بندر يُبعث لمهمات جديدة!!

عروبة الإخباري – خاص
كان الوقت قد تجاوز الثانية عشرة ليلاً من يوم الأحد، وقد وصلنا الى قصر بسمان حيث الديوان الملكي، انتظرنا لربع ساعة قبل ان يدخل الملك الحسين، كنا ثمانية ثلاثة صحفيين وخمسة آخرين، لم أعرف اثنين منهم..
على الطاولة البيضاوية كان ثلاثة من الحرس الملكي يقفون خلف الجالسين.. كان وجه الملك مكفهرا قائما غاضبا وقد راح يدخل على غير عادته في الاجتماعات العامة، وضع أمامه ملفا.. نظر الى وجوه الجميع وقال: ثلاثة ايام لم أنم رغم أنني آخذ حبوب النوم، كنت أحاول ان اتصل بالرئيس حسني مبارك لكنه لم يرد، حاولت كثيرا، تحدثت مع عديد من المسؤولين من أعلاهم حتى اشخاصاً عاديين ممن هم حوله، وقد طلبوا لأتحدث معهم حين يصلوني به، بقيت احاول امس حتى ساعة متأخرة، وقد ردّ علي أحدهم وقال: الرئيس نايم، قلت :هل يمكن ايقاظه لأمر هام؟ فقال: الرئيس “مزرئن”، فلم افهم وكررها عدة مرات منفعلا ثم اغلق الهاتف، لقد يئست من الاتصال به .. حين جلسنا قال احد الجالسين الى جانب الملك ما يقال “أف ريكورد” لا يسجل احدكم شيئا بل استمعوا فقط، كان الملك غاضبا ومنفعلا ويحاول ان يكظم غيظه، كما رأينا في ضغطه على أسنانه، ثم نظر ايضا وقد رفع رأسه عن ورقه وقال: الرئيس مبارك يتهرب من اتصالي.. نحاول ان نسابق الزمن، العراق سيضرب كنت أعي ذلك، وقد حاولت منع ذلك في مؤتمر القمة وبعد ذلك في محاولة تقديم حل عربي، ذهبت الى عواصم عديدة ثم توقف عن الكلام .. كنت احاول ان أدون ما يقول وقد استعملت ورقه صغيرة و قلم رصاص كان على الطاولة امامي، فأخذت الورقة والقلم وانزلتهما تحت وجه الطاولة بين رجلي.. وحاولت ان أصف المشهد كما يعمل حضور المحاكم المغلقة من توصيف الاجواء، كنت أدرك ان هذه اللحظات تاريخية يبوح فيها الملك باشياء هامة تتعلق بمصير المنطقة التي كانت تنحدر بعد مؤتمر القمة الذي اتخذ قرارا بالموافقة على ضرب العراق.. كنت اكتب خفية فتقدم من ورائي ضابط من الحرس واشعرني بوضع يده على ظهري ان ما تفعله ممنوع فارتبكت، فرأى الملك ذلك وقال له اتركه فتراجع.. كنت قد كتبت عدة اسطر سريعة أعيد الآن كتابتها ومازلت احتفظ بها في اوراقي .. ووصل الشاي الذي كان يفضله الملك على اي مشروب اخر، ثم طلب سيجارة قدمها له احد الواقفين خلفه واشعلها له.. فأخذ منها نفسا طويلا ولم ينفثه، كان ما زال غاضبا ومنفعلا ولكنه لا يظهر ذلك.. فقال فجأه هذه الامة سينعق عليها الغربان، لقد دمروها وبنى الفعل للمجهول، ثم قال رأسا: هذا الذي سبب المأساة انه السفير بندر بن سلطان سفيرهم.. هو من أقنع الامريكيين بذلك، هو الذي حرض.. وراح الملك على غير عادته يكرر اسم بندر غاضبا.. لقد جرّ بلده وجرّ الجميع الى تدمير العراق، سيسجل عنه التاريخ ذلك.. لقد وصلني تقرير بما يفعل ويمضي، يقول له نفوذ واسع من خلال عمله هناك، وهو التقى الرئيس الامريكي ثلاث مرات خلال اسبوع..
