اليوم يتجدد الرجاء مرة أخرى مع تشكل أزمة مزدوجة تواجهها دول المنطقة بذات الدرجة من الحدة والخطورة، فهل تدفع إكراهات هذه الأزمة باتجاه مصالحة خليجية – خليجية؟
مع كل ظرف استثنائي يتجدد رجاء المجتمع الخليجي في تجاوز حالة التوتر السياسي والتمزق الاجتماعي التي أفرزتها أزمة حصار قطر، التي أدخلت الإقليم في صراع متعدد الأبعاد أصابت شظاياه جل أركان البيت الخليجي.
كان آخر مجسات الأمل الحوار السعودي-القطري الذي تسربت أنباؤه في نوفمبر 2019، وأشاعت حالة من اليقين بحدوث تقارب بدرجة من الدرجات، ثم ما لبث ذلك الرجاء أن تبدد مخلفاً وراءه حالة من القنوط.
واليوم يتجدد الرجاء مرة أخرى مع تشكل أزمة مزدوجة تواجهها دول المنطقة بذات الدرجة من الحدة والخطورة، فهل تدفع إكراهات هذه الأزمة باتجاه مصالحة خليجية – خليجية؟
أزعم أن هذه الأزمة بمكوناتها وتداعياتها ولحظتها الزمنية غير مسبوقة في تاريخ الدولة الخليجية الحديثة! فشقها الصحي-الاجتماعي المتولد عن جائحة “كوفيد-19” أوقع النظام الصحي في مأزق لم يكن ضمن حساباته الاعتيادية، وفرض عليه ضرباً من المقاربات لم يعهدها.
أما الشق المالي الناجم عن تهاوي أسعار النفط بما يزيد على 50% (من 65 إلى 25 $) فقد أصاب النظام الاقتصادي، ومعه النظام السياسي، في مقتل، ستبقى فتوقها نازفة حيناً طويلاً من الدهر، وسيتولد عنها تبعات جيوسياسية متعددة الأبعاد.
حري بمنظومة التعاون، أمام هذه المخاطر المركبة، أن تتصدى لهذه المهددات بقوتها الجمعية: “Collective Power”، لا بالأدوات الفردية التقليدية، فالكتلة الخليجية مجتمعة تملك من مصادر القوة المتكاملة ما يمكنها من مواجهة المخاطر وتجاوز لحظة التهديد إن هي أحسنت توظيف مواردها الجمعية تلك، فهل تفعل؟
لعل أكبر دولتين في المنظومة: عُمان والسعودية، هما الأكثر تضرراً لاعتبارات ليس هنا موضع بحثها، ولكن التفاوت سيكون في درجات الانهيار وليس في أصله، فالنظام المالي الخليجي برمته سيشهد مرحلة تفكك وإعادة تشكل وفق قواعد مجانبة لتقاليد الدولة الرعوية والاقتصاد الريعي!!
هل تدرك نخب الإقليم وحكوماته أن الأزمة هذه المرة ترقى إلى مهدد مرتفع الحدة للأمن الإقليمي الجماعي! وهل تنحاز مراكز صناعة القرار إلى المصلحة العليا فتجنح إلى تجاوز حالة التصدع الداخلي؟ هذا مرهون بحدوث تحول جذري في أنماط التفكير الاستراتيجي، خاصة في الرياض وأبوظبي، وليس في الأفق حتى اللحظة ما يرهص إلى ذلك!!
يؤسف المرء القول إن العقل السياسي الرسمي في دول الحصار لا يزال مسكوناً بمقولات تنقصها الموضوعية السياسية والتأسيس الجيوستراتيجي.
في هذه اللحظة البالغة الحرج ليس مسموحاً بالخطأ، وليس أمام منظومة التعاون رفاهية الذرائع والقفز على الحقائق، وليس بمقدورها الإفلات من إكراهات اللحظة، فالمصالحة الحقيقية الناجزة الحافظة للسيادة هي السبيل، يليها بناء أنموذج تعاوني صلب يجسد درجة من الوفاق السياسي والتكامل الاقتصادي، والتآزر الأمني والدفاعي، والبديل عن ذلك انهيار لن ينجو منه أحد!!