لا شك أنّ لقاء المؤتمر الصحفي الذي جمع القياديين البارزين في حركتي فتح وحماس، جبريل الرجوب وصالح العاروري، شكل مفاجأة لكل الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية وأولها بطبيعة الحال نحن الفلسطينيون. فقد طال إلحاح وانتظار شعبنا لليوم الذي نستعيد فيه وحدتنا الوطنية، خاصة في هذه الأيام التي تتعاظم فيها التحديات والأخطار المحدقة بقضيتنا، والتي لا يمكن التصدي لها وإفشالها من دون هذه الوحدة، حتى كاد اليأس يتسلل إلينا بأن استعادة هذه الوحدة باتت أمرًا بعيد المنال، لا سيما بعد فشل المحاولة إثر الأخرى نحو ذلك .
ومن هنا كان الترحيب التلقائي الشعبي بهذه المفاجأة مقروًنا بالتخوف من أن تنضم هذه المفاجأة إلى سابقاتها، من محاولات فشلت أو أُجهِضت، إما لغياب الإرادة السياسية الجدية من أصحاب القرار الوطني، أو بسبب وجود ڤيتو إسرائيلي – أميريكي ضاغط (وربما ڤيتو من أطراف عربية أيضًا)، أو بسبب نفوذ شرائح ومراكز قوى أصبحت لها مصالح مستفيدة من استمرار الانقسام .
لكنني أعتقد، كما كثيرون غيري، أن لقاء الرجوب-العاروري يحمل بذور أمل تختلف عن سابقاتها من المحاولات للأسباب الآتية:
أولًا: إنّ هذه المبادرة على ما يبدو نابعة من إرادة سياسية داخلية، وتحمل تغطية واضحة من رأسي الهرم في الحركتين، وليست استجابة لضغوط الأطراف العربية أو الدولية المعتادة. فكأن حال قيادتي فتح وحماس وقد أدركتا، أخيرًا، أنهما أمام لحظة مصيرية كاللحظة التي واجهها طارق بن زياد عندما أطلق صرخته المدوية: “العدو أمامكم والبحر وراءكم”. حقًا لم يعد أمامنا من خيار سوى أن نمضي متحدين في مواجهة شاملة لصفقة ترمب – نتنياهو ومشروع الضم بكل سيناريوهاته قبل فوات الأوان .
فليس من شك أن غياب الإرادة السياسية كان أهم أسباب فشل المحاولات السابقة. ترى هل توفرت الآن هذه الإرادة إلى كامل مداها؟
ثانيًا: تمثّل هذه المبادرة فكرةً من خارج الصندوق. فقد ركزت أهم المحاولات السابقة لإنهاء الانقسام على مبدأ الرزمة الشاملة، بمعنى تناوُل كل الملفات الخلافية في صفقة واحدة. في حين تنطلق المبادرة الحالية من أرضية ومدخل أكثر وواقعية، وهي البدء بالوحدة الميدانية مع تأجيل الملفات الأخرى، وعدم إثقالها بها. وإذا ما تكرست هذه الوحدة الميدانية وتم البناء عليها لبنةٍ لبنة، بصدق وجدية، فإن من شأنها أن تفتح الطريق نحو الوحدة الوطنية المنشودة. فهل يحمل لنا هذا التفكير خارج الصندوق فرصة لوصفة حقيقية باتجاه استعادة الوحدة؟
لذلك، وحتى تتعزز الوحدة الميدانية المقصودة، وحتى تكون حقًا خطوة جريئة يمكن البناء عليها، وبوابة نحو الوحدة الوطنية وتناول الملفات الأخرى؛ يجب الإسراع إلى دعمها بما يأتي:
أولًا: توسيع إطار هذه الوحدة الميدانية، وعدم حصرها في حركتي فتح وحماس، فطالما أنها وحدة ميدانية يجب أن تشمل مبكرًا أعرض إطار وطني، وفي كافة مواقع المواجهة.
ثانيًا: تشكيل قيادة موحدة للعمل الميداني.
ثالثًا: تسليحها ببرنامج عمل ميداني يجسد الأشكال المختلفة للمواجهة الشعبية لصفقة القرن ومخطط الضم، خاصة مع تصاعد انفلات المستوطنين.
رابعًا: الإسراع إلى بلورة وتبني برنامج اقتصادي اجتماعي مبني على قاعدة الحماية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية لتعزيز مقومات الصمود والتقاسم العادل لأعبائه .
خامسًا: الإسراع إلى طمأنة شعبنا بالالتزام بأن هذه الوحدة الميدانية ليست بديلًا عن ممارسة حقه الأصيل في إجراء انتخابات لمجلس وطني توحيدي جديد كأول لبنة لإعادة بناء منظمة التحرير.
وأخيرًا، وليس آخرًا، لا بد من حماية مبادرة الرجوب – العاروري من خطر إجهاضها إن لم أقل خطر الإجهاز عليها، إذا لم يتم الالتزام بمبدأ الشراكة الحقيقية في اتخاذ القرارات الميدانية بعيدًا عن التفرد والهيمنة من جهة، وبالحيلولة دون طعنها سياسيًا من الخلف بالعودة إلى المفاوضات في ظل الاختلال الحالي في ميزان القوى من جهة أخرى .