ثم توقف وعاد يشرب الشاي ويقول: هذه الأمة ستعيش زمنا طويلا وهي تضمد جراحها من نزيف طويل، لقد حاولت.. سابقت الزمن ولم اترك جهداً.. ولكنهم الليلة ضربوا العراق.. الله اعلم ماذا سيحدث بعد ذلك..
حاولت أمس ان استرجع ما قاله الملك الحسين عشيه ضرب العراق من خلال الهجوم الامريكي العربي المدبر في الجامعة العربية، وبعد ان وجدت قصاصة الورق التي كتبتها قبل حوالي (17) عاما، وأدركت من خلال ادانة الملك لشخصية سعودية واحدة، إذ انه لم يأت على ذكر غيرها، ولم يتطرق في اي كلمة الى الملك فهد، ولكنه قال ان مبارك لم يرد عليه في تلك الليلة بعد عدة محاولات..
كنت استمع الى قناة العربية قبل ايام قليلة، وبندر بن سلطان المتقاعد ورجل المخابرات والمهمات الصعبة وغير النظيفة يتحدث عن الفرص التي اضاعها الفلسطينيون لأنهم لا يريدون حلاً ولا سلاماً تقدمه اسرائيل، و هذه المقولة ان القيادات الفلسطينية تضيع الحلول هي مقولة صهيونية قديمة منذ ما قبل الحاج امين الحسيني بل منذ صدور “وعد بلفور” وبداية الانتداب البريطاني على فلسطين حين هبّ عرب فلسطين في انتفاضات متعاقبة في 1922 و 1923 و 1927 و 1929 انتفاضة البراق وبعد ذلك، وحين كان موسى كاظم الحسيني يقع على الارض ويجرح امام اسوار القدس في بداية العشرينيات وعلى امتدادها..
كانت الحركة الصهيونية تؤكد على ان لا يقود الفلسطينيين فلسطينياً منهم وان لا تعني القضية الفلسطينية في معناها ودعمها الشعب الفلسطيني حين يجري الحديث عنها..
وايضا وهذا مهم وهو ما عاد يكرره الآن بندر بن سلطان الذي يُعبر عن تحولات الموقف السعودي الدفين بشكل علني في القول ان الفلسطينيين.. قياداتهم اضاعت الفرص وهي تضيعها الآن، ليبرر الهجوم على هذه القيادة لأنها خطت خطوات عملية باتجاه المصالحة الوطنية و لأنها رفضت “صفقة القرن” التي هي اساس التسوية التي اخذت بها بعض دول الخليج والتي مازالت ترد الحوض الملوث بالتصفية للقضية لتشرب منه وتدعو الى الشرب وتدين من لا يشرب، بل ان الحملة السعودية الأخيرة اخذت اشكالاً خطيرة من “تمنين” الشعب الفلسطيني بما جرى تقديمه للقضية من مساعدات منذ بدء هذه القضية، و هي المساعدات التي لا تعادل كلفة اسبوع واحد من الحرب التي تشن على اليمن..
لا يتوقف الهجوم على قضية الشعب الفلسطيني وعلى قياداته، وهذه الحملة لا تحتاج الى تبرير فقد عممت لتكون بدون اي تبرير مقنع، وتنطلق لتخدم اليمين الاسرائيلي وسياسة الرئيس ترامب الخارجية ، وهي تستشري بسرعة وتسابق الواقع قبيل الانتخابات الأمريكية، فقد بدأت على شكل تطبيع خفي ثم تسريبات اعلامية ثم شتائم وقدح وادانة للشعب الفلسطيني من اصوات نشاز عبر وسائل الاعلام التي جرت مفتى السلطان بما في ذلك “السديس” الذي أحلّ الحرام وحرّم الحلال في موضوع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وقد سبق ذلك زيارة شخصيات غامضة وهامشية الى القدس واللقاء مع صهاينة يمينيين، وتقدم الأمر وزاد استفحال المؤامرة ليتحدث رجال المخابرات السابقين ومنهم امراء فتكون لقاءات بين بندر بن سلطان على العربية، وقصيدة الامير خالد الفيصل الاخيرة التي يمنن فيها الفلسطينيين ويتهمهم بالعمالة، ويشن هجوما على قياداتهم ويحرض عليها وقد مسح بذلك تاريخه الفني والابداعي الجميل حين أعيد توظيف موقفه..
