كان كل شيء قد تجمد منذ أسابيع، إسرائيل وبقرار أميركي صريح تراجعت عن الضم من طرف واحد، فقد اشترطت الإدارة الأميركية التنازل عن أراض محتلة للفلسطينيين والقبول بخطة السلام “صفقة القرن” كاملة قبل الإقدام على ضم ثلاثين بالمائة من أراضي الضفة الغربية المحتلة.
في الأثناء كانت الاتصالات الأميركية الاسرائيلية مع الإمارات العربية المتحدة قد نضجت لتوقيع اتفاق لتطبيع العلاقات مع تل أبيب. لقد بدا مشروع السلام الإقليمي مخرجا ملائما من الإحراج، وتعويضا مقبولا عن خطوة الضم.
الضم لم يعد يحمل قيمة مضافة لإدارة ترامب في معركتها الانتخابية، والعالم كله تقريبا وقف ضد الخطوة، ونشير هنا إلى أن الموقفين الأردني والفلسطيني لعبا دورا محوريا في حشد القوى الدولية ضد الخطوة الإسرائيلية، وبلغ الأمر درجة عالية من الخطورة مع تصريحات الملك عبدالله الثاني لمجلة دير شبيغل الألمانية.
والمرجح حسب تقديرات دبلوماسية ألا يتاح الوقت أمام نتنياهو لتنفيذ قرار الضم قبل الانتخابات الأميركية، وفي حال خسر ترامب تصبح صفقة القرن برمتها في مهب الريح بالنظر إلى موقف جو بايدن منها وتمسكه بحل الدولتين وفق مقاربة إدارة باراك أوباما.
لكن في الحالتين فإن مسار السلام الإقليمي يضيف مزيدا من الخسائر على الجانب العربي والفلسطيني. في واشنطن وتل أبيب هناك إجماع في أوساط الدبلوماسيين والاعلاميين على أن دولا عربية ثلاثا على الأقل في طريقها لتوقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وأن ذلك سيحصل قبل موعد الانتخابات الأميركية تشرين الثاني “نوفمبر” المقبل.
ذلك يعني باختصار أن مبادرة السلام العربية التي رهنت التطبيع باعتراف إسرائيلي بالحق الفلسطيني المشروع وفق مبدأ حل الدولتين لم تعد قائمة فعليا، وهو المبدأ الذي أعاد التأكيد عليه بيان وزارة الخارجية الأردنية قبل أيام قليلة.
كان الالتزام العربي بهذا الخيار آخر ورقة تشير إلى تمسك العرب بثوابت القضية الفلسطينية. وفي ضوء المتغيرات الأخيرة والمحتملة يبدو من الصعب على الجامعة العربية إعادة بناء الإجماع العربي حول أهم قضية عربية في تاريخهم المعاصر، وقد يتسبب ذلك بانقسامات تعجز معها الجامعة عن عقد قمة عربية ناجحة في المستقبل أو إصدار بيان موحد في هذا الشأن.
والمفارقة أن خطوات التطبيع العربي هذه تأتي في وقت يهيمن فيه اليمين المتشدد على الحكم في إسرائيل، بعكس ماحصل من خطوات تطبيع”خليجية” بعد مؤتمر مدريد، تم التراجع عنها لاحقا مع اختلاف التوجهات الإسرائيلية.
ما يجري حاليا يتوافق تماما والموقف الإسرائيلي القائم على مبدأ “السلام مقابل السلام” والذي يعتبر التطبيع الإقليمي مدخلا للتسوية مع الفلسطينيين وليس العكس.
لقد أصبح التطبيع بحد ذاته هو الهدف وليس السلام العادل والشامل القائم على قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، والتطور المخيب في هذا الصدد، أن قوى دولية وازنة توافق على ذلك دون اعتبار لتداعياته على مسار الحل العادل وفق مبادئ الشرعية الدولية.
في الأسابيع والأشهر المقبلة سنشهد حركة دبلوماسية من أطراف عربية فاعلة لإعادة التأكيد على ثوابت الحل العادل، والتخفيف من الآثار السلبية لخطوات التطبيع العربي في سبيل وقف الانهيار الكامل للموقف العربي.