إيران في الحجر الصحي.. ”دعاية“ أميركية / زهير قصيباتي

لا يشبه عزلة إيران السياسية سوى طوق حجر صحي فرضته دول الجوار عليها، لمنع انتقال فايروس كورونا الذي ضرب في قم ويهدد طهران بعزلها. لكن كل ذلك لم يمنع مرشد الجمهورية علي خامنئي وعصا نظامه “الحرس الثوري” من الاحتفال بـ”امتحان الانتخابات العظيم”، ونتائجه التي لا يمكن وصفها إلا بفضيحة لنظام المتشددين والأصوليين، مهما كابر المرشد وادعى “نصرا” إلهيا.

احتفل المرشد بما رآه مشاركة واسعة في الاقتراع، فيما وزير الداخلية يقر بأن الإقبال على التصويت، الجمعة الماضي، لم يتجاوز نحو 42 في المئة، وبأن 1.8 مليون ناخب اقترعوا في طهران حيث الناخبون 9 ملايين.

وعلى رغم تلك الأرقام التي تسجل أدنى إقبال على التصويت منذ ثورة 1979 يحتفل خامنئي، خصوصا لأن “النصر” تحقق رغم “المؤامرة التي لم يهدر فرصة استحضارها”، فهل من مبرر لإثارة هلع من فايروس في وقت كان على “المخلصين” لإيران الثورة والميليشيات الذهاب إلى مراكز التصويت، لأداء “واجب ديني”؟

إنهم “الأعداء” مرة أخرى الذين تبرر بهم طهران مسلسل كوارث لقبضتها، بدءا بقتل قاسم سليماني “رجل السلام” كما يصفه الرئيس حسن روحاني، مرورا بإسقاط “الحرس الثوري” الطائرة الأوكرانية والكذب في تبرير الحادث، وقبلهما انتفاضة الغضب التي أخمدها النظام الإيراني بقتله المئات من المحتجين في العشرات من المدن حيث علت هتافات “الموت لخامنئي”، بدلا من “الموت لأميركا”.

نتائج الاقتراع بعد أيام على الذكرى الواحدة والأربعين للثورة، وبافتراض نزاهته الكاملة لا تعني شعبيا ما هو أهم من حجب الثقة عن نظام استنفد كل أساليبه لإخضاع أكثرية سئمت لعبة التمييز بين المتشددين والمحافظين والمعتدلين والأصوليين والإصلاحيين، لأن الجميع في سلة المرشد، وهذه لا يَأتمنُ عليها سوى “الحرس الثوري”.

ومرة أخرى، لافتة “القوة الكبرى” في المنطقة والتي لوحت بها إيران لسنوات، على أمل تبادل المصالح مع القوة العظمى أميركا، ولو كانت “شيطانا”، سقطت في الواقع تحت ضربات “أقصى الضغوط” التي نجحت فيها إدارة الرئيس دونالد ترامب. ولعل سقوط خرافة القوة الكبرى تحت وطأة خنق الاقتصاد الإيراني وتفشي سوء الإدارة والفساد، وزعزعة النفوذ الإقليمي الميليشياوي المسمى “محور المقاومة”، ساهم في تبديد كل رهان داخلي على تجديد دماء النظام.

صحيح أن قبضة القمع نجحت مرات في إخماد تمرد الشارع، لكن هيمنة المتشددين و”الحرس” والأصوليين والوصوليين، وتفردهم بغالبية مقاعد البرلمان لن ينعكسا حتما اكتفاء لدى الإيرانيين بطلاق صامت مع حراس “قلعة” المرشد، وتحمل المزيد من عواقب أوهام “القوة الكبرى التي لا استقرار ولا أمن في المنطقة من دونها”.

أي شرعية لانتخابات يخضع المرشحون لها لحملة تطهير مسبقة، على يد مجلس صيانة الدستور المكلف حماية ثورة النظام من “آفة” المعارضين؟ الاقتراع الهزيل رغم تمديد السلطة لساعات فترة التصويت، قد يخطئ كثيرون في اعتباره قرارا بالمقاطعة اتخذه الإصلاحيون ردا على “مجزرة” المجلس الدستوري الذي شطب آلافا من المرشحين، والحال أن مؤشرات الانتفاضة الأخيرة في نوفمبر الماضي، وما شهدته من حرق للعشرات من المصارف وهجمات على ثكنات لميليشيا “الباسيج” وهتافات حطمت كل المحظورات، تترجم فصلا كالحا من اليأس.

إنه يأس جيل الشباب الذي لم يجن من الثورة بعد أربعة عقود على خطفها للبلد، سوى الخيبة والإحباطات نتيجة البطالة والخوف الدائم من البطولات الخرافية، فيما رموز النظام المرئية والمخفية تتقاسم غنائم المصالح المالية في الداخل، وشبكة الميليشيات في إيران والخارج. جيل اليأس واضح أنه نفض يديه من طموحات الإصلاحيين الذين كانوا على مدى عهود، في السلطة أو المعارضة، بيادق لتجميل لعبة سلطة تتذاكى في تضليل قوى غربية بديمقراطية ثورة.

المرشد والرئيس استنجدا بفايروس كورونا. الأول ليرد “كيد” أعدائه في المنطقة والغرب تحديدا، إذ سخر خامنئي ممن “ضخموا وروّجوا للرعب” من كورونا لكي يمتنع الإيرانيون عن ترك منازلهم ليصوّتوا. والثاني استعار تشبيه الفايروس بالعقوبات الأميركية لأن “الخوف منها أشد من مفعولها”. الأول ينفصل عن الواقع، ولا يرى أن انتخابات اللون الواحد إسفين للنظام قد ينقلب على رأسه، في ظل الاختناق المالي والاقتصادي، والثاني تناسى أنه هو نفسه حذر قبل أيام قليلة من عواقب تجاهل مفاعيل تلك العقوبات.

أليس في اعتراف صحيفة “كيهان” بـ”استبعاد الشعب الإصلاحيين” في الانتخابات، تجاهلا غبيا لانعكاسات مدّ نفوذ “الحرس” إلى البرلمان، فيما هو على رأس لوائح الإرهاب الأميركية؟

الآن الأولوية لما يهدد الثورة بخطر وباء داهم، بعدما احتوى خامنئي “أعراض” الإصلاحيين وأطماعهم بالسلطة. والخوف الذي يتحول رعبا بعد الفايروس الذي زحف من قم، أن تكذب الثورة هذه المرة أيضا، كما كذبت بعد كارثة الطائرة الأوكرانية ميليشيا “الباسيج” كما قيل جاهزة لصد كورونا، وتطويق طهران بحجر صحي. مَن يعرف حصيلة الضحايا؟ لا بد أن يقرر المرشد.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري