“إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر”
هذا هو التصريح الذي صدر قبل مئة وثلاثة أعوام ليكون أصل معاناة الشعب الفلسطيني والتمهيد الفعلي لانتهاك حقوق وسلب أرضه ومقدراته ، فلا يمكن تبرئة الحركة الصهيونية ومن خلفها حكومة بريطانيا وكل من شارك في إعمال هذا التصريح من المجازر والمآسي التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، وبخاصة جريمة اقتلاعه من أرضه وتشريده هذه الجريمة التي لا زالت مستمرة حتى الآن.
إن جملة الجرائم التي ارتكبتها حكومة بريطانيا أثناء حقبة الانتداب على فلسطين، والتي من ضمنها تمكين ودعم الحركة الصهيونية وتشجيع وفتح باب هجرة الصهاينة إلى فلسطين في سبيل الإعداد والتمهيد لإقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين التاريخية، وبالتوازي ضرب الحركة الوطنية الفلسطينية، وغض الطرف عما يقوم به الصهاينة من استعدادات عسكرية لاستلام زمام الأمور مع انتهاء مدة الانتداب، كلها حقائق تؤكد ليس فقط تواطئ حكومة بريطانيا مع الحركة الصهيونية وإنما أيضا دعمها والوقوف ورائها لتحقيق أطماعها على أرض فلسطين.
في الفترة التي بدأت فيها بريطانيا بالانسحاب التدريجي من فلسطين، مع قرب انتهاء حقبة الانتداب، كانت الحركة الصهيونية تعد نفسها للاستيلاء على فلسطين وهذا ما حصل فعليا حيث استطاعت الحركة الصهيونية الاستيلاء على قرابة 78% من فلسطين التاريخية وإعلان دولتها، التي كانت خطوة في طريق إعلان الدولة اليهودية ومن ثم إقامة هذه الدولة من النيل إلى الفرات، ونرى الآن هذا الأمر يسير على أرض الواقع مع إعلان صفقة القرن.
تأملنا باتفاق أوسلو خيرا، وعدنا إلى أرض الوطن مع القائد الرئيس ياسر عرفات، وكان لدي ولدى الكثيرين من أبناء الشعب الفلسطيني أحلاما وأماني كبيرة بأن هذا الاتفاق سيؤدي إلى إزالة الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني، ولكن للأسف نكثت إسرائيل بهذا الاتفاق وادخلتنا في متاهة كبيرة، وتحطم الحلم وعدنا إلى نقطة الصفر، ونالنا من هذا الكثير، وأعادت دولة الاحتلال فعليا سيطرتها التامة على الضفة الغربية وحاصرت قطاع غزة وواصلت عزلها لمدينة القدس، وأمعنت في القتل والتدمير وزادت وتيرة الاستيطان ومصادرة الأراضي، وتنصلت دولة الاحتلال من كل الاتفاقيات، وبات واضحا لدى الجميع بأن حل الدولتين أصبح صعبا لا بل قد يكون مستحيلا.
لم تكتف بريطانيا بقيادة هذه الجريمة الجسمية التي تخالف كافة القيم الإنسانية والإخلاقية ومبادى حقوق الإنسان وقواعد القدس الدولي ، بل تمادت بالتعبير عن اعتزازها بهذا التصريح وتنفيذه حين أعربت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن فخرها بالدور الذي لعبته بريطانيا في تأسيس دولة إسرائيل في يوم الإحتفال بالذكرى المئوية لإعلان تصريح بلفور .
ما بني على باطل فهو باطل، وهذا أساس قانوني يمكن البناء عليه قانونيا، لذلك لابد من تبني مشروع متابعة حقوق الشعب الفلسطيني قانويا وتفعيل استثمارنا للإدوات القانونية لمحاكمة حقبة الانتداب، والتوجه بعدها إلى كافة أنواع القضاء وأينما كان هناك إمكانية لمحاكمة كل من تسبب في نكبة الشعب الفلسطيني وتشريده.
إن للهدف الأساسي من هذه الرؤية هو فتح جبهة قانونية ضد كل من تسبب بضرر وظلم للشعب الفلسطيني، واعتدى على حقوقه، منذ وعد بلفور في العام 1917، الذي أسس لقيام “دولة إسرائيل” وسلب من الشعب الفلسطيني حقوقه السياسية والمدنية، وتعامل مع هذا الشعب الضاربة جذوره في عمق التاريخ على أرض فلسطين على أنه “أقلية” ليس أكثر.
نعتقد بأن هذا الموضوع ليس موضوع قانوني بحت، وإنما هو موضوع حقوقي سياسي لنا من خلاله أن نجرم من تسبب بالضرر بشكل قانوني، ونعزز الحق الفلسطيني، ونعيد فتح موضوع تطبيق قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية.