عروبة الإخباري – أصدرت سفارة جمهورية أذربيجان لدى المملكة الأردنية الهاشمية بيانا صحقيا حول ( مرور 26 عاما من التوقيع على “عقد القرن”)
وتاليا نص البيان :
بيان حول :مرور 26 عاما من التوقيع على “عقد القرن”
لقد مرت 26 عاما من التوقيع على “عقد القرن” الذي سجله التأريخ الأذربيجاني بأحرف ذهبية والذي لعب دورا هاما في مصير شعبنا ودولتنا. ففي 20 سبتمبر عام 1994، قامت الشركة النفطية الحكومية لجمهورية أذربيجان (سوكار) بتوقيع “عقد القرن” مع 11 شركة نفطية عالمية رائدة حول الإستثمار المشترك وتوزيع الحصص لحقول “آذاري” و”تشيراق” و”قوناشلي”. وشهدت السنوات المتعاقبة توقيعا على 35 عقدا مع 41 شركة نفطية من 19 دولة. قد صاغ هذا الحادث الخريطة الجيوإقتصادية لمنطقة أوراسيا وكذا أضحى عاملا حاسما في التنمية اللاحقة لأذربيجان حديثة الإستقلال وشراكتها مع المجتمع الدولي.
ليس من باب السر أن الطريق المؤدي الى “عقد القرن”، قد إجتاز المصاعب والمتاعب والعقبات وتحقق بفضل العزيمة الحديدية والحزم الصلب للزعيم الوطني للشعب الأذربيجاني ورجل سياسي ورجل الدولة البارز حيدر علييف وسياسته الثابتة تجاه تقوية الدولة. وعلى إثر إستعادة إستقلال الدولة في مطلع التسعينات، أول ما كان يقف أمام أذربيجان هو توفير الموارد المالية التي كانت بحاجة مآسة اليها لتنمية البلد. وكمن المخرج الوحيد آنذاك في إستثمار وتصدير الإحتياطيات الهيدروكربونية في بحر قزوين الى الأسواق العالمية وإنفاق الموارد المتلقاة لتلبية إحتياجات البلد ونموه الإجتماعي والإقتصادي المقبل.
غير أن جذب الشركات النفطية الرائدة لإنتاج وتصدير موارد الطاقة الغنية لأذربيجان وتذليل المعوقات في هذا الإتجاه، كان مهمة عسيرة، خاصة بسبب المواجهة الإقليمية والوضع المتزعزع في حوض بحر قزوين والبحر الأسود ومنطقة جنوب القوقاز خلال أعوام 1991-1993، بما في ذلك الفوضى وغياب السلطة في أذربيجان والسياسة الفاشلة وغير الكفءة لدى القوات السياسية الحاكمة. وحتى إعتبر بعض المحللين حينئذ أن تنفيذ مشاريع النفط والغاز في القطاع الأذربيجاني من بحر قزوين بمشاركة إئتلاف الشركات الدولية، يعد وهما وإستحالة.
وبعد عودة الزعيم الوطني حيرد علييف الى السلطة في عام 1993، إنتهت المواجهة الأهلية وإستتب الإستقرار الإجتماعي السياسي وتلطفت جزئيا العلاقات المتوترة مع دول الجوار وتلقت الإستثمارات الأجنبية ضمانا حكوميا هاما، مما شد إهتمام الشركات الغربية الضخمة المعنية بمجال النفط الى منطقة بحر قزوين ومهد طريقا لصياغة وتوقيع العقد المذكور أعلاه العابر للجنسيات.
لقد إستطاع الرئيس حيدر علييف إنتهاجا للسياسة الحازمة والبعيدة النظر أن يخرب مخططات بعض الدوائر الإقليمية والدولية التي سعت الى تعطيل إبرام “عقد القرن” عن طريق تضخيم قضية وضع بحر قزوين. وتمكن القائد العظيم حيدر علييف بحكمة من إقناع كافة الأطراف غير الراضية بأن أذربيجان لا تنتهك بهذه الخطوة المصالح السياسية الإقتصادية لاي دولة، بل وبالعكس، تشكل ظروفا متكافئة للتعاون والشراكة.
