جبريل الرجوب رجل المهمات الصعبة..

عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب

أعرفه منذ زمن بعيد وقد عملت على نشر مذكراته حين كان سجينا  لأكثر من 17 سنة، وقد بدأ رحلة السجن وهو لم يصل العشرين، وعرفت عنه صلابته واصراره العنيد على ما يؤمن به من أهداف، وقد ظل يعبر عن ذلك باسلوبه المتميز الذي كان يبتعد به عن الدبلوماسية، فهو لا يجامل على حساب قضية شعبه مهما كانت القوة التي تواجهه عاتية، فقد علمه السجن أن يصمد امام سجانيه وان ينتصر عليهم بارادته التي سرّبها الى كثير من من شاركوه السجون.

 جرب مختلف اشكال العمل النضالي العسكري والامني والتعبوي وحتى القيادي الرياضي، وظل دائما في موقع الإخلاص لقيادته، لا يؤمن بالانقلابية  كوسيلة ولا بالمحورية كنهج،  فقد ظل ولاؤه معلنا دائما للرئيس الراحل عرفات وهو اليوم يضع جهده الى جانب الرئيس محمود عباس في شعار مفاده “انا نجاهد كي يرضى الجهاد بنا    لسنا نجاهد كي يرضي بنا عمر” كنت اعرفه ونحن طلابا في المدرسة الثانوية في دورا -الخليل، ولكننا لم نلتق فقد كان يتسرب من المدرسة ليتدرب مبكرا مع كوادر فتح منذ عام 1967 وقبل ذلك حين كان في بداية الثانوية العامة فهو من مواليد عام 1953 …

جبريل الذي اشتد عوده في السجون ودرس فيها الانجليزية والعبرية وحوّلها الى مدرسة لابراز الكوادر ظل دائما قادرا على الحركة وكسر الحلقات، وايجاد البدائل فهو لا يعرف كلمة مستحيل ولا يرضاها وان كان واقعيا في تناوله  للأشياء بروح ثورية…

ظل جبريل في خوفه على القرار الفلسطيني حذرا من التدخلات العربية، وظل يسخر من اولئك الذين كانوا يلومونه ويلومون قيادته ان الفلسطينيين احتكروا القضية و ابعدوها عن عمقها العربي دون ان يحددوا ما هو عمقها العربي.. هل هي الشعوب العربية المغلوب على أمرها ام هي هذه الأنظمة التي كشفت عن وجهها و وعوراتها وذهبت تركض الى مغارة الضبع واللحاق باليمين الاسرائيلي، وقد هربت من شعوبها بعد ان ادمتها اعتقالات ومطاردة وبيع لمقدرات تلك الشعوب لتبقى على كراسيها…

 جبريل يتألق نضاليا هذه الايام في هجوم تعرضي اعاد فيه احياء روح فتح بعد ان نال رضى وموافقة الاطر القيادية وعلى رأسها قائد الحركة الرئيس محمود عباس الذي يثق بمبادرات اللواء جبريل الرجوب ويدعمه بمواقفه ويمكنه من استكمالها، فهو على حد تعبير احد القيادات الفلسطينية “بفش الغل” و لديه قدرة على الاقناع..

 لا اريد ان أطيل في الكتابة عنه لأن شهادتي فيه قد تكون مجروحة،  لكنني اعتقد انه كان صاحب ضربة معلم، وقد اعتبره البعض مغامرا ولكنه يدرك كما “المتنبي”

 (من لم يمت بالسيف مات بغيره) كما يدرك ايضا انه (اذا اعتاد الفتى خوض المنايا     فَأَهوَنُ ما يَمُرُّ بِهِ الوُحولُ)…

 لقد تردت القضية الفلسطينية من خلال الانقسام المريع الذي تسبب في نزيف مقدرات الشعب النضالية، وكان جبريل يرى ذلك ويقاومه قبل ان ينتصر تيار الانقسام الذي صنعه محمد الدحلان قبل فراره الى الخارج واستقوائه بأطراف من النظام العربي ، ويدخل الى الأدبيات الفلسطينية مفهوم تأجير البندقية ليصبح مطلوبا في عواصم عديدة على ما قدمه من خدمات لمخططات لا علاقة لها بفلسطين اوقضيتها …

جبريل كسر حلقة الجمود ودمّر اصناما وتابوهات ادعى اصحابها انهم قادرون على إحداث التغيير في موضوع المصالحة، واستبدال بضاعتهم المستوردة بصناعة محلية اذ لم يرد ان تكون الحالة كحالة..

