مسلسل “أم هارون” اعتراف صريح باستحقاق اليهود للتعويضات من الكويت ودول الخليج، ومن اليمن.
لماذا نركز، نحن العرب، على موضوع يهود في الكويت وهو مهمل كليا من الباحثين اليهود والإسرائيليين.
فرضيات (إسرائيل) مغايرة للتاريخ بزعم أن كل اليهود غادروا بالطرد والتهجير العربي ولم يسمح لهم بأخذ ممتلكاتهم ومحلاتهم التجارية.
* * *
ينسى يهود كثيرون في العالم أن الأنبياء من بني إسرائيل، والذين أكّد القرآن الكريم أنهم سكنوا في الأراضي العربية المشرقية ومصر، أنهم ليسوا أنبياء لهم فقط. بل إن القرآن والإنجيل جعلا هؤلاء الأنبياء والرسل جزءاً أساسياً من إرثهما.
وحتى إن الإسلام، في روايته عنهم، ينزّههم عن الهوى، ويروي قصصهم في منتهى التقدير والاحترام. ولذلك، نحن، مسلمين ومسيحيين، نجلّ أنبياء الله من بني إسرائيل، ونضعهم في منزلةٍ عاليةٍ وتقدير عظيميْن.
ولما قامت الممثلة الكويتية حياة الفهد بإصدار تصريحات ضد الوافدين في بلدها هوجمت، فعادت وسحبت كلامها، ثم لمّا ظهرت في مسلسل “أم هارون”، المثير للجدل، نُسب إليها أنها صرّحت بأنها حصلت على مباركاتٍ من شخصيات فلسطينية، ومن دول عربية.
لكن الناس الذين يصبحون وينامون على الأنباء عن سوء المعاملة التي يلقاها الشعب العربي الفلسطيني كل يوم، لن تجعل العرب راغبين في تخصيص جزءٍ من أحاسيسهم للتعاطف مع من يحاصرون قطاع غزة، ويهدمون المنازل، ويعذّبون الأطفال، ويقتلون النساء باستمرار.
ولكن للخطورة في مسلسل “أم هارون” جوانب أخرى غير مرئيّة، فمنذ السبعينيات من القرن الماضي، طرحت مؤسسات إسرائيلية نظرية جديدة، وهي أن مبادئ العدالة والمساواة تقتضي أن ننظر في الظلم الذي وقع على اليهود الذين هاجروا من الدول العربية عام 1948 وحتى منتصف السبعينيات، مثلما يطالب العرب بحقوق العودة والتعويض عن أملاك الفلسطينيين ومعاناتهم عند إنشاء دولة إسرائيل.
فِي دراستها التي صدرت عام 2002 للباحثة الإسرائيلية الثقافية والاجتماعية، تؤكد البروفسور أدا أهاروني (Ada Aharoni) المنطق نفسه عن المساواة في التعامل مع اللاجئين أو المهاجرين، فلسطينيين كانوا أم يهوداً.
وقدمت الدراسة جدولاً مقارناً بأعداد اليهود الذين هاجروا من الدول العربية حتى عام 1948 وكذلك في عام 1976. وقد بلغ العدد عام 1948 حوالي 881,000 يهودي جاءوا من المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والعراق وسورية ولبنان واليمن.
والأغلبية كانوا من يهود السفارديم، وعددهم 548 ألفاً، أتوا من شمال أفريقيا، والباقون من اليهود المزراحي (اليهود الشرقيون)، والذين أتوا من باقي الدول العربية.
وفِي شهر يناير/ كانون الثاني عام 2019 رفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عقيرته ليقول إن لليهود الإسرائيليين حقوقاً في الدول العربية تبلغ قيمتها حتى تاريخه حوالي 250 مليار دولار، وإن الحكومة الإسرائيلية سوف تبدأ في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمين دفع العرب هذه المستحقات، من دون أن يذكر شيئاً عن مستحقات الفلسطينيين على إسرائيل.
وفِي الوقت نفسه تقريباً، 4 يناير/ كانون الثاني من عام 2019، عقدت وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية، جيلا جملئيل، ندوة شرحت فيها نتائج دراسة مستفيضة أنجزها مكتب دولي للمحاسبة..
وبالطبع تبين أن قيمة المستحقات هي أكثر من 250 مليار دولار، وأن الدراسات التفصيلية للدول العربية الست لم تنته بعد إلا لدولتين، تونس حيث بلغت المستحقات عليها 35 مليار دولار وليبيا 15 مليار دولار.
وقد ردّ مركز الدراسات الفلسطينية على هذه الدراسة الإسرائيلية وفرضياتها المغايرة للتاريخ، والتي تقول إن كل اليهود قد غادروا بالطرد وبالتهجير العربي، ولَم يسمح لهم بأخذ ممتلكاتهم، ومحلاتهم التجارية وغيرها.
بينما لو عدنا إلى عام 1948، فإن يهودا كثيرين في الكنيست والوكالة اليهودية عارضوا كلياً فكرة تهجير 250 ألف يهودي من الوطن العربي بين السنوات 1948 – 1952 ضمن برنامج لمضاعفة عدد اليهود في إسرائيل خلال تلك المدة.
لذلك لم يكن دور الوكالة اليهودية، وغيرها من المنظمات اليهودية، مجرد تقديم مساعدات إنسانية لليهود المهجّرين، بل كانوا يحضونهم ويهدّدوهم أحياناً بالهجرة. وهذا بحث طويل.
تابعت هذا الموضوع، منذ بداية هجرة اليهود من الدول العربية والإسلامية (معظمهم من تركيا وإيران) عام 1920 وحتى عام 1976، فلم أَجد في أي دراسة ذكر لأي مهاجرين يهود من الكويت. ولَم يذكر حتى اسم الكويت في أيٍّ من الدراسات الإسرائيلية على أنها كانت مصدراً لهجرة ولو ليهودي واحد.
ولنفترض أن الدراسات التي اطلعت عليها أغفلت هذا الأمر، أو سهت عنه، فإن هذا يثبت أن عددهم كان قليلاً جداً لا يذكر. إذاً، لماذا نركز، نحن العرب، على موضوع اليهود في الكويت، وهو مهمل كليا من الباحثين اليهود والإسرائيليين.
وبثُ مسلسل “أم هارون” على قناة عربية اعتراف صريح باستحقاق اليهود للتعويضات من الكويت ومن غيرها من دول الخليج، ومن اليمن. قد يكون هنالك أسباب إنسانية دفعت كاتبي المسلسل، ليقولان إنه يعالج قضايا بني آدم.
أقول لهما حتى هذا العذر مرفوض، فالسينما والمسرح والموسيقى والكتب والروايات التي كتبت عما جرى لليهود في العالم كبيرة وكثيرة، لا تعد ولا تحصى. ونحن لسنا مع تعذيب أحد أو اقتلاعه، ولكن الفلسطينيين لا بواكي لهم إلا قليل.
أحببت أن أركّز على جانب قد يكون غائباً عن أعين الذين قدّموا خدمة لبنيامين نتنياهو والعنصريين الإسرائيليين، لكي يطالب هؤلاء الوطن العربي بـ250 مليار دولار في هذه الظروف، وذلك في وقت تبين من وثائق مشروع “صفقة القرن” أن كل المبلغ المخصص لذلك هو 50 مليار دولار تقدم على مدى عشرة أعوام، وتموّل من دول الخليج على مشاريع تخدم إسرائيل وأحلامها التوسعية.
* د. جواد العناني سياسي وخبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق.