ذكرى مذبحة دير ياسين / خميس بن عبيد القطيطي

في مثل هذه التاريخ الذي يمر على الأمة والذي حمل أقسى عناوين الظلم والطغيان والسادية عندما ارتكبت عصابات الإرهاب الصهيونية مجزرة دموية بشعة فجر التاسع من أبريل عام ١٩٤٨م في بلدة دير ياسين، وراح ضحيتها ما بين ٢٥٠ إلى ٣٦٠ مواطنا أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن، لم تكن الأولى أو الأخيرة التي ترتكبها عصابات الإجرام الصهيونية بحق أبناء الشعب الفلسطيني أصحاب الأرض والحقوق، وتحمل هذه الذكريات أيضا معاني أخرى تؤكد أن الدماء التي سالت على أرض فلسطين التاريخية ستعود وبالا على أصحاب الجريمة، فما بني على باطل هو باطل، فمن عاث في الأرض الفساد ينتظر مصيره المحتوم .
مذبحة دير ياسين لن ينساها العرب وستتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل، فهي وغيرها من الجرائم الصهيونية التي ارتكبت في حق العرب الفلسطينيين، ستقود بعون الله إلى التحرير الشامل واستعادة كامل الحقوق عاجلا أم آجلا، والمجازر التي يفتخر بها قراصنة اليمين الصهيوني المتطرف هي التي ستكون وبالا عليهم ونقمة، والتاريخ خير شاهد ومراحل حياة الأمم والشعوب تؤكد هذه الحقيقة، وكما ذكر مناحيم بيجن بعد أن أصبح رئيسا للوزراء: “كان لهذه العملية نتائج كبيرة غير متوقعة، فقد أصيب العرب بعد أخبار دير ياسين بهلع قوي فأخذوا يفرون مذعورين، فمن أصل (٨٠٠) ألف عربي كانوا يعيشون على أرض “إسرائيل” الحالية لم يتبقَّ سوى (١٦٥) ألفا”.
اثنان وسبعون عاما لم تستطع دورة الزمان أن تمحي تلك المشاهد من الذاكرة وقبلها ذكريات أخرى لم تُنسَ أيضا، وهذا يؤكد أن هناك حسابات قائمة لم ولن تنتهي منها بشرية وأخرى ربانية مسجلة، فما جرى في دير ياسين من مجازر بشعة قادها أقطاب الإرهاب الصهيوني في عصابات شتيرن والأرجون ودعم من الهاجاناه وقوات البالماخ، التي هاجمت القرية في فجر ٩ أبريل ١٩٤٨م ونفذت إبادة جماعية لأهالي دير ياسين وبمختلف الطرق السادية، اعتقد منفذوها أنها فتحت لكيانهم الأبواب بهجرة فلسطينية واسعة وحققت لهم انتصارا استراتيجيا، لكن غاب عن أذهانهم أن هذه المجازر هي التي أوقدت شعلة التحرير، وستلاحق هذا الكيان الغاصب حتى استعادة الحقوق، قال تعالى: (وَقَضَيْنَآ إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً(٤) فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مّفْعُولاً (٥) ثُمّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوّلَ مَرّةٍ وَلِيُتَبّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً (٧) عَسَىَ رَبّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً) {سورة الإسراء}.
وعودا على بدء فإن الذاكرة تعود بنا إلى اثنين وسبعين عاما للوراء في فجر ذلك اليوم عندما أقدمت عصابات مجرمة على إبادة قرية بأكملها، وكان غالبيتها من الأطفال والنساء والشيوخ ثم استعرضت بعض الأسرى قبل قتلهم، واستخدمت طرقا تأنف الكلمات عن ذكرها، ثم جمعت الجثث وألقيت في بئر القرية، وتقدر ما بين ٢٥٠ إلى ٣٦٠ شهيدا من أبناء قرية دير ياسين، ومن الغرابة أن يتفاخر مجرمو تلك المذبحة في دلالة جلية على غياب المشاعر الإنسانية وسيادة الظلم والطغيان والبغي، كذلك هو تأكيدا لوعد الله بتجميع هؤلاء في أرض فلسطين مصداقا لقوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا) وقد بدأ وعد الآخرة منذ ذلك التاريخ وإن غدا لناظره قريب .
لم نتحدث كثيرا عن تفاصيل المجزرة فكل المراجع تشرح التفاصيل بما لا تقبله نفوس البشر وهذه المذبحة، وتاريخ إعلان قيام دولة (إسرائيل) الذي جاء بعدها بشهر واحد مما أدى إلى اندلاع الحرب العربية ـ الإسرائيلية لعام ١٩٤٨م، والتاريخ يذكر كل المحطات التي جاءت بعد ذلك، مرورا بمختلف الحروب والمجازر والاجتياحات والاغتيالات والتشريد والقتل والاعتقالات، كذلك بالجانب المقابل هناك مقاومة فلسطينية وانتفاضات ومواجهات ومعارك أثبتت فيها المقاومة الفلسطينية والعربية عموما أنها صامدة لا سيما منذ بداية الألفية الثالثة، حيث بدأت المقاومة تقلب المعادلة في فلسطين، وهي متمسكة بهذه الثوابت، والأيام دول ونهاية الظلم والطغيان باتت وشيكة بعون الله، والمحتلون رغم تفاخرهم الزائف يدركون أنهم محاصرون في فلسطين وليس لهم أمان، وكلما تقدم الوقت ضاقت عليهم الأرض بما رحبت رغم تشدقهم الكاذب بالاستقرار والأمن، فكيف يمكن أن يتوافر الأمن والممارسات الظالمة في حق أبناء الشعب الفلسطيني طوال (٧٢) عاما تتزايد؟! هكذا سجل التاريخ العربي الفلسطيني من دير ياسين إلى انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى والعدوان الإسرائيلي في العقدين الأخيرين، أن ممارسات الظلم والطغيان لن تجلب الأمن ولن تحقق الاستقرار، وهذه ثوابت راسخة والأيام القادمة كفيلة بتحقيق تلك الوعود الإلهية، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري