عروبة الإخباري – كتب: منيب رشيد المصري
للمرة الثانية أكتب اليكم مؤكدا على ثقتي بأنكم قادرون على أخذ قرارات تؤسس لسلام حقيقي وتضمن قيام دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل، رغم كل المعيقات الموجودة على الأرض، ومن أهمها المستعمرات الإسرائيلية المنتشرة في جميع الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، واستمرار دولة إسرائيل في سياساتها الهادفة إلى تدمير حل الدولتين عِبر مصادرة الأرض تحت مسميات مختلفة، حيث أنها تسيطر بشكل فعلي على قرابة 70%، من مساحة الضفة الغربية المحتلة، مما يعني أنها فعليت قضت على مفهوم “حل الدولتين” التي هو الأنسب لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والعربي والإسرائيلي، وسوف ينتهي هذا الحل إن لم تتدخلون، بما تملكون من قوة وتأثير، لوقف سياسات دولة إسرائيل في القضاء على هذا الحل المعترف به دوليا، والمعترف به عربيا وإسلاميا من خلال مبادرة السلام العربية 2002، كأساس لحل الصراع القائم.
إن الهروب إلى الامام، ومحاباة دولة إسرائيل، لا بل التماهي مع سياساتها، ودعمها في فرض رؤيتها “للسلام” وأساسها القفز عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والذهاب نحو تطبيع العلاقات مع الدول العربية وعقد معاهدات سلام معها، كما حصل مع دولة الإمارات العربية المتحدة، لن ينتج سلاما ولا استقرارا في المنطقة العربية والاقليم، لا بل سيؤجل الانفجار القادم، لأن دولة إسرائيل وببساطة شديدة قائمة على أساس عقائدي ديني وهدفها النهائي هو تأسيس الدولة اليهودية من النيل إلى الفرات، ولكم يا سيادة الرئيس أن تتخيلوا حجم الكوارث القادمة على المنطقة في حال استمراركم في دعم سياسات دولة إسرائيل المخالفة لمبادئ الشرعية الدولية، ومبادئ الدستور الأمريكي المتمثلة في العدل والحرية والمساواة.
السيد الرئيس: أنا كإنسان عمري يفوق عمر دولة إسرائيل بـــ 12 عاما، وعاصرت كل محطات الصراع، أقول لكم وبكل صدق وتواضع، إن ما تسعون اليه في جر الدول العربية إلى عقد معاهدات “سلام” مع دولة إسرائيل سيبوء بالفشل، ولا يمكن أن تبنوا على ما تم فعليا ما بين دولة الإمارات العربية المتحدة وما بين دول إسرائيل، لأن هذا الاتفاق وببساطة شديدة لن يستطيع إحداث خرقا في الموقف العربي من القضية الفلسطينية، وأعتقد أنكم اطلعتم على تصريحات الأمير تركي، بما تُمثل هذه الشخصية وزنا سعوديا وعربيا ودوليا، حين قال “وضعت المملكة العربية السعودية ثمن إتمام السلام بين إسرائيل والعرب، وهو قيام دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس، بناء على مبادرة المرحوم الملك عبد الله بن عبد العزيز”، والمقصود هنا مبادرة السلام العربية التي طرحت في القمة العربية في بيروت عام 2002، وكان رد إسرائيل عليها هو عملية السور الواقي، وأضاف الامير تركي “إذا كانت أي دولة عربية يناهزها اللحاق بدولة الإمارات العربية المتحدة، فيجب أن تأخذ الثمن في المقابل، ولا بد أن يكون ثمنا غاليا”.
هذه التصريحات تؤكد أن الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل ما هو إلا قفزة في الهواء، وكان بدون ثمن، فلم توقف إسرائيل عملية الضم التي كانت سابقا قد اعلنت عنها، بل تم تأجيلها كما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وأنا، وإن كان لي أن أضيف على تصريحات الامير تركي، الذي تربطني به علاقة شخصية وأكن له الاحترام والتقدير، أقول إن بناء السلام يكون بين الشعوب وليس بين الأنظمة فقط، ولنا في اتفاقية السلام المصرية والإسرائيلية عام 1978، أي قبل حوالي 42 عاما نموذجا واضحا بأن الشعب المصري العظيم ولغاية الآن لم يتقبل فكرة السلام مع دولة الاحتلال رغم أن مصر استعادت أراضيها المحتلة، إلا أن استمرار سلب الشعب الفلسطيني حقه سيبقى عائقا امام أي تطبيع شعبي عربي مع دولة الاحتلال، وهذا النموذج ينسحب على المملكة الأردنية الهاشمية، وباقي الشعوب العربية.
السيد الرئيس: بداية إنهاء الصراع يبدأ من إنهاء الاحتلال، ورفع الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني، – منذ وعد بلفور المشؤوم والباطل في العام 1917، الذي أسس لقيام “دولة إسرائيل” وسلب من الشعب الفلسطيني حقوقه السياسية والمدنية وتعامل مع هذا الشعب الضاربة جذوره في عمق التاريخ على أرض فلسطين على أنه “أقلية” ليس أكثر -، نؤمن بضرورة العيش بسلام وأمن في دولة مستقلة وأن نبني علاقات في شتى المجالات مع دول الجوار ومنها إسرائيل في حال أن أنهت احتلالها وحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة كباقي شعوب الأرض، وأؤكد لكم مرة أخرى بأن محاولات إدارتكم في تجاوز الحق الفلسطيني مصيره الفشل، لأن التاريخ أكد لنا في اكثر من محطة بأن الاحتلال إلى زوال، وأن إرادات الشعوب هي التي تنتصر، وأن السلام يُبنى على أساس العدل، وليس بالإجبار.
السيد الرئيس: نحن أحفاد كنعان، وجذورنا في هذه الأرض ضاربة في عمق التاريخ، ومن يعتقد بأن الأجداد تموت والأحفاد تنسى هو مخطئ، ومن يعتقد بأن تزوير التاريخ وسرقة الزعتر، والمفتول، والكنافة، والثوب الفلسطيني المطرز، والدّماية، والقمباز تعطيه حقا في هذه الأرض هو مخطئ أيضا، فمنذ جدنا الأول كنعان ولغاية الآن لا زالت نساء فلسطين يصنعن الكُحل من حجر الإثمد المطحون، هذا الحجر عمره ملايين السنين، ومر عليه ألف ألف غازي ومُحتل، كلهم ذهبوا وبقي الكحل في عيون الفلسطينيات، فلا تضيعوا الفرصة وليسجل لكم التاريخ بأنكم أنهيتم أطول احتلال وأطول صراع في التاريخ المعاصر .