تجسيد الرؤية الملكية بالاعتماد على الذات لتجاوز رياح التغيير الدولية / د.حازم قشوع

تحمل اقتصادنا الوطني احمالا كبيرة نتيجة ازمة الاقتصاد العالمي منذ عام 2009 وما تبعتها من ازمات سياسية في المنطقة امتدت متوالياتها تباعا الى يومنا هذا ، وعلى الرغم من مرونة حركة الاقتصاد الوطني وتنوع موارده الا ان توالي الاحمال جعلته يتحرك ببطىء ومن ثم جاءت مناخات كورونا لتثقل من احماله احمالا وتجعله ثابتا لكنه لا يقوى على المتابعة .

وحتى يتنسى للعجلة الاقتصادية الدوران ، فان الموضوعية تتطلب ازالة العوائق والعوالق التى تحؤول بينه وبين حركته ، واسناده بمنظومة رزم اقتصادية وبرنامج تحول استدراكي يقوم على تحويل بعض مسارات القطاعات الخدماتية الى برامج اخرى انتاجية ضمن خطة زمنية معلومة لا تتبدل بتبدل الحكومات لغايات التاكيد على الاستمرارية وتعمل على ايجاد منتجات فى القطاعات الزراعية والصناعية التقليدية والمعرفية قادرة على المنافسة بالنوعية فى الاسواق المحلية والاقليمية والدولية .

ولان هذه التحديات تنقسم الى قسمين الاول منها ذاتي حيث شكله الأعباء الضاغطة افقيا ويظهره ثبات العامل الذاتي فى النفقات الجارية والذي تمثله الرواتب والرواتب التقاعدية اضافة الى خدمة الدين العام ، وهذا ما يشكل اكثر من ثلثي الموازنة ، اضافة الى توسيع مظلة النفقات الراسمالية لتكون قائمة على برنامج عمل انتاجى تشاركى بين الحكومة والقطاع الخاص المحلي والاقليمي والدولي لكن هذا العامل كما يشكل حلا يشكل ايضا مشكلة على الصعيد الاجتماعي ، فان طبيعة هذه الحلول ستؤدي الى تأثر المستقرات الاجتماعية بنتائجها ، وهنا تكمن اهمية ايجاد حلول استراتيجية وعميقة فى هذا الجانب تستند لنظم وبرنامج عمل علاجي اداري ومالي واقتصادي .

على ان ياتي ذلك ضمن صندوق استثماري يتم اعتماده لهذه الغاية ، على ان يقوم هذا الصندوق بايجاد شراكات حقيقية تقوم على فتح الاسواق تجاه المنتج الاردني وايجاد مشاريع محلية واقليمية ودولية تقوم على فتح افاق اوسع وظروف تشغيلية افضل للشباب الاردنى ، على ان تراعى مسالة ادارة موارد هذا الصندوق بإدارة مشتركة ويتم متابعة اعمال نشاطاته من شركات عالمية متخصصة لتعزيز قيم المساءلة وتعظيم فرص الاستثمار والمتابعة باعمال هذا الصندوق .

اما فى مسالة ازالة العوائق ، فان المسالة بحاجة الى مراجعة شاملة فى مسالة التشريعات وظروف استقرارها والرزم الضريبية ومقدار انعكاسها ، والمسالة البيروقراطية وكيفية اعادة تشكيل انظمتها العاملة والناظمة ، على ان ياتي ذلك ضمن هيكلية ادارية شاملة يتم تصميها بموضوعية وحيادية ويجرى تنفيذها بحزم وبكل شفافية ، فان مسالة تراكم

هضم المواد البشرية لغايات انسانية او لظروف اجتماعية لا بد من توقيفها فى القطاع العام فى الاجهزة الامنية المدنية والتي كانت متبعة بالطرق التقليدية وايجاد برنامج عمل جديد يقوم على التخصص والاختصاص .

هذا لان الوسائل التقليدية السائدة والتى ادت الى هضم الكم العددي على حساب النوع المهنى ، ادت الى ترهل وتراخى المنظومة الادارية للجهاز الاداري لان النوعية الادارية المؤهلة والتقنية المعدة الفنية المدربة تم استقطابها من قبل القطاع الخاص او من بعض الدول المجاورة لتوفر المخصصات اللازمة والظروف المعيشية الافضل، مما جعل هذه العوامل ليقوم القطاع العام باستهلاك معظم موارد الموازنة بالنفقات الجارية ترك مسالة ظروف تحسين جودة الخدمات المقدمة فى مغبة الامور الثانوية ، مما شكل هذا الامر تحديا كبيرا على المنتج التعليمي الصحي وكما فى منحى البنية التحية .

