عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
أكتب للقراء الأردنيين بدافع معرفة الحقيقة لما يجري من صراع بين أرمينيا وأذربيجان في اقليم كاراباخ الذي يقع وسط الأراضي الأذربيجانية ، والذي احتله الأرمن في سنوات التسعينيات بعد انفراط الاتحاد السوفيتي واستقلال دوله التي كانت تشكل ذلك الاتحاد..
استغل الأرمن حالة الفوضى التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفيتي فشنوا هجوما على أذربيجان، واحتلوا هذا الإقليم الذي تبلغ مساحته (4) الاف كم2 ولا يتجاوز عدد سكانه (150) الف نسمة، وهو منطقة جبلية مرتفعة خصبة وغنية بالزراعة ومصادر المياه ، وقام الأرمن على الفور بتغيير التركيبة السكانية في الإقليم ، إذ طردوا سكانه الأذربيجانيين وأحلّوا مكانهم أرمن ليكون الاحتلال الديمغرافي كافيا للمطالبة بالإقليم، رغم أن الأرمن في الإقليم الذي كان جزءاً من الأرض الأذرية لم يكونوا مضطهدين شأن كافة الشعوب السوفيتية التي أقام ستالين فيها تغييرات كبيرة حين كان ينزل قوميات اثنيات وطوائف و مجموعات سكانية من دوله في دولة اخرى وينقل مجموعات الى مناطق بعيدة في عموم الاقطار التي كانت سوفيتية، ليضمن بهذه الخلطات عدم قدرة هذه الدول على الانفلات من التبعية السوفيتية، ويبقى هذه الاقليات لخلق اضطرابات يمكنه التحكم فيها..
الاقليم الذي اعاد الآن تفجير الاوضاع بين اذربيجان وارمينيا كان سبب انطلاق شرارة الحرب ..
اذربيجان التي خسرت الحرب في بداية التسعينيات من القرن الماضي في صراعها مع ارمينيا وخسرت ايضا اراضيها حيث تزيد المساحة التي احتلتها ارمينيا من اراضي اذربيجان عن 20 % من مساحة اذربيجان غير اقليم ناغورنو كاراباخ، و هذه الاراضي لم يعيدها الأرمن بل استمروا في احتلالها حتى الآن رغم صدور عشرات القرارات الدولية، وتشكيل العديد من اللجان من الاتحاد الاوروبي وحتى الولايات المتحدة، ورغم ما حظيت به اذربيجان من تأييد دولي ومنظمة المؤتمر الاسلامي والعديد من الدول العربية إلا ان كل ذلك لم يحرك ساكنا ولم تقنع ارمينيا بالانسحاب من الاراضي الاذربيجانية ،وظلت على موقفها في الاحتفاظ بأرض الاذربيجانيين الذين نزحوا منها باتجاه وطنهم الأم، وقد عانى اكثر من مليوني اذربيجاني اللجوء والنزوح والمعاناة، وقد رأيت مخيماتهم التي امتدت لسنوات طويلة، كما رأيت العديد من الأسر والاطفال ينامون في العراء او عربات القطارات القديمة وبين الاشجار، وسط تهديدات مستمرة بقصف مواقعهم بعد تدمير قراهم واحراقها، فقد عُرفت الحرب تلك بـ “حرب قتل المدنيين” الذين تعرضوا لمختلف اشكال التنكيل، و كانوا ضحايا تلك الحرب..
لقد استنزفت الحرب اموال البلدين وافقرت موازناتهما، ورغم وجود النفط في اذربيجان الا ان اذربيجان توقفت عن القتال لحوالي 30 سنة واكتفت بالمطالبات بانفاذ القرارات الدولية، لكن لم يستجب لذلك الارمن .. ولم تكن الاوضاع الاقتصادية في ارمينيا تُمكن الارمن من ان يفعلوا اكثر فارمينيا بلد فقير لا نفط فيه ولا غاز، ولكنه يحظى بدعم الجاليات والطوائف الارمينية في مختلف انحاء العالم بما في ذلك الارمن في البلاد العربية الذين ظلوا يهبون لنصرة ارمينيا وتقديم المساعدات لها، كما ظلوا يتطوعون للقتال في صفوف جيشها، وقد رأينا ذلك اخيرا في الحرب الدائرة الآن حيث يتدفق الأرمن من سوريا ولبنان وغيرهما إلى ارمينيا التي تستقدم أيضا مقاتلين من مختلف أنحاء العالم للقتال في اقليم ناغورنو كاراباغ الذي استطاعت أذربيجان أخيرا أن تحرر أجزاء منه منذ هجومها الأول الأسبوع الماضي..
