عن مستشفى الكِندي وصاحبه.. “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”(2-2)

عروبة الاخباري – كتب سلطان الحطاب
قلت للغالبية الذين اتصلوا بي يمتدحون مقالتي عن الدكتور محمد خريس دكتور معالجة السمنة، هذا واجبي ، وأشفقت على الذين نقدوني وهاجموا ما كتبت ممن يحسدون الدكتور أو تضيق عيونهم عن مشاهدة ما أنجز.. انه قدم شيئا عظيما للبلد فقد أقام مستشفى ربما تعجز عنه حكومات ، وهو لن يحمله على ظهره حيث ينتقل فهو أردني مثلكم ، وأراد أن يترك بصمة حيّة خالدة بعد رحيله من عمر مديد.. وأن غيره من أطباء وسواهم لديهم مالا أكثر منه لكنهم لم يقيموا سوى عياداتهم التي تفتح لساعات وتغلق على ساعات، ولو أن لدينا من أمثاله كثيرين لكان حالنا أحسن ، فاتقوا الله في الرجل وفي الطب وفي الوطن، وسنظل نقول لهم “لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وكبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون” وأقرأ عليهم شعار الدكتور الذي أراد أن يخلف في نفسه وولده وشعبه ووطنه عملا ينتفع به الانسان، وقد أتصور الدكتور خريس ذو الشعر الأشيب واللحية البضاء ينظر إلى مستشفاه الفارهة وينشد:
وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ
وفي مثل هذا أزعم أن الدكتور زيد الكيلاني باني “مستشفى فرح للتوليد” “مجمع فرح الطبي” قد قاله قبل رحيله وترك لنا هذا المرفق الكبير..
وفي هذا فليتنافس المتنافسون لا ان يحبط بعضنا بعضا مهما أوتينا من حجج ومهما سقنا من اتهامات..
قبل أن أتوجه بيوم لزيارة مستشفى الكندي، قال لي صديق: يا أخي مش معقول ولعنا بالاسماء الاجنبية التي نطلقها على شركاتنا حتى وصل الأمر بتسمية احد المستشفيات الجديدة الشهيرة، قلت: ماذا تقصد؟ فقال: مستشفى يبدو انه بناه أحد العائدين من كندا وأسماه (المستشفى الكندي) فضحكت وقلت: تقصد المبنى في جبل الحسين؟ فقال: نعم، قلت هذا ليس لكَندي ولا يحمل اسما اجنبيا. قال: رأيت اليافطة بنفسي، قلت: صحيح ولكنك قرأتها خطأ، قال: والقراءة الصحيحة؟ قلت: الكِندي بكسر الكاف، فقال: الكِندي؟ قلت: نعم وهو عالم الطب والعلوم المشهور، ولعلمك فإن الكِندي بكسر الكاف يتميز عن غيره من العلماء المشهورين في التاريخ الاسلامي والعربي برمته في أنه عربي فقال: والاخرون؟ قلت معظمهم مسلمين فالفارابي من فاراب،وابن سينا والرازي والخوارزمي وابن الهيثم وعشرات غيرهم لكن الكِندي عربي واصله من كندة اليمنية التي اعطت امرؤ القيس، وحين بدأ يصغي إليّ وقد رآني اقنعته ويستقبل قصتي له ومداخلتي في الإجابة على سؤاله، قال: لماذا اختار الاسم ،قلت: الم تقتنع بعد ان سبب اختياره إحساس الدكتور محمد خريس اخصائي أمراض السمنة بعروبته وحبه لها واخلاصه لتاريخها ومجدها، فاختار الكِندي عالم الطب العربي الذي عاش من عام 805 الى عام 873ميلادية.
وسمي هذا المستشفى الشهير الرابض على مدخل جبل الحسين بهذا الاسم، ليضع فيها 140 غرفة مختلفة الاحجام والمستويات في مستشفى هو الأحدث في الأردن حتى الآن ودعني اقول في عالمنا العربي.
فقال لي: كيف تقول ذلك؟ هل زرته؟ قلت: نعم، وتجولت فيه برفقة المدير العام الدكتور علي حياصات وزير الصحة السابق الذي عبّر هو نفسه عن ارتياحه وعن احساسه الاعمق بالخدمة في مثل هذا المستشفى الذي وصفه بأنه يجسد طموحه العلمي والمعرفي والمهني والاداري اكثر مما لو كان وزيرا …
