عروبة الإخباري – تعد الشاعرة الدكتورة مها العتوم من أبرز الأصوات الشعرية النسوية في الأردن والوطن العربي، شاعرة استطاعت خلال مسيرتها الأدبية أن تجد مساحة كبيرة على المدونة الشعرية العربية منذ تسعينيات القرن الماضي وهي مقاعد الدراسة في جامعة اليرموك، حيث عملت بدأب وجهد عميقين على قصيدتها التي عجنتها بماء الروح والشعر معا.
والذاهب إلى مجمل أعمالها الشعرية كم يلحظ مدى تمكنها من إيقاعها وجرس موسيقاها منذ ديوانها الأول «دوائر الطين»، وصولا تجلياتها الروحية في ديوانها «غرف علوية» الصادر عن دار الأهلية في عمان، حيث رسمت لنا بعدسة عينها اللاقطة أدق التفاصيل الإنسانية على هذه البسيطة ، تاركة روحها العاشقة محلقة في فضاءات ومنطق الحب ذاهبة بنا على بساطها الطائر إلى حميمية المكان والبيوت القديمة في قريتها وندى الحجارة، شاعرة مثقلة بالورد والبخور ومشنشلة بالحروف والطيور وفراشات الحقول، ومطرزة بالبرق وأهازيج الجدات.
من هنا، تأتي مختاراتها الشعرية «حياتي ذاكرة.. والكتابة نسيانها» الصادرة حديثا عن دار العائدون للنشر، حيث تقع في زهاء 195 صفحة من القطع المتوسط، مختارات تمت بعناية فائقة من دواوينها الصادرة سابقا وهي: «دوائر الطين 1999، نصفها ليلك 2006، أشبه أحلامها 2010، أسفل النهر 2014، وغرف علوية 2019».
واشتملت هذه المختارات على مجموعة القصائد التفعيلة عالية الإيقاع إيقاع الروح المشحون بمادة التراث العربي مسقطة ذلك على مضامين قصائدها مما منحها بعدا فنيا وفكريا وفلسفيا وقوة في التأثير في القارئ، فتسافر بنا على أجنحة قصيدها إلى مرابع الطفولة مستحضرة طقوس البيت والصف المدرسي باحثة في الشعر وشؤونه عن الفارس العربي الأب وما تسرده أمها عنه معتبر في أول نبعها بأن الحب لم يكن أبدا ذنبا فشرب بطهارة نبع الحب الذي ينبع بئر البيت.
تقول في قصيدتها «أول النبع»: «لا يدي غرفة للكلام/ ولا جسدي/مثلما يصنع الحب قلبا يليق به/ صنع الحب بي/ كنت في الصف/ بين الدفاتر والوجبات/ أفتش في الشعر/ عن فارسي العربي/ كنت في البيت/ أصغي وأحفظ/ ما ستقول الأميرة أمي/ لفارسنا الذهبي أبي/ وكنت أحب البكاء».. إلى أن تقول «لم يكن الحب ذنبا/ لأن الذي لا يحب/ يرى نصف ما سيرى/ الواسع العارف العاشق/ المتنبي النبيّ/ كل ذلك/ لا يشبه الحب والشعر/ لكنه قاد قلبي إلى النبع/ من أول النبع/ قال: اشربي» هذا هو إذن الحب والفارس الذهبي الشعر أبا للشعراء.
ومن قصيدتها « شارع أو أقل» التي تقدم لنا بانوراما لحركة الشارع وانفلات الروح في الوصف والمشاهدات التي اكتنزت بها ذاكرته الخصبة في الشارع العابق بالروائح والخضرة العشبية وصوت عبد الحليم واللحن الحزين ..تفاصيل تلخص عمان في شارع واحد.
نقتطف من هذه القصيدة بعض ما تقول: «بيننا شارع/ لا ممر لسيارة/ أولأقدام ناس حقيقية/ بيننا خضرة العشب لا العشب/ أو رقة البحر لا البحر/ ما بيننا شارع أو أقل/ شارع واحد يتلفت فيك وفيّ/ تغني لعبد الحليم يغني/ تصفر لحنا حزينا فيعلق بالسرو/ تطلقه ضحكة عبثية شكل/ عميقة طير ومعنى».
ويمتد الشارع لنصل مع الشارع إلى شدوها «بيننا شارع/ يتعلم مزج الروائح منا/ من العطر فوق القميص/ وتحت الكلام/ يلخص عمان/ في شارع واحد».
بقي أن نقرأ ما كتب على الغلاف الأخير للمختارات للناشر: نختار الشاعرة هنا أن نقدم للقارئ خلاصة تجربة الإنسان / المرأة غي العشق خصوصا، عشق يبلغ حدود التصوف والتعبد في محراب الحياة التي تسعى الشاعرة العتوم خلق نموذجها الخاص منها، فتبلغ ذرى الشوق والشغف والوله والضياء والأنوار.