع في الشرق الأوسط لن يأتي مع فوز ترامب أو هاريس

الملك: الجيش العربي والأجهزة الأمنية يقفون بالمرصاد لكل من يحاول العبث بأمن الوطن