مستشفى الكِندي الذي استقبل أكتر من 64 جنسية من مختلف انحاء العالم يتوفر على مرافق وادوات واجهزة لمختلف التخصصات، ربما بعضها هو الأول من نوعه وطرازه بين المستشفيات الأخرى، وقد كان مؤسس المستشفى قد أتاح بناءه ليكون مستشفى خلاف كثير من المستشفيات الأردنية التي بنيت ثم أصبحت مستشفيات أو اضيف إليها أو أخذ منها لتوائم مواصفات المستشفى.. !!
أذهلني التاثيث واتساع الغرف ونوعية المواد المكونة للأثاث، من السرير حتى الستائر والمرافق الصحية، واعتقد انه يتفوق في ذلك على فنادق النجوم الخمسة..
وحين سألت الدكتور خريس لماذا هذا البذخ النوعي في الوسائل الطبية والخدماتية في المستشفى وبأي عقلية انت تعمل؟ فابتسم وقال: هل تعتقد انني الآن في هذا السن وأمام هذه الكلفة الضخمة التي استثمرتها في هذا المستشفى اتقصد الربح وجمع المال؟ لقد جمعت بما يكفي لبنائه وكان بإمكاني ان لا أضع كل ما املك هنا .
وقد عرض عليّ مسؤولون كبار في دول عديدة ان افتتح عندهم عياداتي او ابني لديهم ما ينفعني هناك، ولكنني أردت هذا المعلم ليكون شاهدا على رغبتي الأكيدة واعتزازي بالإنجاز الذي أريده في هذا البلد الذي اعطانا الكثير وافسح لنا المجال للتفوق والبناء…
د.خريس لا يحب ان يتكلم عن نفسه، ويترك لمرضاه الكثيرين من الأغنياء من رؤساء وأمراء ان يتحدثوا عن عمله، كما ترك للفقراء الذين انقذهم او متعهم بحياة مختلفة بعد عملياته ان يتحدثوا عن ما أصابهم من صحة او متعة حياة أو مساعدة منه، بعد ان هددتهم الكتل الزائدة التي اعتلت اجسادهم فيما يسمونها السمنة المفرطة.
اسم الدكتور خريس أصبح علما وشائعا في عديد من العواصم العربية التي جاءته بمرضاها او ذهب إليها بخبرته ومناظيره، وقد سطع اسمه أيضا في المستشفيات الأوروبية والعالمية التي حمل اليها حقيبته ومناظيره او حتى فقط حقيبته الصغيرة، لتستقبله تلك المستشفيات بمن فيها اخصائيين حين كانوا يرونه يترجل ليدخل من أجل اجراء عملية تتعلق بالسمنة لأمير او رئيس اختار المكان واختار الدكتور محمد خريس ليكون من يجري له العملية، رغم كثرة الاطباء وتعدد تخصصاتهم.
صور عديدة رأيتها للدكتور خريس تحدثت نيابة عنه وقالت عنه الكثير، حتى غدى على كل لسان من السنة من يهمهم تخصصه ممن انقذهم او هو في الطريق لانقاذهم ان علموا او وصلوا، حين سألته قال: تجاوز الذين عملت لهم عمليات تتعلق بالسمنة الـ (50) الفا فقرأت عندها سورة “الفلق” فابتسم …
وذكرته وهو يخوض معاركه في وجه السمنة وينتشل شبابا رجالا ونساءا من امراضها بما كان المتنبي يقوله…
“إذا اعتاد الفتى خوض المنايا … فأهون ما يمر به الوحول”
لم يتحدث عن الاسرار الطبية وعن عملياته للمشهورين والمشهورات والمتنفدين والمتنفيدات، فقد ابقى ذلك من اسرار المهنة وما يحرص على كتمانه مستندا غلى قسم معلمه الأول ابقراط.
كان يودعني وقد أدركت عمق إنسانيته حين قال لي على باب المصعد: “ان علمت ان هناك فقيرا يحتاج لانقاذ من السمنة فارسله لي”..

 

Related posts

منحة تكميلية لتمويل مشروع الناقل الوطني بقيمة 15 مليون يورو

قرارت اقتصادية استكمالا لحزمة التسهيلات الخاصة بالتحفيز الاقتصادي

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى