أعلن وزير النقل خلال الاسبوع الماضي أن جائحة كورونا أخرت العمل على استقطاب وطرح عطاءات تشغيل وتطوير مطار ماركا ، وكان رئيس وحدة الشراكة بين القطاعين العام والخاص قد اشار في شهر أيار الماضي الى أن الحكومة مستمرة بالعمل في مشاريع الشراكة، حيث سيتم اقرار مشروع شراكة كل ثلاثة أشهر، وأن هذا العام سيشهد طرح ثلاثة مشاريع رئيسية للشراكة، بما فيها تطوير البنى التحتية لمطار ماركا بهدف نقله للمعايير العالمية لتحضيره كمشروع للشراكة مع القطاع الخاص حيث ستعمل الحكومة على تنفيذه مع مجموعة المطار الدولي ليصبح رديفاً لمطار الملكة علياء، بالإضافة لجعله مطاراً منخفض التكاليف لجذب السياح.
كما ستعمل الحكومة على طرح مشروع تطوير جسر الملك الحسين، بهدف تعزيز الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الاقتصادين الأردني والفلسطيني حيث سيشمل هذا المشروع على مدن صناعية وخدمات لوجستية متقدمة، اضافة لذلك سيتم العمل على طرح مشروع لبناء وتطوير 600 مدرسة حكومية بالشراكة مع القطاع الخاص وهو المشروع الثالث لهذا العام، وسيبدأ بتنفيذ 15 مدرسة حيث ستتعاقد الحكومة مع القطاع الخاص لبناء هذه المدارس وادارتها من دون التدخل بالعملية التعليمية.
كما أن هناك مشاريع بقيمة 345 مليون دينار سيبدأ تنفيذها مطلع العام القادم، وكان رئيس الوحدة قد أعلن في أوائل شهر أيار ، وبعد أن دخل قانون مشروعات الشراكـة بين القطاعين العـام والخاص – رقم (17) لسنة 2020 حيز التنفيذ، “أن الوحدة ستقوم بطرح مجموعة من المشاريع ابتداء من الشهر المقبل” أي شهر حزيران”، تتلخص في مشاريع تطوير مطار ماركا المدني، تشغيل واستثمار الباص السريع داخل أمانة عمان والباص السريع بين محافظتي عمان والزرقاء، مشروع سكك الحديد الوطنية، ومشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر”، ومن الواضح أن الطموحات كانت كبيرة ولكن الواقع المستجد والذي لم يكن يخفى على أحد، قد فرض شروطه على هذه الطموحات تماماً كما فرض كثيراً من الشروط والتحديات على مختلف القطاعات الاقتصادية.
في الظروف الحالية وفي الوقت الذي تجد الحكومة نفسها مضطرة لتخصيص موارد ونفقات اضافية لحماية الصحة العامة ولتحفيز القطاعات الاقتصادية ولبذل كل جهد ممكن للحفاظ على الوظائف ولدعم الاسر المتضررة ، تعاني ايضاً من عدم القدرة على تحقيق الايرادات المستهدفة نتيجة للاغلاقات ولتراجع الاستهلاك والانتاج في أن معاً ، ما ادى الى مزيد من تراكم المديونية العامة ، ولكن هذه المصاعب لا يمكن ان تؤدي الى تراجع احتياجات المواطنين من الخدمات الاساسية التي يفترض بالدولة ان تعمل على توفيرها لكافة المواطنين، ولكنها يمكن أن تشكل فرصة للتركيز على الاولويات ومعالجة الثغرات.
من المفهوم ان تواجه الخطط الحالية والمستقبلية لمشاريع الشراكة مصاعب جمة في حال استمرار الظروف الراهنة ،خاصة ما يتعلق بالقدرة على توفير التمويل اللازم للمشاريع ، علماً بان المبلغ المخصص لمشاريع الشراكة في موازنة عام 2020 والبالغ حوالي 108 مليون دينار أصبحت امكانية استخدامه موضع شك .
ولعل هذا الامر لا يستدعي قلقاً يماثل ما قد تجلبه الازمة الحالية من تداعيات على مشاريع الشراكة القائمة والعاملة في المملكة، فمشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص ليست جديدة على الاردن، فقد تم خلال العقد الاول من هذا القرن تنفيذ عدد من مشاريع الشراكة وبانماط متعددة، وذلك بهدف تخفيف الضغوط على المالية العامة، والمساهمة في تحسین المناخ الاستثماري، واتاحة الفرصة للقطاع الخاص للاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة في مختلف القطاعات الاقتصادية بما في ذلك قطاع البنیة التحتیة. وشملت المشاريع في نطاق هذه الشراكة عدداً من القطاعات مثل الطاقة والمياه، ولا زال كثيرهذه المشاريع يعمل ويحقق نتائج ايجابية، ومثال على ذلك مشروع مطار الملكة علياء وخربة السمرا، وبعض عقود الادارة في مجال المياه وغيرها.
وبالرغم انه وخلال السنوات العشر الاخيرة لم نشهد التقدم المأمول في هذا المجال الا ان ذلك لا يعني اهمال الانجازات التي تحققت ، خاصة وأننا لا يمكن أن نغفل أهمية الشراكة كأداة تنموية يمكن أن تساهم في إيجاد فرص العمل، وبناء مشاريع البنية التحتية، وتوفير خدمات أفضل وأقل كلفة على المواطنين، وبالتالي تحقيق تنمية اقتصادية تشكِّل بدورها رافعة لتحقيق تنمية بشرية ، وتنمية شاملة مستدامة في مواجهة تحديات الفقر والبطالة.
