لا تحسد الحكومة على وضعها الحالي، وهي بعد ان رفعت رصيدها خلال الفترة الأولى من وباء كورونا، عادت تحت وطأة الأزمات اللاحقة لتتعرض الى ضربات ليست سهلة.
من تأثيرات الحظر، الى الاضرار الاقتصادية، واغلاق الحدود، مرورا بقضايا مختلفة مثل ملف نقابة المعلمين، والبيئة السلبية بحق المشاركة في الانتخابات النيابية، وارتفاع المديونية والعجز، وغير ذلك من قضايا، جعلت الرأي العام ينقسم بشأنها، ما بين من يراها خسرت كل شيء، وذاك الذي يعتبرها قامت بكل ما تقدر عليه، وليس بالإمكان أحسن مما كان.
هل تستطيع عمان، مواصلة الإبحار بذات الحكومة خلال الفترة المقبلة، والسؤال يتم طرحه هنا، حتى بمعزل عن قصة حل مجلس النواب واستقالة الحكومة اذا تم الحل؟!.
الشعارات التي تم اطلاقها ضد حكومة الدكتور هاني الملقي، بسبب تعديلات قانون ضريبة الدخل، والتي طالبت برحيلها، عدنا وسمعناها على خلفية ملف المعلمين ضد الحكومة الحالية، لكننا لا نعرف على وجه التحديد اذا كانت الشعارات في حالة حكومة الملقي قد صبت نحو نتيجة محددة مسبقا ومطلوبة، او متوقعة، فكان التجاوب معها، وظيفيا، قبل ان يكون تجاوبا شعبيا مع المطالب، فيما حالة حكومة الرزاز، قد تختلف القصة، ونصبح امام احتمالات، بسبب ظروف مختلفة على اكثر من صعيد سياسيا، وعلى مستوى التأويلات.
هكذا قد يكون التجاوب مع شعارات المطالبة بالرحيل، مستحيلا، كون التجاوب قد يتم تفسيره انصياعا لجهات لا يراد الخضوع لضغطها، فوق ان عمان قد لا تحتمل رحيل حكومتين متتاليتين، امام شعارات الشارع، فيما التجاوب هنا، اذا حدث ستتم تغطيته بحل مجلس النواب، ولاعتبارات دستورية، وليس تحت ضغوط أي طرف يريد رحيل الحكومة، في هذه الفترة الحساسة جدا، وان كان الرحيل هنا، يحقق غاية مخفية، أي التخلص من الطاقة السلبية في البلد، بسبب الندية والتحدي، وغير ذلك من مشاهد نراها هذه الفترة.
ربما المشكلة الأهم تلك التي ستواجه أي حكومة ستلي حكومة الرزاز، هو اكتشافها، ان كل الملفات التي أطاحت بحكومة الملقي، او حكومة الرزاز في حال رحلت بذات طريقة سابقتها، ما تزال قائمة، خصوصا، ان بعض هذه الملفات، ليست ملفات حكومية بحتة، إضافة الى الملفات الثابتة المتعلقة بالسياسات العامة، وملفات تفصيلية على صلة بالوضع الاقتصادي، والوضع الداخلي، والمساحات المتاحة للحركة السياسية لجهات عدة داخل البلد.
هذه ليست مقارنة بين حكومتين، وللمفارقة فإن حكومة الرزاز الحالية التي تواجه وضعا صعبا للغاية، وجاءت باعتبارها طوق النجاة، وعلى أنقاض حكومة الملقي التي سقطت في الشارع تحت وطأة المطالبات، تجابه اليوم بذات الشعارات، لكن لاعتبارات مختلفة تبدأ بملف المعلمين، وصولا الى المطالبات بحل مجلس النواب وبالتالي رحيلها، وكأننا هنا، امام مشهد فيه مفارقة تاريخية، تشرب فيه الحكومة الحالية، من ذات الدواء الذي شربته الحكومة السابقة، وكأن المشهد الأعمق يقول ان البيئة التي باتت تحيط بالحكومات، بيئة طاردة لاستقرارها لفترات طويلة، فكل ازمة نراها تلد ازمة ثانية، من قصة ضريبة الدخل، الى ملف المعلمين.
الحد الفاصل بين رحيل الحكومة الحالية بشكل طبيعي بسبب حل النواب والتوطئة لإجراء الانتخابات، وبين الانزلاق برأي الرسميين في عمان، نحو مدار نسخ تجربة الملقي، أي خروج الحكومة تحت وطأة الشعارات، حد حساس جدا، قد يؤدي من باب التحدي الى حماية الحكومة وعدم الالتفات الى محاولات نسخ السيناريو ذاته، حتى لا يصبح عادة، دون ان ننسى هنا، ان الفرق بين البيئة المحيطة بحكومتي الملقي والرزاز، فرق كبير، لاعتبارات سياسية واقتصادية، إضافة الى اعتبارات الداخل عموما، والاقليم بشكل عام.