أقام ديوان الهريس الثقافي لقاء شعريا ونقديا، استضاف خلاله نخبة من شعراء والنقاد الأردنيين والعرب، الذين استحضروا بطولة الشهداء، ودعوا إلى التمسك بالأمل، قبل أن يحلقوا في فضاء الذات العاشقة، وذلك يوم أمس الأول، عبر منصة (زووم).
أولى المشاركات كانت للشاعر مشلوف محمد، من الجزائر، وهو صحاب كتاب (شموع ثقافية لا تنطفئ) وديوان (تراتيل عاشق)، إذ قرأ قصيدة استحضر فيها بطولة الشهداء في بلاده، بعنوان «موطن الأبطال»، وفيها يقول: «يا مَوْطِنًا كُنْت لِلأبْطَال مُحْتَضِنًا/ مَا لِلشُّعُوبِ غَزَتْ أَوْطَانَهَا كُرَبٌ/ سَيْفُ الشَّجَاعَةِ لَمْ يُغْمَدْ لِعِزَّتِهَا/ كَيْفَ الوَرَى نَالَ مِنْ أبْطَالِهِمْ رَهَبُ/ لَحْنُ المَنِيَّةِ لَا يَرْجُو سِوَى طَلَقٍ/ تَمْضِي بِرَغْبَةِ مُشْتَاقٍ لَهَا طَرَبُ/ نَادَتْ جِبَالُ بِلَادِي تَنْتَشِي قُدُمًا/ يَا شَعْبُ ثُرْ إِنَّ أَشْجَارِي لَهَا حَطَبُ/ أَحْجَارُ أَوْدِيَتِي بِالمُصْطَفَى نَطَقَتْ/ فَوْقَ الثَّرَى قَادَةٌ يُعْلَى لَهَا نَسَبُ/ ثَارُوا لِحَقٍّ مُبِينٍ مِثْلَ أَوْدِيةٍ/ دَكُّوا حُصُونَ عَدُوٍّ سَادَهَا عَطَبُ/ جَيْشُ المَغَاوِيرِ تَخْشَاهُمْ أبَاطِرَةٌ/ حَرْبٌ تُخَلِّدُهَا فِي أَرْضِنَا كُتُبُ/../ أُسُودُ حَرْبٍ تُنَادِيهِمْ عُرُوبَتُنَا/ لَيْتَ الشَّهَادَةَ لِلْأَحْبَابِ تَنْكَتِبُ/ نَاجَيْتُ رَبَّ الوَرَى بِالدَّمْعِ أَسْأَلُهُ/ يَا رَبّنا اِرْحَمْ شَهِيدًا رَاقَهُ الطَّلَبُ/ إنِّي كَتَمْتُ شُجُونِي بِالحَشَا حَزَنًا/ وَكُلُّ ذِكْرَى بِهَا عَيْنَايَ تَنْتَحِبُ..».
المشاركة التالية كانت لرئيس الديوان ومؤسسه الشاعر نايف عبد الله الهريس، الذي قرأ قصيدة بعنوان «مشكاة الأمل»، وفيها يقول: «ولجتُ المدى بالحلم والأملِ/ وشهدُ الصبا يطفو على الكَهَلِ/ حريّ بنفسي في رحم عافيتي/ أداهي الدها دوخا بلا فَتَلِ/ وكوكبتُ مكشاة الجِدا بدمي/ فهلّت عوادي العلم بالقُلَلِ/ فعلقت قنديلا بنافذتي/ ضوى لي نهى الأسباب بالسؤلِ/ إذا الريح قرصان يموجني/ دعتني بمهر الكد بالعَضَلِ/ سرجتُ الضيا في علم مبصرتي/ ووجهي ضحوك دافئ المُثلِ/ ولكن موج الدهر مخّض لي/ وألفى الرؤى بين الجد والجدلِ/ فأطفأت جمر الدهر في جسدي/ وغازلت جهد النفس في مُقلِ/ وقلبتُ حسي فوق رهبته/ على وجه مرآة فلا وجل/ شموس تشق الدهر بين يدي/ فهاج ابتسام الوعد في جذل..».
وتحت عنوان «جاءَتْ تتمايَلُ» كانت مشاركة الشاعرة ثراء محمد يوسف، وفيها تقول: «جاءتْ ترميني في خبثٍ/ تنعى أوراقَ الإحساسِ/ قالتْ يا هذا ما تفعلْ؟/ ذا شعرُ القدّ الميّاسِ؟/ جدّد أوصافك من اسمي/ وانفثْ سطرا من أنفاسي/ زوّدْ أحبارا من شَعري/ تجري كالحرف الخناس/ كي تبقى عطرًا في قلبي/ تَسري مغمورًا بالآسِ/ يا قيسًا نادى في أمسيم ليلاهُ الأغلى من ماسِ/ احفظْ أجفانيَ مِن نومٍ/ أطلِقْ دمعاتٍ حرّاسي/ وانظرْ في الدفترِ قافيتي/ يسمو بعيونِكَ قِرطاسي/ يا ربِّ اِجعلْهُ مُنى روحي/ يغفو في العينِ وأنفاسي..».