الوضع الحالي في الإقليم يستدعي الانتباه من مختلف دول العالم و قد يكون سببا في اتساع الصراع عشية الإنتخابات الأمريكية التي قد يكون لها اثر في نشوب هذا الصراع مجددا في منطقة القفقاس الحساسة وذات التركيبة الفسيفسائية والتي تدور في فلك روسيا الاتحادية ويبدو أنه مطلوب توريط تركيا التي استدارت باتجاه الشرق لتؤيد أذربيجان وتحميها بعد أن كانت تتوجه باتجاه الغرب الى اليونان وقبرص حين توترت المنطقة كثيرا نتاج فرص وجود الغاز جوار قبرص وحتى في المياه الاقليمية التركية وهو ما دفع تركيا لإرسال سفنها المدنية للتنقيب والعسكرية للحماية، فكان لابد من صناعة جبهة في الشرق تشغل تركيا عن جبهه الغرب وهذه الجبهة الجديدة تشجع على فتحها فرنسا وبعض دول أوروبا التي أعلنت تهديدها لتركيا…
في الصراع الذي تجدد اخيرا ومنذ جموده قبل 30 سنة باحتلال الأرض الأذربيجانية وقعت متغيرات عديدة في مواقف الدول المحيطة بالأزمة او التي كانت تتدخل فيها فقد تغير الموقف الروسي القديم ليكون اكثر حيادية واعتدالا الآن، وهذا لصالح اذربيجان ورغم أن روسيا ترتبط باتفاقيات دفاع عسكرية مع ارمينيا كما أن الموقف الإيراني لم يعد كما كان من انحياز واضح للأرمن وذلك بسبب العلاقات الإيجابية الإيرانية التركية إذ أن الطرف التركي يضغط على إيران لابقائها محايدة كما أن العلاقات الإيرانية الاذرية تطورت ايجابيا في السنوات الأخيرة خاصة في مجال الأمن و على طرفي الحدود…
إذ أن اذربيجان تشارك إيران في حدودها عبر اقليم ناختشفان الاذربيجاني و يفصل بينهما نهر اراس ولم يعد تصدير الثورة الإيرانية الى دولة الجوار الأذربيجانية قائما بعد عقد اتفاقيات مع اذربيجان وتفاهمات مع اقليم ناختشفان وتنسيق دوريات الحدود…
ويبدو أن أذربيجان عازمة هذه المرة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي عاشتها في ظل هبوط أسعار النفط على مواصلة الحرب إلى أن يضمن المجتمع الدولي والدول المهتمة بالصراع تسوية تعود بموجبها الأراضي الأذربيجانية وتستطيع أذربيجان بذلك تحرير أرضها التي طال زمن احتلالها ولم يعد ممكنا استعادتها الا بهذا الشكل من الصراع الذي قد يجبر ارمينيا على الجلوس الى طاولة مفاوضات تفضي للانسحاب فهل يحدث ذلك…
وهل يستطيع نظام الحكم في اذربيجان الذي واجه ضغوطا شعبية عديدة بعد فشل القرارات الدولية على إجبار ارمينيا على الانسحاب هل يستطيع نظام الرئيس الهام علييف أن يقنع الأذربيجان بالتوقف عن الحرب دون التحرير أو الحصول على ضمانات لذلك إذ أن الشروع في هذه الحرب كان مطلبا شعبيا اذربيجانيا ظلت القيادة الأذربيجانية لالتزاماتها الدولية تؤجله…
اعتقد أنه ليس أمام الحكم في أذربيجان إلا الانخراط المدروس في هذه الحرب و تفعيل الدبلوماسية الأذرية عبر العالم بشكل أكثر كفاءة وكما يفعل الأرمن الذين يستقطبون الأنصار والمؤيدين بشكل واسع رغم ان قرارات الشرعية الدولية ضدهم ورغم ادراك معظم دول العالم انهم يحتلون أرض أذربيجانية منذ ثلاثين سنة لم ينسحبوا منها..واذا كان الخلاف هو على إقليم كراباغ الذي تصر أذربيجان على استعادته وتؤيدها تركيا في ذلك فإن على الأرمن أن يعيدوا ما مساحته 20% من أراضي أذربيجان التي احتلت بسبب أزمة إقليم كاراباغ وان يكون المجال تكتيكيا مفتوحا للتفاوض على الاقليم إن كانت ارمينيا تريد الانفراج ووضع حد لنهاية هذه الحرب التي قد تغذيها أطراف دولية لأسباب تدركها تلك الأطراف….
الأردن يتمتع بعلاقات طيبة مع الطرفين الأذربيجاني بما يربط الملك عبد الله الثاني من علاقات مع الرئيس الهام حيدر علييف وأسرته وفي أكثر من زيارة متبادلة واتفاق مبرم وأيضا مع ارمينيا وان بدرجة أقل مع أن أذربيجان ابدت ملاحظات ناقدة إزاء الموقف الأردني بالقول إن الأردن غير الرسمي باع أسلحة لارمينيا قبل هذه الأزمة الأخيرة واثناء التحضير لها وقد تفاعلت تلك الادعاءات التي رد الأردن عليها ونبّه إلى ضرورة معالجتها دبلوماسيا….
يبقى القول أن الأردن على مسافة واحدة من البلدين والدولتين ويجب أن يكون كذلك بغض النظر عن موقف الشارع بين مؤيد لهذا الطرف او ذلك… وقد يرشح الحياد الإيجابي الأردني الأردن ليلعب دورا في حل هذه الأزمة والتوسط لدى الطرفين فليس بالضرورة أن تكون الدول الكبيرة أكثر قدرة على نزع فتيل الأزمات من دول صغيرة أن أحسنت العمل واثبتت القدرة على الحياد ولنا في دبلوماسية سلطنة عُمان نموذجا في جلب إيران والولايات المتحدة إلى طاولة الحوار في الاتفاق النووي بينهما والذي افسده ترامب …
صراع أذربيجان ارمينيا يشبه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فهناك أرض محتلة وهناك قرارات شرعية ودولية لم تنفذ وهناك توتر جاهز ومستمر يؤذن بالانفجار في أي لحظة ما دام الاحتلال قائما وهذا ما يحدث الآن في شرق القفقاس بين ارمينيا واذربيجان…