كما إقتدر الزعيم العظيم على تأمين التماشي الأقصى لمصالحنا القومية مع كل العقود النفطية التي كانت المزمع عقدها مع الشركات النفطية الأجنبية. أسفرت جهوده المستمرة في عام 2002 وضع حجر الأساس لخط الأنابيب للنفط باكو – تبيلسي – جيهان، إلا أن البعض زال يعتبره وهما أو “خط الأنابيب على الورق”. بيد أن خط الأنابيب هذا ذي الشأن العالمي في الفترة الحديثة، بات عاملا رئيسيا في سياسة أذربيجان المتصلة بتصدير بديل لموارد الطاقة الى الأوساق العالمية.
وتعيين السيد/ إلهام علييف، نائب رئيس الشركة النفطية الحكومية، أصبح إحدى خطواته الحكيمة وبعيدة النظر. إذ أن السيد/ إلهام علييف الذي شارك بصورة مباشرة في المفاوضات مع الشركات النفطية الأجنبية، قد وفر بخبرته وحنكته الهائلة صياغة كافة العقود النفطية المرتقبة بما تتوافق مع مصالح شعبنا القومية.
وشهد 25 مايو عام 2005 مراسم الإفتتاح لخط أنابيب النفط باكو – تبيليسي – جيهان، حيث إنطلقت عام 2006 عملية نقل النفط الأذربيجاني من ميناء جيهان التركي. بيد أنه تم في عام 2007 عبور الغاز الأذربيجاني المستخرج من حقل متكثف الغاز الطبيعي “شاه دينيز” الحدود التركية من خلال خط أنابيب باكو – تبيليسي – أرزوروم ودخوله في نظام أنابيب الغاز في الدولة الشقيقة. وهكذا، لم تحقق أذربيجان تطوير الحقول الغنية بالنفط والغاز وإستخراج موارد الطاقة فحسب، بل وتشغيل الخطوط التصديرية الجديدة لتدفقها الى الأسواق العالمية وتنويع طرق نقلها أيضا.
وتنحصر الأهمية الجيوسياسية والجيوإقتصادية الرئيسية للعقد في أنه بناء على هذا العقد التاريخي، جرى في أول مرة التأسيس للتعاون الدولي في بحر قزوين والإستخراج والتصدير البديل لموارد الطاقة المملوكة لدول المنطقة وكذلك تنفيذ مشاريع الطاقة والنقل الجديدة العابرة للحدود.
لقد سمح “عقد القرن” لدولة أذربيجان ومؤسساتها الإجتماعية السياسية والإقتصادية بالإستخدام الواسع من الموارد المالية والتقنية التي تملكها الدول الأجنبية. وكل المشاريع العابرة للحدود التي تتحقق ضمن هذا العقد، قد زادت من الأهمية الجيوسياسية والجيوإقتصادية لأذربيبجان في الساحة الدولية بالمقارنة مع دول جنوب القوقاز وبحر قزوين الأخرى وأثرت على تطوير وتعميق الشراكة مع الدول الأجنبية. وإستطاعت أذربيجان بفضل “عقد القرن” الحصول على الموارد المالية والتقاني المتقدمة الضرورية لتنميتها المستقبلية، مما أدى الى تحول دولتنا الى جزء لا يتجزأ من الإقتصاد العالمي.
وحسب التقديرات المبدئية، فإن إحتياطيات النفط المستخرجة من حقل “آذاري – تشيراق – قوناشلي” كانت على مستوى 511 مليون طن، غير أن هذا الرقم تغير لاحقا وفقا للمعطيات الجديدة ليستقر في حد 1،072 بليون طن. وتم إستثمار زهاء 33 بليون دولار أمريكي في إستغلال إحتياطيات النفط والغاز حتى عام 2017 وأستخرج أكثر من 3 بلايين برميل الى اليوم. ما عدا ذلك، جرى إستخراج أكثر من 30 بليون م3 من الغاز المصاحب من حقل “آذاري – تشيراق – قوناشلي” وتسليمه للحكومة الأذربيجانية.
من جهة أخرى، فقد بلغت إيرادات صندوق النفط الحكومي في إطار عقود النفط والغاز منذ عام 2001 ما فوق 150 بليون دولار أمريكي وأكثر من 95 بليون دولار أمريكي منها تحولت الى الموازنة العامة، 9.3 بليون دولار أمريكي أنفقت للمشاريع الإستراتيجية والبنى تحتية والإجتماعية. في الوقت الراهن، تتعدى أصول شركة “سوكار” حاجز 43 بليون دولار أمريكي.
