ثمة رهان لدى البعض من أصحاب النوايا الطيبة بأن تجاربنا المريرة مع أزمة كورونا، وما اكتسبناه من عادات وسلوكيات ستلازمنا بعد انقضاء الأزمة، وتصبح جزءا من ثقافتنا اليومية.
والإشارة بالتحديد إلى عادات صحية كاستعمال المطهرات، وارتداء الكمامات في أماكن التجمعات، والسير على الأقدام بدل ركوب السيارة دائما، واختصار المناسبات العامة كالأفراح والأتراح، وتجنب المقاهي المكتظة والتزام قدر من التباعد الاجتماعي، والاعتماد على المهارات الفردية في تجهيز الطعام المنزلي والتسوق الإلكتروني.
شخصيا، لدي شك كبير في صمود طقوس الحظر في مرحلة ما بعد كورونا. صحيح أننا اختبرنا في هذه الأزمة نمطا جديدا للحياة والعمل والتعليم عن بعد، وكانت مثل هذه التقاليد قائمة قبل كورونا على نطاق محدود، وربما نطور قدراتنا على هذه المستويات، تماما كما هو الحال مع التسوق عن بعد المنتشر في أوساط عمانية بعينها. كما أن تجربة المدارس والجامعات في التعلم عن بعد تستحق اهتماما في المستقبل لتطويرها لتكون رديفا للتعليم المباشر، وأداة من أدوات دعم القدرات الإضافية عند طلبتنا، وبديلا متاحا لمن لا يستطيع لظروف خاصة متابعة تعليمه في المدارس والجامعات.
لكن جوانب أخرى من ثقافتنا السائدة والممتدة عميقا في تاريخنا يصعب تغييرها في شهرين أو ثلاثة من الرضوخ الإجباري لسلوك اضطراري. لقد شهدنا مقاومة للتغيير في عز الأزمة وإجراءات الحظر المشددة. واضطرت قوات الأمن للتدخل أكثر من مرة لفض جاهات وأعراس وتجمعات مناطقية، ولولا قوة القانون لما التزام أغلب الناس بتعليمات دفن الموتى الصارمة ولا الاجتماعات العامة.
يريد جميع الناس هنا وفي كل مكان في العالم العودة لحياتهم الطبيعية، وهذا من دون شك طموح مشروع، وفي ظل الانقطاع القسري عن تقاليد اعتاد عليها الناس طويلا، سنشهد اندفاعة اجتماعية كبيرة بعد رفع الحظر. فئات اجتماعية محدودة ستبقي على سلوكها الحذر في التواصل وتتمسك بقدر من التباعد، خاصة كبار السن في المدن والأحياء الغنية، لكن عموم الناس يظهرون في تعليقاتهم وهم في الحجر المنزلي شوقا غامرا لحياتهم السابقة. كثيرون يودون القفز خلف مقود السيارة والتجول في الشوارع، ومثلهم في شوق للقاء الأقارب والأصدقاء والصلاة في المساجد، وتقديم واجب العزاء لمن فقد أحبة في أيام الحظر.
في العموم بيوت العزاء والجاهات ستعود بالزخم نفسه الذي عهدناه في السابق. المصافحة والتقبيل سينتعشان من جديد بمناسبة أو بدون.
ستكون هناك فترة انتقالية محدودة تتسم فيها العلاقات بالحذر، لكن سرعان ما يتغلب الناس على خوفهم وتتفوق قوة العادة على المخاوف من كورونا ونقل العدوى.
لا نستطيع أن نلوم البشر، فلا يمكن لفيروس صغير وعابر ل ايرى بالعين المجردة أن يتغلب على إرث طويل من القيم والمفاهيم التي تحكم سلوكنا حيال بعضنا بعضا.
تكريس ثقافة جديدة يحتاج إلى برامج توعية واسعة وطويلة، ومبادرات مجتمعية متواصلة لتذكير الناس بقيمة التجديد في سلوكهم، وتأصيل ما نستطيع من مفاهيم صحية.
لكن على المدى القصير، علينا الاستعداد لعودة جارفة للنشاط الاجتماعي لتعويض ما فات من مصافحات وأحضان وتواصل اجتماعي.