“كالعيس في البيداء يقتلها الظما       والماء فوق ظهورها محمول”

فهو يرى ان الحل عند الفلسطينيين  ومع الفلسطينيين وليس عند الاخرين وفي عواصمهم، وقد رمى بعصاه  لتلقف ما صنعوا، وقد وجد شريكا مع ما كانوا يسمونه الاخر وهي حماس وهذا الشريك رفيق السجون التي تهذب نفسية المناضلين وتضعهم أمام نفس الهدف، وتنزع منهم التعصب والانتصار لأطراف واهمة ..

مضى جبريل مع شريكه صالح العاروي القيادي في حماس في ما اسماه الاخرون مغامرة ستنهي دوره وتفشله، ولكنه استحضر طاقاته النضالية وسجله الكفاحي والتراث المشترك في السجن، ومضى فتداعت كثير من العقبات، وقد قال  له الرئيس عباس: امضي ومعك نَفَس القيادة، وقد فعل واعطى ثمارا أولية حاولت أطراف داخلية وخارجية ان تلتف عليها، وان تفتي بعدم جوازها و ان تقدمها بشكل مفتعل، ولكنه لم ييأس وجعل الواقع هو الذي ينطق ويقدم المحاولة، كما جعل للأطراف الآخرى وغير الفتحاوية ان تتحدث عن ذلك، وهي التي لم تتحدث طوال المحاولات السابقة الا بسلبية وإدانة، وقد سعى جبريل في مهمته لدى الكثيرين ليقفوا الى جانبها، وابتعد عن المجاور العربية والإقليمية بل انه اخترقها وقدم القرار الفلسطيني عليها جميعا حين زار الجميع، حتى اولئك المتخاصمين فقد انتقل من الدوحة الى القاهرة من تركيا الى دمشق، وحرص ان يضع الاردن الحليف في الصورة بعد أن عظم دور رفاق المسيرة من فضائل مختلفة بعضها لم يذهب الى فلسطين ولم يقم على ارضها، فقد زارها لكي لا يترك تغرة، واعطي الكثيرين بل جميعهم ما يستحقون وزيادة من ذكر ودور، لأنه كان يجمع ولا يقسم يدعو ولا يفرق..

 اما ان وصل الى النتيجة التي تفرضها التحديات الكبيرة في وجه القضية الفلسطينية فإن لم يتوحد الفلسطينيون وقياداتهم الآن فمتى يتوحدون؟ وهذه الخطوات التي قام بها اللواء جبريل الرجوب بتوجيه من الرئيس عباس وقرارات القيادة الفلسطينية في مختلف مؤسساتها ومستوياتها هي الرّد الأولي على العدو وعلى الصهيونية بما في ذلك الفرع العربي منها، و هذا الرد هو الذي استفز الأصوات الهجينة التي بدأت تنعق بأن الفلسطينيين إضاعوا الفرص وكانوا عاقين لمن دعمهم، وانهم لا يستحقون التأييد والدعم، وقد تحولت هذه الاصوات والمواقف لتحتطب في الجبل الاسرائيلي اليميني الصهيوني بثمن بخس بقاء هذه الأنظمة التي يحددها لها مسبقا من هو عدوها و من هو صديقها، و في القائمة ان الفلسطينيين اعداء لا بد من التخلص منهم ومن قضيتهم، وهذا ما أظهرته الأيام حتى وان كانت القيادة الفلسطينية تراعي عدم الرّد على اصوات بلغت من الفجور مبلغا لا مجال لستره!!

شاهد أيضاً

الأمن الإقليمي والتحديات التي تواجه المنطقة* د. ختام زهير العبادي

عروبة الإخباري – يعيش النظام العالمي في المرحلة الراهنة مرحلة انتقالية تتشكل فيها ملامح النظام …