إصرار فتح والسلطة على «تعاقب» الانتخابات (تشريعية فرئاسية فمجلس وطني)، بدل «تزامنها»، له أسبابه الكامنة أساساً في خشية الحركة في «مفاجآت» من العيار الثقيل، تضعها في المرتبة الثانية في مختلف مؤسسات صنع السياسة والقرار في النظام الفلسطيني…التدرج مهم بالنسبة لفتح، حتى تتمكن من تلمس خطوتها التالية…يُسجل لحماس أنها قبلت «التعاقب» مع أنها لطالما دعت لـ»التزامن».
والقول، غير الرسمي بعد، بسيناريو خوض الانتخابات بقائمة مشتركة تضم فتح وحماس ومن والاهما من فصائل وجماعات ومجاميع، ينطلق بدوره من «الهاجس» ذاته، فغلبة حماس في انتخابات التشريعي، ستجعل من الصعب، بل المستحيل، الانتقال إلى «الاستحقاق الرئاسي»، ما لم تُبرَم صفقة ثانية مع حماس، تضمن بها فتح، فوز مرشحها الرئاسي، أياً كانت هويته…نتائج استطلاعات الرأي العام الفلسطيني، خصوصاً «الرئاسية» لا تشجع فتح على «المقامرة» بالموقع الأول في الهرم السياسي الفلسطيني، ما لم تتوفر الحركة على وسيلة لتحرير الأسير مروان البرغوثي من سجنه، وتلكم غاية دونها خرط القتاد.
أما انتخابات المجلس الوطني، فيبدو أنها تندرج في باب «تحصيل الحاصل»، لا حاجة لإجرائها في «الداخل»، طالما أن أعضاء المجلس التشريعي هم أعضاء طبيعيون في المجلس الوطني، ويمثلون هذا الجزء من الشعب الفلسطيني…أما عن فلسطيني «الشتات القريب»، فقد حسمت الفصائل، بالذات «العمودين الفقرين» منهما، الأمر مسبقاً: من المتعذر إجراء الانتخابات في الأردن ولبنان وسوريا ودول الخليج، وإن كان لا بد منها، ففي بعض دول «الشتات البعيد»: أوروبا والأمريكيتين، «التوافق» هو كلمة السر، والتوافق «صنعة فصائلية» بالأساس، وفي اجتماع الدائرة التلفزيونية المغلقة الأول للأمناء العامين، جرى بعث الفكرة وتثمينها على ألسنة بعض المتحدثين، وبعضهم من اليسار.
لا معنى لانتخابات تشريعية تجري بقائمة واحدة، تنافسها جملة من القوائم «الميكروسكوبية»، التي لا ترى بالعين المجردة…هذه ليست انتخابات، وليست لعبة ديمقراطية، ولا رجاء منها أو بها، لتجديد الطبقة السياسية الفلسطينية وإعادة بعثها…هي في أحسن تقدير، إعادة انتاج لنظام «المحاصصة الفصائلية» ولكن بلبوس ديمقراطي هذه المرة.
سنمضي في تأملاتنا إلى ما بعد الجولة الأولى من الجولات الانتخابية المتعاقبة الثلاث، إلى الانتخابات الرئاسية، فنطرح جملة من الأسئلة والتساؤلات: هل سيكون الرئيس عباس (84 عاماً) مرشح فتح للانتخابات، وكم سيكون قد بلغ من العمر عند إتمام ولايته الدستورية، دع عنك حكاية التمديد؟…هل ثمة مرشح فتحاوي يحظى بتأييد أجنحة فتح المتنافسة، ويقوى في الوقت ذاته، على مرشح تدعمه حماس (بعضهم طرح اسم خالد مشعل)؟ ويتناسل من هذا السؤال سؤال آخر: هل من الضروري أن يكون الرئيس من فلسطيني الداخل؟…هل يمكن الوصول إلى «مرشح توافقي» للرئاسة المقبلة؟…وهل بالضرورة أن يكون من حركة فتح، أم أن حالة التوازن في القوى بين الفصيلين الرئيسين، ربما تملي الاتفاق على «مرشح توافقي» من خارجهما؟…هل سيكون بمقدوره ممارسة صلاحيته وهو الآتي من خارج رحم الفصائل، كرئيس للجميع وفوق الجميع؟…ألا يمكن أن يكون ذلك مدخلاً لإصلاح النظام السياسي الفلسطيني، وتفكيك عرى تبعيته واستتباعه لفتح (الضفة) وحماس (غزة)؟
الأسئلة والتساؤلات التي أدرجناها ليست سوى غيض من فيض ما يدور في رؤوسنا جميعاً، بيد أننا نجحم عن طرحها، إما لخشية من «الهيمنة السلطوية» للفصائل أو لأسباب تتعلق بصعوبة الإجابة عليها، وتعذر ترجمتها…لكن السؤال الأكثر أهمية مما سبق هو: أي من تلك السيناريوهات، يمكن أن يخدم على نحو أفضل مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته واستراتيجيته الوطنية المزدحمة بالاستحقاقات؟