لا أحد يعرف متى سيتم السيطرة على فيروس كورونا الذي انتشر في الصين منذ شهر تشرين الأول العام الماضي، والذي لا زلنا لغاية اللحظة نتكهن متى سيتم السيطرة عليه أو إيجاد اللقاح او المضاد الحيوي لمكافحته. مراكز البحث العالمية تتحدث عن عام على الأقل لغاية الوصول الى اللقاح او المضاد الحيوي، الا إذا وبمحض الصدفة ثبت ان بعض الادوية الحالية والمستعملة لأمراض أخرى مثل الملاريا وغيرها قد تكون علاجاً ولو جزئيا لهذا الفيروس الخبيث.
الى ان يتم التوصل الى أحد الحلول أعلاه، هل يتخيل البعض الخسائر البشرية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة على هذه الازمة والتي لم نرى مثيلا لها منذ الركود الكبير خلال الأعوام ١٩٢٨-١٩٢٩.
الاقتصاد العالمي سيعاني لفترة طويلة قادمة، الموازنات الوطنية سيزداد عجزها الى حد يتعدى قضية زيادة الدين، لأنه قد لا يكون هنالك دول تقرض وإذا فعلت فقد يكون فتاتا لأغراض إنسانية، ومع هذا الركود الاقتصادي ستزداد اعداد العاطلين عن العمل الى نسب غير مسبوقة، وستعلن العديد من الشركات العالمية إفلاسها مثل شركات الطيران والشركات السياحية والفنادق والمطاعم وأصحاب الاعمال الصغيرة والمتوسطة غير القادرة على دفع رواتب موظفيها لفترات طويلة. وباستثناء دول مجموعة العشرين والتي تستحوذ على ٩٠٪ من النشاط الاقتصادي العالمي، لن تكون دول ما تبقى من العالم قادرة على تحمل تبعات جائحة الكورونا وستعاني هذه الدول كثيراً من هذه الازمة ولن تكون قادرة على العودة الى وضعها السابق قبل الأزمة، فلا برامج التصحيح الاقتصادي سيكتب لها الاستمرار وستضطر هذه الدول الى الرضوخ لبرامج جديدة تحمل معها المزيد من الضغوط الاقتصادية غير المحتملة على مواطني تلك الدول، ولا برامج التحفيز الاقتصادي ستاتي اكلها. هنالك دول مثل الأردن ومصر وتونس ولبنان والمغرب وفلسطين والقارة الافريقية وغيرها من الدول والتي موازناتها موزونة بميزان الذهب لن تكون قادره على ضخ الأموال لدعم اقتصاداتها ولا تحمل المزيد من العجز المالي ولا بد من إيجاد السبل لدعمها وتمكينها، والأسواء من ذلك، ان الدول الخليجية التي كانت تساعد بعض الدول مالياً وخاصة العربية منها، قد لا تكون قادره على ذلك على المدى القصير في ظل انخفاض سعر النفط لمستويات غير مسبوقة.
وهنا يكمن الهدف من هذا المقال، لان ما كتب سابقاً معروف للعديد من الخبراء والمسؤولين، بمعنى من يتحمل معاناة شعوب الدول غير القادرة على تحمل تبعات كارِثة الكورونا؟. اعتقد هنالك جهتان مسؤولتان عن معاناتنا من ازمة الكورونا؛ الصين ومنظمة الصحة العالمية وهي إحدى المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، الصين مسؤولة لأنها لم تنبه العالم عن هذا الوباء في الوقت المناسب، إلا بعد تفشيه وخروجه عن السيطرة، في ظل غياب الشفافية والبطء في اتخاذ الإجراءات، وإذا كان لديها، أي الصين، معلومات أخرى فعليها إخراجها للعلن.
اما منظمة الصحة العالمية فتتحمل بيروقراطيتها وبطء إجراءاتها المسؤولية الكبرى وهي التي كانت تصرح “نهارا ًجهاراً” بان المرض لم يصل الى مرحلة الوباء العالمي، الى أن أعلنت قبل حوالي ١٣ يوما فقط بأن المرض قد تحول الى وباء عالمي وبعد ان خرجت الامور عن سيطرة الدول والحكومات.
يضاف الى تلك الأسباب، السياسات الشعبوية للإدارة الامريكية في التعامل مع الموضوع عند بداية الازمة، إضافة الى التقاعس الأوروبي على مدى أسابيع دون اتخاذ إجراءات مناسبة، والعزوف عن مساعدة ايطاليا، كانت ايضاً اسباباً مهمة لما نشهده اليوم من وضع مأساوي.
الدول الفقيرة المتضررة عليها التنسيق مع بعضها بعضاً لتبني موقف محدد للمطالبة بتعويض الاضرار من الجهتين المسؤولتين عن هذه الكارثة، بما في ذلك الذهاب لمحكمة العدل الدولية والتي تختص بحل النزاعات الدولية والقضايا بالوسائل السلمية وفقاً لمبادئ العدالة والقانون، والتي تقدمها الدول للمحكمة.
كما وأن على دول مجموعة العشرين مساعدة الدول المتضررة حتى تتمكن من إعادة بناء اقتصاداتها، اما صندوق النقد الدولي وذراعه الفني والمالي البنك الدولي فعليهما العمل فورا ًوبصفة عاجلة لتحضير حزم مالية بدون فوائد لمساعدة الدول المتضررة لأحياء نشاطاتها الاقتصادية وذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وقبل فوات الأوان.
ان فشل النظام العالمي (الذي هيمن عليه الغرب على مدى سبع عقود مضت)، في التعامل مع مثل هذا الوباء عمليا ًولوجستيا ًوطبياً، هو المسؤول الأول عن أزمتنا اليوم والتي سيدفع ثمناً باهظاً لها العالم النامي والفقير.
ويبقى السؤال؛ ماذا لو ظهر فيروس من نوع جديد بعد عام أو عامين، فهل سنتعامل معه بنفس الطريقة وهل ستتحمل دول مثل دولنا التبعات القادمة مرة اخرى؟