لقد أمنت العائدات من موارد الطاقة تطورت إقتصاديا متسارعا وإقامة البنية التحتية الإجتماعية الإقتصادية والثقافية العصرية وإستحداث كافة مناحي الحياة للجمهورية وتنويع الإقتصاد والتنمية الديناميكية للقطاع غير النفطي. ومنذ 25 عاما، إزداد الناتج المحلي الإجمالي 216 مرة ونصيب الفرد منه 162 ضعفا.
كما شهدت 15 عاما أخيرا تضاعف إجمالي الناتج المحلي 3،2 مرة، بما فيه 2،8 مرة في القطاع غير النفطي والإنتاج الصناعي 2،6 مرة، فيما فيه 2،2 مرة في القطاع غير النفطي والإنتاج الزراعي. وذلك الى جانب إرتفاع دخل الموازنة العامة 13،5 ضعف وإحتياطي النقد الإجنبي 28 مرة لتتعدى 50 بليون دولار أمريكي. ومنذ أعوام 2003-2018، تم إستثمار ما يناهز 250 بليون دولار أمريكي في الإقتصاد الوطني، بحيث تحوز الإستثمارات الخارجية نصف قدرها. وأزيد من 60% من تلك الإستثمارات، تدفقت في تنمية القطاع غير النفطي.
توازى مع ذلك إقرار عدد من البرامج الحكومية التي أدت الى معالجة المشاكل الجذرية وإقامة البنية التحتية الحديثة وزيادة مستوى مشغولية السكان في المحافظات. بشكل عام، شهدت المحافظات أثناء هذه الفترة الإستثمارات قدرها 67 بليون مانات (زهاء 39،5 بليون دولار أمريكي)، بحيث حاز توفير فرص عمل (حتى اليوم تم توفير أكثر من 2 مليون فرصة عمل) على 75% من تلك الإستثمارات.
أما المجال الزراعي، فالتدابير المنظمة في هذا المجال وتطوير القطاعات الزراعية المتفاوتة في الأونة الأخيرة، قد زادت من مستوى الإكتفاء الذاتي من السلع الغذائية لبلدنا ووسعت من قدرتها التصديرية.
ما عدا ذلك، فقد شهدت أذربيجان تكوين البنية التحتية الحديثة للنقل، حيث جرى إنشاء 7 مطارات دولية وتعبيد الطرق العصرية طولها يفوق 14 ألف كم وبناء وتشغيل ميناء باكو الدولي والسكك الحديدية المنطلقة من باكو الى ولاية قارص التركية مرورا بتبيليسي التي تعد إسهاما هاما في تنمية العلاقات التجارية الخارجية وقدرات عبور لبلادنا.
وأضحت أذربيجان مشاركا فعالا في الممرات الدولية للنقل بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب. وأيضا إنضمت الى مبادرة “حزام واحد – طريق واحد” التي سوف تستطيع أن تلعب دورا مهما في رفع قدرات بلادنا في مجال النقل.
كما وفرت العائدت من موارد الطاقة تحقيق السياسة الحكومية المتلاحقة وإعتماد وتنفيذ الحلول الثورية الرامية الى تقوية الرعاية الإجتماعية للسكان وتحسين رفاهية الناس. إذ أنه إرتقى قدر الرواتب بواقع 7،5 مرة والمعاشات التقاعدية تكاثرت 10 أضعاف. في أعوام 2003-2018، إنخفضت نسبة البطالة من 49% الى 5،4% ونسبة الفقر الى 5%. وتم إستحداث وإعادة بناء البنية التحتية الإجتماعية برمتها التي تتواكب مع المتطلبات الحديثة.
وتحمل الحزم الإجتماعية التي أقرها رئيس أذربيجان في بداية عام 2019 صبغة ثورية بكل معنى هذه الكلمة التي تشمل جميع فئات الشعب (4،2 مليون إنسان) وتتضمن زيادة الرواتب والمعاشات التقاعدية والمنح الدراسية، حيث تصل قيمتها 5،3 بليون مانات (نحو 3،1 بليون دولار أمريكي).
ينم مثال أذربيجان الحديثة بوصوح عن أنه منذ توقيع “عقد القرن” الذي يعود تأليفه الى الزعيم الوطني حيدر علييف قبل 25 عاما، بدأت إستراتيجية النفط الجديدة التي تحققت بكل نجاح وضمنت الإستقلال المقبل لبلدنا وشراكته الإستراتيجية مع دول العالم والنتائج الناجحة للنمو الإقتصادي والدور المتقدم سواء على صعيد إقليمي أو دولي وأعطت زخما لدخول أذربيجان في عداد الدول الريادية عالميا.