وعلى نحو مماثل لما شهدته العديد من القطاعات الاقتصادية فقد تاثرت مشاريع الشراكة العاملة بما استجد من متغيرات، فمثلاً مشروع مطار الملكة علياء يمكن اعتباره ضمن القطاعات الاشد تأثراً، فهذه المشاريع وغيرها فقدت جزءً كبيراً من دخلها مما يستدعي التساؤل حول قدرتها على الاستمرار في حال عدم التوصل لتفاهمات محددة مع الجهات ذات العلاقة.
ومن جانبها ستعاني الحكومة جراء التزامها مع بعض مشاريع الشراكة مثل مشاريع توليد الكهرباء بمختلف أنماطها، حيث ستكون مضطرة لدفع تكاليف لمنتجات غير مستغلة وذلك وفقاً لما تنص عليه شروط الاتفاقيات ناهيك عن أن حجم الاستهلاك في الاوضاع العادية يقل عن حجم الانتاج، لذلك من الضروري ان يكون هناك حوار بين الحكومة وادارات مشاريع الشراكة للتوصل الى تفاهمات تخدم مصالح الطرفين وتضمن استمرار هذه المشاريع في تقديم خدماتها للمستفيدين.
وهذا الامر يمثل تطميناً ليس للمشاريع القائمة فقط وانما ايضاً لمن يفكر مستقبلاً بالعمل في مشاريع الشراكة داخل المملكة، ولعل أفضل التفاهمات هي تلك التي تتم في الاطار العام الذي يسعى الى ضمان تعافي مختلف القطاعات الاقتصادية ويحقق التوازن بين مختلف اطراف المعادلة خاصة وان الظروف الراهنة لم تكن ضمن التوقعات والفرضيات التي تم بناءً عليها تنفيذ هذه المشاريع.
ولا شك بان كل ذلك يجب ان يتم التعامل معه بشفافية ووضوح ، ففي عالم اليوم تعتبر الشفافية متطلبا أساسياً ليس لمن يرغب بتنفيذ المشروع او المشاركة فيه فقط بل مطلباً لجمهور المواطنين اللذين سوف يستفيدون من خدمات هذه المشاريع باعتبار ان الهدف النهائي ليس اقامة مشروع فحسب بل ان يكون حلقة في سلسة تنموية تخدم المواطنين وترفع مستوى معيشتهم عبر الوسائل المختلفة، فالشفافية والوضوح وعدالة الفرص هي عوامل اساسية في نجاح مشاريع الشراكة.
ومن المفيد التذكير بأهمية المحاسبة والمساءلة، وهي وان كانت لا تقتصر على ما يتعلق بمشاريع الشراكة، الا أن ترسيخ هذه المباديء والاسس فيما يتعلق بمشاريع الشراكة يكتسب أهمية خاصة نظراً لما يعول عليها من امال ولما لها من أثر على مختلف مكونات البيئة الاستثمارية، ولدينا في المملكة جهات رقابية لديها القدرة على تقييم الاستراتيجيات وعلى التاكد من أن سير العمل يتم وفقاً لبرنامج محدد يتفق مع التشريعات النافذة ويراعي الاولويات الوطنية ويحقق اضافة نوعية للاقتصاد ويراعي متطلبات النزاهة التي تحقق المصالح الوطنية وأن القائمين على هذه المشروعات مؤهلون وقادرون على تحديد الخيارات الفضلى المالية منها والاقتصادية والخدمية.
قد يكون من الصعب حالياً المطالبة بتنفيذ مشاريع شراكة جديدة، الا أن ذلك لا يعني توقف العمل في هذا المجال، فهذه الفترة يمكن الاستفادة منها عبر القيام بالعديد من الاجراءات واستكمال بعض المتطلبات بحيث وفور توفر الفرصة المناسبة سنكون قادرين على اقتنصاها وكما يقال فالفرص تأتي لمن هو مستعد لها ، لذلك من المهم استغلال هذه الفترة للقيام بعمليات الترويج والتحضير المسبق القائم على اسس من الفهم للمتطلبات الحالية والمستقبلية للجهات المستفيدة واختيار المشاريع بما يتفق مع الاولويات وما يحقق أفضل النتائج ، بحيث تساهم في رفع مستوى الكفاءة مع تحقيق عوائد جاذبة.
لا نأتي بجديد ان قلنا أن الاثار السلبية للجائحة تشمل طيفاً واسعاً من القطاعات الاقتصادية، وحتى الان لا أحد يستطيع ان يجزم بكل ما قد يترتب على ذلك من نتائج، ولعل هذا هو ما يستدعي عملاً متناسقاً على مختلف المستويات للتخفيف من الاثار السلبية المتوقع ان تواجهها المشاريع المختلفة وتمكينها من مواجهة المستجدات وذلك للحفاظ على استمرار أعمالها بما في ذلك مشاريع الشراكة والتي نعتقد انها أحد الابواب التي عبرها يمكن تحقيق نتائج وتقديم حلول قد تعجز عن تقديمها الادوات التنموية الاخرى