لقد وصلت الصهيونية العربية حداً انها تلعب دور الصهيونية الاصلية وتطرح نفسها موازيا لها في تحقيق اهداف الصهيونية في تصفية القضية الفلسطينية والنيل منها..
يتوهم اتباع الصهيونية العربية التي بدأت تكشف عن رموزها وافعالها أنهم قادرون على تصفية قضية الشعب الفلسطيني، وهزيمته باحباطه ولكنهم سيدركون بعد فوات الاوان انهم وشعوبهم سيكونون وقودا للحركة الصهيونية، وانهم قد عملوا لهدم اسوار الامة وتدمير أمنها القومي، وأنهم لعبوا دور “أحصنة طروادة” ليقوموا بوظائف هي مقابل وجودهم في حكم شعوبهم، وان من يحميهم هي هذه الجهات الأجنبية التي يخدمونها ويسخرون مقدرات اوطانهم لخدمتها..
هم يدعون ان الفلسطينيين قد عقوا من قدم اليهم، وأنهم عضوا الايدي التي قدمت لهم.. فهم يريدون من الفلسطينيين ان يتبعوهم و ان يتخلوا عن قضيتهم ليرضوا عنهم ويبروهم، ولكن اين لهم ذلك.. فهذه القضية هي الأعظم والأنبل وكل اموالهم المنهوبة والتي وصل ترامب لزيارة واحدة لهم اكثر من 400 مليار دولار، لا يمكن لمثلها ان تقنع اي فلسطيني وطني بصواب مواقفهم حتى وان زرعوا في شرفات قرارتهم من صدقهم وعمل معهم او ارتزق بالتبعية لهم ..
شعب فلسطين اكبر من ان يصفوا قضيته وهو الذي سينقذ بصموده شعوبهم من جبروتهم وتبعيتهم، فقد سقط القناع عن الوجوه وبدأت سافرة بكل ما فيها من قبح..
عاد بندر الى الواجهة حين كان الهجوم على سوريا قد شاركت فيه دول خليجية داعمة لداعش واخواتها، وإلى جانب الامريكيين ومن جرى تجنيدهم، كان بندر في عمان في فندق فورسيزن يراقب ويدير غرفة عمليات ضد سوريا، وقد وصل به الأمر ان يطلب ضرب دمشق بالصواريخ من “تبوك” وهو ما افزع متخذ القرار الأردني الذي ابطل الخطة، وقد سعى سريعا لدى جهات عالمية هامة لوقف ذلك.. ثم جرى ابعاد بندر واخراجه وقد تسللت عناصر من جماعته الى سوريا لمواصلة المهمة بشكل اخر، وقد جاء في الاخبار ان بعضهم القي القبض عليه وجرى دفع مئات الملايين للتستر على ذلك واطلاق سراحهم .. كان ذلك بعيدا عن الاخبار المعلنة، وغاب ذكر بندر الذي قيل أنه معتقل، وقيل انه مريض ولذا لم يذكر اسمه في نزلاء الريتز كارلتون، في الواقعة المشهورة لاعتقال الامراء والتنكيل بهم وباموالهم التي صودرت، ولكن رايناه مجددا يخرج على قناة العربية يستكمل الدور ويؤدي المهمة في الهجوم على الشعب الفلسطيني وقيادته وتحميله مسؤولية اضاعة الفرص..
فهل بُعث بندر من جديد لمهمة تدميرية أخرى بعد العراق وسوريا!!

شاهد أيضاً

السمهوري: بات مطلوب اطرد كيانه الإستعماري من الأمم المتحدة؟

عروبة الإخباري – كتب عضو لجنة الشؤون الخارجية والبرلمانية في المجلس الوطني الفلسطيني، رئيس جمعية …