ولان الجهاز الحكومى فى وظائف الدول لا يقوم دوره على الانتاجية التي يقوم عليها القطاع الخاص بينما تنصب وظيفة الجهام الاداري العام على تقديم الخدمات العامة والمراقبة والمتابعة وسن القوانيين وايجاد الانظمة اللازمة لغايات ضبط الجودة وظروف التشغيل ، فان حجم الاستهلاك الذى يستهلكه هذا الجانب يجب ان لا يزيد اداريا عن ربع الموازنة وفق النماذج الفضلى العالمية ، بينما لا بد ان يشكل الجانب الراسمالي ثلثي النفقات الراسمالية من معادلة الموازنة للدولة حتى تعيد انتاج العجلة وتخفف من ثقل احمالها واعبائها .

لذا كان هذا المعامل لا بد من تغييره ضمن خطة عمل ممنهجة حتى ينهض الجانب الراسمالي بالمسؤوليات من خدمات البنية التحيية والصحية والتعليمية اضافة للبنية الفوقية بطريقة افضل ، حتى تستدرك مسارات تراجع القطاع العام من اجل نوعية في الخدمات وتمايز فى تنظيم المسارات الكلية وفق وسائل حداثية تقوم على الذكاء الاصطناعي والوسائل التقنية الصحية والتعليمية اللازمة للنهوض.

هذا اضافة الى البرامج الرقمية فى تنظيم عمليات التواصل والنقل والتتبع الممنهج ، وهذا ايضا بحاجة الى ايجاد سياسات تعتمد على الاستثمار التشغلي مع القطاع الخاص فى مجال شبكات الطرق والنقل العام وبقية الخدمات الصحية والتعليمية ، عن طريق ايجاد منظومة عمل مركزية تقوم على تنظيم ادوات وجهات هذه المنظومة الخاصة في الأمان المجتمعي .

ولان التركيبة الجديدة هذه سينتج عنها موارد بشرية غير لازمة فى منظومة العمل الجديدة ، وبقاؤها سيشكل احد معيقات العجلة الاقتصادية ، لذا فان العمل على ايجاد صندوق للتشغيل لغايات الانتاج ، وليس لغايات الرعاية الانسانية يقوم على برنامج اعدادي وتاهيلي وضمن نماذج انتاجية متممة للعمل ، من شانه ان يشكل هذا الصندوق

حجر الزاوية فى حل هذه المشكلة ،لكون برنامج هذا الصندوق سيعمل على هضم هذه الموارد البشرية ضمن نماذج انتاجية جديدة يقوم على تكوينها بهدف هضم الزيادة العددية الناشئة عن طريق اعادة تأهيلها الوظيفي والتشغيلي حتى يستقيم الحال في الجهاز الاداري ويستفاد من هذه الطاقات البشرية فى المسارات الانتاجية، فيكون بذلك قد تم ترشيق الجهاز الاداري العام كما تم دعم برنامج الاقتصاد الانتاجي بإضافة واعدة .

لكن مسالة ازالة العوائق او العوالق التى ذكرت قد لا تخدم لوحدها مسالة تحريك عجلة الاقتصاد على اهميتها ، الامر الذي بات بحاجة الى تمكين الدعائم الرئيسية لتحقيق ذلك وهذا يتطلب توسيع مسارات العجلة الاقتصادية من الاعتمادية الخدماتية الى الزراعية والثروة الحيوانية والصناعة المعرفية والذكاء الاصطناعى ، وهذا ما يتطلب الشروع بايجاد خطط تنفيذية تقوم على تحفيزية مناخات الابتكار والابداع عبر برنامج عمل يخصص جوائز مادية قيمية سنوية تكون مبينة فى الموازنة واجواء تنافسية خصوصا فى مجالات الادوية والسلامة الصحية والذكاء الاصطناعي على ان يقوم هذا البرنامج على حماية هذا الاختراعات او الابتكارات او الاكتشافات ورعايتها والعناية بسلامة ديمومة منشآتها ، وهذا ما يطلق العنان الابداعي والمسار البنائي من اجل ايجاد علامة تميز فارقة انتاجية يمكن البناء عليها فى بناء حالة انتاجية .

ويعتبر قطاع البنوك هو القطاع الهام الذي يمكن الاتكاء عليه في ترجمة الكثير من البرامج الانتاجية والتشغيلية ، فان البنوك وحدها قادرة على تشغيل ثلث برامجها الاستثمارية في القطاع المحلي بحيث لا يكتفي دورها على التنظمي لاحقاق عوائد بل يجب ان يتعداها لتشمل الاستثمار المحلى والشراكة الانتاجية وهذا ما يجعلها تقوم بدور الرقيب الفاعل العامل مع الشركات الانتاجية والاستثمارية ، اضافة لدورها الطليعي الذي يجب تبيانه فى مجالات المسؤولية المجتمعية.

