حقيبة الخارجية العُمانية.. قراءة مبكرة!! / سلطان الحطاب

عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب.
لن تتغير السياسة الخارجية العُمانية في عهد وزيرها الجديد الذي سيواصل نفس النهج وأن بشخصية جديدة تعلمت في وزارة الخارجية واكتسبت كريرها.
كنت التقيت معالي الوزير بدر بن حمد البوسعيدي حين كان أمينا عاما للوزارة، وكان موقع ثقة الوزير بن علوي، كما كان شعلة نشاط ساعده على ذلك الجمع بين ثقافتين العربية والغربية ، فالرجل الذي تخرج من جامعة اكسفورد وتحدث الانجليزية بطلاقة كانت له بصمات في الدبلوماسية العُمانية إزاء الدول الغربية، وفي أكثر من محطة ومناسبة وقضية، وخاصة مع بريطانيا حيث كان نافذة هذه الدلوماسية عليها وذراعها المؤثر..
سيعمل البوسعيدي على تجديد دماء الدبلوماسية العُمانية فما زال يدخل الى الستين من عمره وما زال يود ترجمة الكثير من أفكاره ومعتقداته الدبلوماسية..
حين بدأت أقرأه بعد أن نودي به للمنصب حيث تولى ذلك بسلاسة ، باعتباره أمينا عاما صعد إلى موقع الوزير ، وهذه من سمات الإدارة العُمانية التي لا تؤمن بالانقلابية ولا حرق المراحل أو الارتجال..
لقد وجدت في كلام الوزير البوسعيدي المنشور قبل سنوات والذي تتبعته ما يعكس النهج الثابت للدبلوماسية العمانية التي ظلت تؤمن بالحياد الإيجابي وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وتحرص على عكس طبيعة المواطنة العُمانية ، وتعميق جذورها وتعزيز انتمائها، فكل شيء في السلطنة يصب في تعزيز هوية العُماني ومصالح البلاد الوطنية.
لن يذهب البوسعيدي الجديد في قيادة وزارة الخارجية باتجاه التغريب بل سيظل تأثره بالنهج السابق قائما، كما سيظل يأخذ بتوجيهات السلطان هيثم الذي قاد وزارة الثقافة والتراث وعُرف بشخصية عُمانية مدافعة عن الهوية الوطنية والتراث والتأصيل والحث على الأخذ بأسباب المعاصرة والاستفادة من كل جديد نافع.
العُمانيون كمسؤولين وفي شتى مواقعهم سواء كانوا من عامة الشعب أم من الأسرة الحاكمة لا تأخذهم عزة أسمائهم أو عائلاتهم بالإثم أو التمييز ولا يتفاخرون بذلك اطلاقا ولا يجدون في النسب ما يميزهم عن غيرهم سوى حب عُمان سواء كان المسؤول من الاسرة الحاكمة أو من غيرها من الأسر العُمانية ، فإن ذلك لا يعني في سلطنة عُمان امتيازا لأحد وإنما يحاسب المسؤول على ما قدم وما سيقدم.
الوزير الجديد منطلق من رؤية عليها اجماع وطني كما ينطلق من وعي وطني عام ومن خبرة وزارته التي عمل فيها طويلا منذ تخرجه وقد تدرج في مناصبها كموظف دبلوماسي إلى أن أصبح وزيرا، ولذا فإنه يستند إلى تراكم من التجربة والخبرة واكتساب الرأي وحتى القياس على ما كان في الوزارة من نهج سابق ساهم شخصيا في تعزيزه والعمل عليه..
كنت وأنا أضع كتابي عن “الدبلوماسية العُمانية في نصف قرن” والذي ما زال ينتظر الطباعة عند قول الوزير البوسعيدي..”أن الدبلوماسية العُمانية تهتدي بعدد من المبادىء الأساسية المستمدة من هذه التجربة التاريخية فالسلطنة تسعى دائما إلى حل النزاعات بالسبل السلمية، وإلى المحافظة على سياسة حسن الجوار والقنوات المفتوحة لتحقيق التفاهم والحلول المفيدة للجميع ففضلت السلطنة على الدوام انتهاج اسلوب الحوار وتحقيق التفاهم وبناء العلاقات المتبادلة انطلاقا من القناعة بأن هذا الاسلوب هو أقوى أساس للسلام والأمن والاستقرار” .
سمعت كلام الوزير أيضا وهو يقول: “أن ما تقوم به السلطنة على مختلف الأصعدة الأقليمية والدولية إنما يجسد المنهجية العُمانية الراسخة التي تقوم على أسس من المساواة والشفافية في التعامل مع كل الدول والقضايا الأقليمية”.
ويرى البوسعيدي أن العلاقات الدولية والمصالح المشتركة تحتم على السلطنة الوقوف موقفا ايجابيا يساعد دول العالم والمنظمات الدولية على حفظ السلم والأمن والاستقرار في المنطقة.. وهنا يلمس المراقب مراهنة هذا المثقف (البوسعيدي) على دور المنظمات الدولية في تعزيز الثقة بمواقف كثير من الدول ودور هذه المنظمات في حمل الرسائل وانفاذها وترجمة الكثير منها .. فقد خبر البوسعيدي ذلك وظل يتمتع بصلات واضحة مع هذه المنظمات التي ارتبطت مواقفه بها بحميمية حين كان يستخدمها في تمرير رسائل بلاده المختلفة لما لها من فاعلية.