الشاعر نصر بدوان قرأ قصيدة بعنوان «بكاء البحر»، قدم لها بقوله: عندما هجر الفلسطينيون من ديارهم عام1984 حملوا مفاتيح بيوتهم ظناً منهم أنهم سيعودون بعد أسبوع، وها قد مرت عليهم سبعون سنة عجافاً، ما زالوا يحملون المفاتيح في أعناقهم، ويورثونها جيلاً لجيل، وهذه قصة أحد المفاتيح:
«وحين ظن بأن الوقت يدهمه/ أخرج من جيبه المفتاح/ شد عليه/ دمعت عيناه وصاح: خذ يا ولدي المفتاح/ أمانة جدك كي أرتاح..».
وكانت المشاركة التالية للشاعرة إيمان أحمد يوسف، مصر، فقرأت قصيدة بعنوان «عفوا.. لن أبيع شرفتي»، وفيها تقول: «تزورني يمامةٌ/ أستضيفُها على شرفتي/ تنقرُ الزجاجَ لتمنحَني الإشارةَ/ عيُنُها تُخرجُني من صخَبي/ تخترقُ الوقتَ/ خلفَها الشّجرُ والسحابْ/ تهمهمُ اذكروا ربَّكُم/ فأشاركُها الذِّكرَ/ أتركُ الجريدةَ من يدي/ وفيضانَ السودانْ/ حرائقَ بيروت/ مشكلاتِ الوباءْ/ سدَّ النهضةِ/ حساباتِ الواقعِ/ مشكلاتٍ تؤرِّقني/ تشعرُ بي اليمامةُ/ تأخذُني فأنجذبُ إليها/ ولأصدقائِها العصافيرِ اجتمعتْ/ حول طبقِ الأُرزِ/ وطبقِ الماء/ رفرفَ القلبُ/ ورفرفتْ الروحْ/ جعلتني أبتسمْ..».
وقرأت الشاعرة حياة دراغمة قصيدتين، قالت في واحدة منهما: «تحمل أفكارك إلى الشمس/ فتحرق../ تأخذها إلى الريح.. فتسرق/ تشكوها إلى البحار.. فتغرق/ تلذذ.. في باطنها واشرح تفاصيلها/ إلى نفسك../ وغيرك دهر متقلب/ فلا تحيي الريح.. إذا كسرتك/ ولا تشكر النار.. إذا أحرقتك/ بل اشكر.. نفسك إذا حدثتك/ فتعال إلى قلبي/ أنا جملة بلا تفصيل/ ورسائلي دهشة بلا تعليل».
وقرأت تاليا الأديبة شيرين العشي قصيدة من كلمات الشاعر نايف الهريس، بعنوان «كرامات العرب»، أما الشاعر محمد معتوق من مصر فقرأ قصيدة باللهجة المحكية، تضمنت بوحا شفيفا لمكنونات قلبه العاشق.
ومن المغرب كانت المشاركة التالية عبر الشاعر د. سعيد أصيل، الذي قرأ قصيدة بعنوان «رغيف الموت»، وفيها يقول: «موجة لي/ وموجة لك../ يمشي الخريف من ورائي أو أمامي/ ألتقط هسيس الشمس على لظى البحر/ تغسل الموجة ممشاي/ و… تختفي/ يرتسم كوثرها على خال الوجه القريب/ يأخذني الفجر/ والزيت بين أصابع السراج/ يتمطى/ بلحاف الحرف/ يتغطى../ أقدامي تهجر جسد الليل/ وشطآن تصهر وحشة الريح/ ينبت النخل أخمص الكف/ ويشجو الدمع في قمصان من العشب/ على خذي اعتقال أغنية/ وخلفي جلباب امرأة ترفل بالموت/ وجناحٌ يجول/ يصعد الخوف درج المكان../ تخرج الدروب من أزقتها/ فأظل أقول: إن الموت أغنية السكارى/ والرغيف عبير الجنون/ أو لسان الرداء الجميل».
وبعد ذلك قدم الناقد الأردني فوزي الخطبا تعقيبا نقديا على القصائد، متوقفا عند موضوعاتها وجمالياتها الفنية، مؤكدا ثراء القصائد على الصعيد اللغوي، وقد جسد ذلك الثراء عمق ثقافة الشعراء وارتباطهم بالثقافة العربية والإسلامية.
وكان حضر اللقاء، الذي أدار مفرداته نضال برقان، نخبة من الأدباء الأردنيين والعرب.