ان مسالة تضخيم عوائد البنوك دون استثمارها فى منازل انتاجية لن يعزز مناخات الثقة المستهدفة عند المستهلك والمستثمر ، لكون شهادتها بمشاركتها ، مسالة مهمة فى تعزيز المصداقية والشفافية والحاكمية الرشيدة عند الشركات الانتاجية والاستثمارية ، وهو العامل الذي من شانه ان يعزز من مناخات الثقة في الاسواق المالية واليات الاستثمار فيها ، وزيادة حجم التداول على الاسهم في السوق المالي المحلي .

ولان الاستثمارات السياحية تعتبر احد المحركات الاساسية في دعم العجلة الاقتصادية ، لما تمتلكه من مشروعات وبنية تحتية كبيرة ، كانت قد هضمت استثمارات كبيرة طيلة السنوات السابقة وفي جوانبها الرئيسية والمتممة ، فان العمل على صونها وادامتها في ظل مناخات كورونا التي اثرت على طبيعة عملها بشكل مباشر بات بحاجة الى ظروف تامين حكومية شبه شاملة ورعاية خاصة من قبل الدولة ، حتى لا يتم شراء اصولها من قبل بعض المستثمرين الاحانب لاسيما اذا ما بقي الحال على ما هو عليه لوقت طويل ، في ظل الميزان التنافسي السائد لصالح البرامج السياحية الاقليمية والتي مازالت تقدم برامج ترفيهية وسياحية باسعار منافسة مقارنة مع المحلية منها ، الامر الذي بات بحاجة الى برنامج تشبيك تبادلي بين المدن الاقليمية ، وتمكين هذه المشروعات السياحية برزم ضريبية مخفضة واخرى تطال اسعار المياه والكهرباء حتى تتمكن من المنافسة عبر ايجاد برامج تسويق محلية مشجعة ، وايجاد برنامج اعلامي واعلاني قادر على الاستقطاب المحلي وجذب المغتربين الاردنيين.

وحتى لا يبقى اقتصادنا الوطني عرضة للتاثر بالعوامل التي تقودها رياح التغيير والتعرية الجيوسياسية الاقليمية والمناخات الاقتصادية الدولية ، فان العمل على تجسيد الرؤية الملكية بالاعتماد على الذات بات بحاجة الى برنامج عمل يقرأ مكمن الفرص فى المشهد ، على ان ياتي ذلك ضمن النماذج المركزية التي تعدها الحكومة في تنفيذ برامجها الانتاجية والتشغيلية وحتى الاستراتيجية ، وهذا يتطلب دعم المنتجات والمنتوجات التصديرية على حساب المستوردات الخارجية من خلال برنامج تمكين السلع الاردنية في الاسواق مساعدة هذه المنتجات والمنتوجات على تحقيق علامة الجودة التى يميزها وتجعلها تشكل علامة تمايز وتميز للمنتج الوطني .

ان فى تنفيذ برنامج اللامركزية وفق مشتملات عمل علمية يقوم على بناء ارضية مناسبة لتوطين الاستثمارات في المحافظات سيخدم الغاية الاستراتيجية للرؤية الملكية للاعتماد على الذات غلى ان يتم فى المراحل الاولى مسالة تعيين منظومة العمل لتاسيس المنظومة الادارية والتقنية والمالية والاستثمارية والرزم الضريبية المتممة للبوصلة الانتاجية المنبثقة من المخططات الشمولية والهيكلية الادارية والمؤطرة بالوصف الوظيفى ، حتى تكتمل الصورة الكلية لبناء ارضية العمل مناسبة للانتاج والاستثمار على ان ياتي ذلك ضمن اطار ايجاد النظم التفعيلية للادارة المحلية والحكم المحلي المستهدف القاضي بتوطين الاستثمار وايجاد برنامج تشغيل انتاجي ، على ان يتم عبرها وضع الاطار الناظم لتشكيل الادارة المحلية البرلمان المحلي بذات نمطية العمل للحكومة والبرلمان حتى تتجانس النظم الحاكمة المحلية والسيادية .

ان الاستثمار بالمكانة الدولية لجلالة الملك عبدالله الثاني في المحافل الاقليمية والدولية في جلب المعرفة الصناعية والمعرفة التكنولوجية ، يعتبر من العوامل الرئيسية التي يمكن الاتكاء عليها فى تنفيذ الخطة التنفيذية للاقتصاد الانتاجي لما يشكله هذا العامل من اهمية في ايجاد ارضية عمل ملائمة لتشييد منشآت صناعية وانتاجية لدعم العجلة الاقتصادية .

Related posts

اللي استحوا ماتوا* فارعة السقاف

تجربة النضال الفلسطيني: خصوصية مقاومة تقاوم التعميم* هاني ابو عمرة

كلفة الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي* جواد العناني