وبعد أن زاد “عقد القرن” من قدرة أذربيجان السياسية والإقتصادية، مهد لتحقيق العديد من مشاريع الطاقة والنقل العابرة للحدود التي سوف توفر أمن الطاقة إقليميا وأوروبيا وذلك تلبية لمبادرة أذربيجان وزعامتها. وتجدر الإشارة الى أن إكتشاف الإحتياطيات الضخمة من الغاز في حقلي “أوميد” و”باباك” في عام 2010 وحقل “أبشيرون” عام 2011 مع وجود الحقل العملاقي “شاه دينيز”، رفع الإحتياطيات المؤكدة من الغز الطبيعي لتصل 2،6 ترليون م3 ، ما يعني أن أذربيجان تملك قدرة كامنة قد تحولها في المنظور القريب الى إحدى الدول التي لا تصدر النفط بكميات كبيرة فحسب، بل والغاز أيضا.
ويكون في محله إستذكار الواقعة أن النقاشات التي أجرتها شتى الهيآت الأوروبية حول عدة مشاريع مطروحة منذ منتصف عام 2000 نحو ممرات الغاز ، بما في ذلك مشروع “نابوكو”، لم تسفر عن أية نتيجة وفي المحصلة النهائية، إنطلق مشروع “ممر الغاز الجنوبي” الذي طرحه الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف وأقره كل الشركاء.
وفي عام 2011، وقع الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ورئيس المفوضية الأوروبية على بيان مشترك حول مشروع “ممر الغاز الجنوبي” وتبعه التوقيع على الإتفاقيتين المنفصلتين بين أذربيجان وتركيا حول مشروع “TANAP” في شهر يونيو من عام 2012 وبين ألبانيا وإيطاليا واليونان حول مشروع “TAP” في فبراير عام 2013 بالموافقة. كما إحتضنت مدينة باكو في ديسبمر عام 2013 مراسم التوقيع على قرار الإستثمار النهائي في حقل “شاه دينيز-2” الذي دخل التاريخ ك”عقد القرن الواحد والعشرين”، حيث شهدت الفترة المنصرمة إستكمال جميع الأعمال الخاصة بمكونات ثلاثة لمشروع “ممر الغاز الجنوبي” الذي يتحقق بزعامة أذربيجان وهي “شاه دينيز-2″ وخط أنابيب جنوب القوقاز و”TANAP”. أما “TAP”، فهو يعتبر مكونا رابعا للممر ويكون في طور نهائي.
ويمكن الجزم بأن ممر الغاز الجنوبي، سوف يتحول في مدى قريب الى عامل هام في نمو الإقتصاد الأذربيجاني وزيادة الأهمية الجيوإقتصادية لبلادنا سواء في المنطقة أو أوروبا وتنويع مصادر الطاقة وتوفير أمن الطاقة في أوروبا. كما قال الرئيس إلهام علييف، فإن أذربيجان بدبلوماسيتها الفاعلة والموجهة، أحرزت مع شركائها تغييرا على خريطة الطاقة الإقليمية، بل والأوروآسيوية.
من ناحية أخرى، قد جرى في 23 ديسمبر عام 2017 توقيع محضر نوايا بين سوكار والشركة التشغيلية الأذربيجانية الدولية التي تديرها شركة “BP” حول مواصلة الأعمال في حقل “آذاري – قوناشلي – تشيراق” المتواجدة في القطاع الأذربيجاني من بحر قزوين وبالتالي، تجددت مدة “عقد القرن” حتى عام 2050. بمقتضى العقد الجديد، إرتفعت حصة سوكار في الحقل المذكور من 11،65% الى 25%. في الوقت ذاته، تعهدت الشركات الشريكة الدولية بدفع مكافأة مالية قدرها 3،6 بليون دولار أمريكي لصالح صندوق النفط الأذربيجاني.
في الوقت الحاضر، لا تحدد الموارد الطبيعية الغنية فقط آفاقا مستقبلية لنمو دولة، بل وقدرتها العلمية والثقافية والعقلية أيضا، بالإضافة الى الرأسمال البشري الذي يقف فوق كل إعتبار. فلذا، تولي أذربيجان في نموها أهمية كبيرة للعائدات من الموارد الطبيعية الى جانب تحويلها الى الرأسمال البشري وتنفذ السياسة المستهدفة في هذا الإتجاه.