البوسعيدي في نهجه لم يخرج عن النهج الثابت للدولة العمانية بل يعمل على تأكيد هذا النهج وتطويره بما يتناسب مع الإيقاع القائم في الداخل والخارج، حيث يقود السلطان هيثم البلاد بروح شبابية جديدة تؤكد الدور الكبير الذي أسسه السلطان الراحل قابوس، وتسعى السلطنة الآن لتنفض كل ما تراكم من بطء سببه مرض السلطان الراحل والانطلاق بعُمان الى أفاق أرحب رغم التحديات القاسية والشديدة وتبدل مواقف الدول في الجوار والإقليم وإعادة موضعة الكثير من سياساتها التي تفرض على السلطنة الإجابة على أسئلة أو إتخاذ مواقف ظلت السلطنة تحذر منها وترى أن أسلوب الاحتواء والانسياب الهادئي الذي يحفظ مصالحها هو الأنسب والأكثر التصاقا بنهج السلطنة ومواقفها…
يرث البوسعيدي حقيبة الخارجية التي خبرها وعمل فيها و ترك بصمات عليها منذ أن كان أمينا عاما وهو يرى ان النهج المتبع كان صائبا وأن المتغيرات التي قد تحدث هي نتاج ظروف مستجدة قد تملي مواقف تكتيكية تخدم الإستراتيجية العمانية وثوابتها التي ظلت عمان تتميز بها عبر فترات طويلة ومحطات عديدة..
ان تحدي التطبيع الذي ضربت بؤر منه منطقة الخليج من خلال ما أصاب الإمارات يفرض قراءة جديدة بدأتها سلطنة عمان التي دائما تُعمل العقل والمنطق وتستحضر المصالح العمانية وشبكة علاقاتها القائمة في منطقة الخليج وعبر مجلس التعاون المصاب باستقطاب شديد وانقسامات وأيضا خارج المجلس من دول الجوار وأبرزها إيران…
لقد حافظت الخارجية العمانية التي يوجه رسالتها السلطان دائما وهي في توجيه السلطان هيثم الآن على لغة مقروءة وجملة قابلة للإعراب فالعمانيون منذ كانت دولتهم الحديثة ذات الجذور الضاربة في القدم وهم يحتفظون ببوصلة التوجه الذي يخدم أمنهم واستقرارهم ومصالحهم وحتى استداراتهم كانت تتم بعد تحديد الأهداف وتعيين البوصلة وليست بشكل ارتجالي أو سريع…
لسلطنة عُمان مواقف مقروءة من اليمن ومن التحالفات القائمة عليه ولآجله ولهم أيضا مواقف معلنة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ورؤية لما تمثله مصر في المنطقة وحتى الصراع الدائر في ليبيا و ليس شرطا أن يكون الموقف العماني في وسائل الاعلام من خلال كثير من القضايا المطروحة وان كانت ملفات الخارجية في الماضي والأن تحمل أسئلة وأجوبة على كثير من الحالات القائمة وحتى المتفاقمة في المنطقه كلها سواء في امتدادها العربي أو خارجه…
السلطنة الآن كما يتحدث البوسعيدي ليست في حاجة إلى الحديث عن مواقف جديدة أو مستجدة من مواقفها الثابتة إلا ما يلزم حين تتحرك الاتجاهات المقابلة واذا ما كان من جمر تحت الرماد حاولت أطراف ان تحركه لاسبابها ورأت فيه السلطنة خطرا، فإن المعطيات التي تعيشها سلطنة عمان تثبت اليقظة والانتباه والاهتمام وحتى الإستعداد لأي طارئ أو متغير فالسلطنة في نهجها لا ترغب بالمفاجئات ولا تتعامل بردود الفعل ولا تبنى من دوافع غير واضحة ولا تؤمن بالقفز أو الهروب الى الأمام وانما تحسب لكل خطوة ما يلزمها ولكل موقف لغة مناسبة لا تستفز أحدا…
السلطنة في نهجها السياسي الذي عرفناه عنها من قرارات متصلة تؤمن بأن تّبين الأطراف الاقليمية المختلفة عذرها ودوافعها بدل ان تّبين تقصيرها أو محاولات الصاق ذرائعها بالغير …
لن نستعجل في قراءة نهج الوزير البوسعيدي الذي ما زلنا نقرأه على ضوء ما سبق وسيأخذ الرجل فرصته حتى يكون جاهزا لوضع بعض النقاط التى تحتاج الحروف إليها في مسيرة السلطان الجديد الذي يحظى بإجماع العمانيين والتفافهم وقبولهم للتحديات التي حذر منها…

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

القطريون يصوتون على التعديلات الدستورية