عروبة الإخباري- كتب سلطان الحطاب
إنه رجل الضفتين الغربية والشرقية.. لم يخف غياب العدل فعدل حين تبرع باتجاه الضفتين بمليون دينار للمملكة الاردنية الهاشمية لتعزيز الجسم المناعي الصحي والوقوف إلى جانب الشعب الأردني وقيادته في مواجهة هذا التحدي وهو وباء كورونا..
وكذلك للسلطة الوطنية الفلسطينية ولوزارة الصحة تحديداً لدعم الإمكانيات الفلسطينية في مواجهة هذا الوباء الخطير، حيث يقبع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وحيث تحاصر غزة تماماً دون أن يحرك حصارها ضمير العالم الذي يدعي التحضر منذ عدة سنوات، ورغم أن الخلق لا يطيقوا أن يحاصروا مع امتلاء بيوتهم بالطعام لأسابيع، فكيف ببيوت يحاصرها الاحتلال والجوع، ويزيد المستوطنون عليهم نشر المرض كما حدث في الخليل على يد المستوطنين الفاشيين القتلة.
لم يخف منيب المصري البطل من أن لا يعدل، حين يكون في قلبه حب بلدين و شعبين و عاصمتين هما فلسطين والأردن..
فأمسك بالثنائية ولم يطلق واحدة على حساب الأخرى، بل مضى يعدل و يقدم أوراق اعتماده بمحبة غابت عن الكثيرين..
منيب لم يسجل هذا السابقة فقط، بل سجل من قبل الكثير غيرها بإقدامه دائما حين يتطلب الأمر العون والاستغاثة وجبر الخاطر، وإنقاذ الملهوف، أو حتى المساهمة بالمسؤولية الاجتماعية، فآثار أعماله منتشرة في كل فلسطين عبر أكثر من هيئة وجمعية ومنتدى وصندوق وبمسميات عديدة، ومن خلال جامعات وكليات ومراكز أبحاث وغيرها، ولا تكاد مدينة فلسطينية تخلو من عمل مباشر أو غير مباشر له..
لقد دق قلبي وارتجف اثارة وأنا أسمع نشيد “موطني” الذي أطلقه من بيته العامر على أعلى “جبل جرزيم”، وقد كنت زرته حين اختار أن تطلق حناجر فلسطينية متنوعة التخصصات والعمل وبملابسها المهنية المدنية والدينية والعسكرية هذا النشيد في صف راعى الابتعاد الذي تقتضيه كورونا.. وكان منيب في المقدمة، وقد غطى قلبه بقبضة يده ليفتح الصوت باتجاه الوطن..
منيب الذي يعيش التسعين من العمر ما زال يصر على ان تبقى الراية الوطنية مرفوعة في فلسطين والأردن، لأن رفعها هنا دعم لرفعها هناك، ورفعها هناك دعم لرفعها هنا، وصمود أحدهما صمود للأخرى، وسقوط أحداهما سقوط للأخرى، ومن هنا كان اسناد منيب للأثنتين، وقد عدل ولم يخف العدل ليقتصر على واحدة!!
كان اخي العزيز اسامة صالح مدير عام “شركه سمنترا” قد لفت انتباهي لما انجزه منيب المصري حين أرسل لي يقول : “انظر الى ابداع عمي أبو ربيح” .. قائلا : “هذا رجل نادر جداً مبدع وساحر”..
لم أكن بحاجة لسماع هذا الثناء، فقد عرفت منيب المصري منذ سنوات وفي مواقع متعددة، وقد كان همه أن يسخر كل طاقة ممكنة لخدمة الوطن الفلسطيني والوقوف الى جانب القدس والفقراء، وقد جاب العالم من أجل “صندوق القدس” و تحمل الكثير من التعب والإرهاق، كما عمل كثيرا من أجل اسناد الجامعات ومراكز البحث، وظلت فلسطين تمده بكل أسباب العزيمة ليراها وقد تنفست الحرية استشرفت النصر، ولذا لم يكن منيب يطمح في مركز او موقع، بل كان دائما يحب أن يكون جنديا من أجل فلسطين، فظل قريبا من قيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات والرئيس ابو مازن، كما ظل حبيبا للأردن وملوكه وشعبه.
منيب المصري اليوم يسجل موقفا نبيلاً، ستذكره له الاجيال.. فقد ظل مرتبطا بالميدان ينتصر للحق، كما رأيناه في ساحات بيروت، و في مقابر الشهداء في نابلس وغيرها في فلسطين.. حين التقيته ونحن نحيي ذكرى شهداء الجيش العربي الأردني، فما أن فرغنا من ذلك حتى رأيناه في عمّان في عشاء العمل، وقد جاء بشخصيات عربية قيادية على رأسها الأمير تركي بن عبد العزيز ليطوعهم في سبيل نصرة القدس وإسناده حاجياتها.
ليمد الله في عمرك يا أبا ربيح .. ويمتعك بالصحة لتبقى ذاكراً للقدس وفلسطين ومحبا لشعبينا الفلسطيني والأردني الذين بقيا عندك توأما لا يفترقان، وانزلتهما بمنزلة “منيب الحفيد” الذي أحببته ودربته ليسلك لك طريقك..
فتحية لك، ولك وعد أن نكتب عن ما آمنت به من قيم ومبادئ وطنية ما تذكرنا بك دائما..